ينتعل الحذاء الذي كان ينتعله عندما كان كاردينالاً. هو قال أعيش كراهب مع الآخرين في دير القديسة كاترينا لأنني لا أحب الوحدة وأحب لقاء الآخرين. هذه الكلمة «اللقاء» هي إحدى الكلمات المفاتيح التي تردّدت في جميع عظاته في لقاء الشبيبة العالمي في البرازيل. تُضاف إليها كلمة الإيمان، والفرح وخدمة الفقراء والناس التي أقصاها الفقر والبؤس وهمّشتها «صفائح التنك» أو الكرتون في مدن «الفافيلا» في البرازيل.سافر كراكب عادي، ويوم قُدمت له طائرة خاصة لتنقله إلى البرازيل، رفض العرض وسافر كباقي المسافرين والناس العاديين في الطائرة الذاهبة إلى البرازيل.
قدم القهوة للحراس. وذات ليلة، سمع أصواتاً قرب غرفة نومه فخرج ليرى من أين تأتي الأصوات، فرأى هناك الحراس. فسألهم: لماذا هم ساهرون هناك؟ فقالوا له لحمايتك. فقال لهم الرب هو الذي يحمي. ودخل وصنع لهم قهوة وعاد فقدمها لهم، وطلب منهم أن يذهبوا إلى النوم ويتركوه لحماية الروح القدس.
وهو قال للصحافيين العائدين معه في الطائرة في 29 تموز 2013، وهو كدانيال في جب الأسود، «أفضل أن أرتكب جنون القرب من الناس بدل جنون الحماية المصفحة». ولم يحدث أي حادث في كل الزيارة، وقال «بفضل قلة الأمن تمكنت من أن أكون قريباً من الناس وأن أعانقهم، أن أحييهم بدون سيارة مصفحة. الأمن هو أن نثق بالشعب».

البساطة والفقر

صليبه لم يغيّره. ولم يبدّل تاجه البسيط. بدلة قداسه البيضاء تميزت بالبساطة وعدم الزخرفة الذهبية، وكان له الاستقبال بمحبة وكرم وفرح في «مدينة الصفيح مدينة التنك». زار كنيسة القديس جيرولامو ايماليانو وبارك المذبح الجديد، وتوجه سيراً على الأقدام إلى ملعب كرة القدم، وقال «ما أجمل هذا الترحيب الحار جداً والاستقبال بمحبة وكرم وفرح. نستقبل شخصاً ونتقاسم معه بعض الطعام وفترة من الوقت. الفقراء يقدمون للعالم أمثولة التضامن لوقف المظالم الاجتماعية والخروج من ثقافة الأنانية والفردية، وكافح الجوع والبؤس في مجتمع لا يملك إلا فقره. الكنيسة هي محامية العدالة والمدافعة عن الفقراء. نعطي جزءاً للجائع. غير أن هناك جوعاً أكبر لسعادة يستطيع الله وحده إشباعها. ونحمي العائلة في تربية وثقافة متكاملة وليس فقط نقل المعلومات، بل البحث عن البعد الروحي. لا تفقدوا الشجاعة والثقة والرجاء ولو كان حولكم أشخاص يبحثون عن مصالحهم ويأكلهم الفساد والابتعاد عن الخير العام. لستم وحدكم. الكنيسة معكم. البابا معكم. أنا معكم، أحمل إليكم رغبة العزاء في أوقات الحزن والألم، وأكلكم إلى شفاعة سيدة أباريسيدا أمّ جميع فقراء البرازيل».

تألم من «جخ» الأساقفة والكهنة والرهبان

وعندما توجه إلى الكهنة والرهبان والأساقفة، قال في 7 تموز 2013 «إن امتلاك أحدث الهواتف الذكية أو الكماليات الفاخرة ليس الطريق إلى السعادة». وهو يدعو الأساقفة والكهنة قائلاً: يؤلمني أن أرى كاهناً أو راهبة في أحدث السيارات. لا يمكنكم أن تفعلوا ذلك. السيارة ضرورية للقيام بأعمال كثيرة، لكني أرجوكم أن تختاروا سيارة أكثر تواضعاً. إذا أردتم سيارة أكثر رفاهية، ففكروا فقط في عدد الأطفال الذين يموتون من الجوع في العالم. وأشارت وكالة «أنسا» إلى أنّ سيارة البابا هي من نوع «فورد فوكس».
وفي خطبته في ريو دي جانيرو في 25 تموز 2013 قال: «تمنيت أن أقرع الأبواب، وأقول صباح الخير وأطلب كوب ماء بارد. وأرتشف فنجان قهوة وأتحدث مع الموجودين كصديق، أو أستمع إلى قلب كل واحد، الآباء الأطفال، الأجداد. الغنى الحقيقي ليس في الأشياء، بل في القلب».
ثقافة التضامن
هي ثقافة الحب والكرم ضد الأنانية والفردية. الكنيسة محامية العدالة والمدافعة عن الفقراء، لذلك على الشباب بناء عالم جديد، واقتلاع الشر والعنف وتدمير حواجز الأنانية والتعصب والكراهية.
وعلينا مقاومة العبادات الزائلة مثل المال والسلطة والمتعة. أيها الشباب، البسوا المسيح، ضعوا ثقتكم بالمسيح. الإيمان يشعل ثورة داخلية، ثورة «كوبرنيكية». الإيمان يغمرنا في محبة الله ويعطينا الأمان والقوة والرجاء والسلام والعزاء واللطف والشجاعة والصفاء والسعادة، وهذه كلها ثمار الروح القدس.
رحمته تشفي جراح الخطيئة. اطلبوا مغفرة الله واعترفوا. اذهبوا إلى الإفخارستيا.
ثقافة القبول بالرغم من
«نحن نحتاج إلى ثقافة القبول واللقاء والمحبة والاحترام»، حمل حقيبة يده بنفسه وملفاً كبيراً أسود، (23 تموز 2013) وقال «أنا لا أملك ذهباً أو فضة، ولكني أحمل ما قد أعطى لي وهو أثمن من ذلك: يسوع المسيح».
ثمرة عمره 76، وهو الشاب الأول بين كل الشباب (غدي حداد، النهار، الخميس، آب 2013) بالنظر الى جاذبيته، ولم نفكر بالشكوى إليه من حال الكنيسة في مختلف دول العالم ومن قرفنا أحياناً من بعض رجالاتها وممارساتهم، فإذا برأس الكنيسة يسبقنا إلى الشكوى. لكنه يزرع فينا الأمل بمستقبل مشرق نصنعه نحن للكنيسة في العالم».
تحدث عن المرأة والمثليين، والفساد في الكنيسة، المال، والكهنة، ودور الشبباب، ودعا الى اتباع المسيح من خلال الانخراط في القضايا الاجتماعية والسياسية من أجل تغيير العالم (غدي حداد) وهو صوت صارخ: يقول كنيسة فقيرة من أجل الفقراء.

«انتهى زمن الكرنفال»

كُتب في وكالة الصحافة الفرنسية (16 آذار 2013): «بعد انتخابه، جاء الوقت ليلبس البابا زيّه الحبري قبل إطلالته على ساحة القديس بطرس، فأتوه بالجبة البيضاء فلبسها، وعندما أتوه برداء الأكتاف المخملي المطرّز بالريش الأبيض الناعم، قال لحامله «ما حاجتي إلى هذا؟ البسه أنت إن أردت، لقد انتهى زمن الكرنفال». مع البابا فرنسيس انتهى زمن الكرنفالات في كنيسة يريدها أن تعود كنيسة الفقراء.

البابا خطّ طريق التغيير

البابا خطّ طريق التغيير للكنيسة بأسرها. إن آثار اليوم العالمي للشباب 2013 ستنعكس على الكنيسة بأسرها والعالم برمته. طبعاً تبادل البابا مع الشباب القبعات والقمصان والقبل والمعانقة. لقد طلب منهم تحمل مسؤولياتهم والسير عكس التيار، وتخطي حدود الذات ومستنقع الأوهام ومعانقة المسنّين مصدر الحكمة. هذا هو نداء الرحمة الكبير الذي حمله البابا فرنسيس.
كذلك طالب بعدم تسلط رجال الدين وإفساح المجال أمام مشاركة وإسهام أكبر من قبل العلمانيين والنساء داخل الكنيسة وأن يعيشوا الرحمة، وطلب من الطبقة الحاكمة الانتباه إلى أهمية ثقافة اللقاء والحوار، لأن الكنيسة لا يجب أن تتحول إلى منظمة غير حكومية، والأساقفة هم رعاة وآباء يحبّون الفقراء ولا يتمتعون بسيكولوجية «الأمراء» فتصبح قلوبهم قاسية بلا رحمة. أعلنوا الإنجيل حتى عندما يتعارض مع العالم وبلا رحمة ويسير عكس التيار.

كل ما نتقاسمه مع الآخرين يتضاعف

«عندما نكون كرماء في الترحيب بشخص ما ونتشارك معه شيئاً ما القليل من الطعام، مكاناً في بيتنا ووقتنا، لا نبقى غير فقراء فحسب، بل نغتني حين يشعر شخص ما بالجوع ويقرع بابكم، أنا أعرف أنكم تجدون دائماً طريقة لنتشارك الطعام... مبيّنين أن الغنى ليس في الأشياء، بل في القلب. أن ثقافة التضامن والرحمة وليس الأنانية أو الفردية تدفعنا أن لا نرى في الآخر منافساً أو عدواً بل أخاً. عندما نتشارك نغتني فعلاً.
كل ما تتم مشاركته تتضاعف. إن قياس حجم مجتمع ما يعطي بحسب الطريقة التي يعامل فيها الأكثر احتياجاً، الذي لا يملك إلا فقره. فلتنبض قلوبنا بالرحمة. إن الكنيسة محامية العدالة والمدافعة عن الفقراء ضد عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية غير المقبولة الذين يصرخون إلى السماء. علينا تنمية كل إنسان وكل البشر. من الضروري إعطاء الخبز للجائع. إنه عمل هام. لكنْ هناك جوع أعمق، جوع إلى هناء لا يشبعه إلا الله.
نموّ الإنسان يتطلب تعزيزاً حقيقياً للخير العام والاستناد الى الأسس الجوهرية التي تستند إليها الأمة. الحياة التي هي عطية الله وقيمة ينبغي حمايتها على الدوام. العائلة، أساس التعايش والعلاج ضد التفتت الاجتماعي، التربية المتكاملة، الصحة، والبحث عن البعد الروحي للإنسان. الأمن، بالتغلب على العنف من خلال تبدل القلب البشري.
وختم قائلاً «أنتم أيها الشباب لديكم حساسية تجاه الظلم، ولكن غالباً ما تشعرون بخيبة أمل من أفعال تحدث عن الفساد، من أشخاص الذين عوضاً من أن يسعوا إلى الخير العام يسعون إلى خيرهم الشخصي. أكرر لكم وللجميع. لا تياسوا أبداً، لا تفقدوا الثقة والرجاء، ويمكن للحقيقة أن تتغير، يمكن للإنسان أن يتغير، اسعوا أنتم أولاً لتحقيق الخير، لا للتعود على الشر، بل على الانتصار عليه. إن الكنيسة ترافقكم وتحمل لكم خير الإيمان، القيّم، من يسوع المسيح الذي «أتى لتكون للناس الحياة وليكون لهم الأفضل (يوحنا 10).
أعهدكم جميعاً بشفاعة سيدة أباريسيدا أمّ جميع الفقراء في البرازيل، وأعطيكم بركتي بمودة كبيرة».
* أمين سر اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام