في 15 شباط 2013، أطلقت الحكومة اللبنانية لأول مرّة في تاريخ البلاد جولة ترخيص للشركات الراغبة بالمشاركة في التنقيب عن النفط مقابل السواحل اللبنانية. يتعيّن على الشركات الراغبة بالمشاركة في مناقصات التنقيب على النفط والغاز وتراخيص الانتاج مقابل السواحل اللبنانية أن تقدم رزم ما قبل التأهيل الخاصة بها قبل نهاية شهر آذار. وسيجري إبلاغ الشركات التي تصل إلى مرحلة ما قبل التأهيل بحلول منتصف نيسان، وتبدأ عملية المناقصة في شهر أيار وتستمر ستّة أشهر.
ثمّ تقوّم العروض بين تشرين الثاني 2013 وكانون الثاني 2014، على أن يوقع عقد التنقيب والانتاج الأول في شباط 2014.
اختار لبنان انتهاج عملية ترقى إلى مستوى الشفافية في التعامل مع البلوكات النفطية البحرية، على عكس عدد من الدول النامية الأخرى، التي قد تعتمد وسائل أقل شفافيةً، مثل المفاوضات المباشرة، أو منح العقود على قاعدة «من يصل أولاً». فتشجع الطريقة الثانية الأنشطة الريعية والفساد، بما أنّ معايير منح العقود غير محددة ولا يعرفها المستثمرون على نحو مسبق. فتصبح التراخيص عرضةً للمحسوبيات والفساد. مبدئياً، من شأن المناقصة التنافسية، إن صممت ونفذت على النحو الصحيح، أن تشجع الشركات المؤهلة مالياً وتقنياً على تقديم الشروط الأفضل (المجازفة الأعلى) إلى الحكومة المضيفة، للحصول على حقوق النفط والانتاج. لذا، يمكن اعتبار المقاربة التي تتبعها الحكومة اللبنانية «جيدة حتى الآن».
لقد جرى تحديد أربعة معايير للتأهيل المسبق: قانونية، مالية، تقنية، بيئية، كما تضيف دول أخرى معيار المحتوى المحلي. ومن خلال وضع معيار معين، تزيد السلطات اللبنانية احتمالات جذب شركات جادة قادرة على تنفيذ مشاريع كثيفة رأس المال، وبرامج تنقيب محفوفة بالمجازفة. باتت هذه الاستراتجية المرغوبة ممارسةً شائعةً في العديد من الدول النامية، التي عانت تاريخياً من مستثمرين حصلوا على بلوكات نفطية ضخمة، قبعوا عليها فترة دون أن ينجزوا فقط عمليات تنقيب محدودة (هذا إن قاموا بأي تنقيب أصلاً)، بانتظار اللحظة المناسبة لبيعها مقابل ربح مالي.
غير أن تقديم العروض التنافسية واختيار المعايير الخاضعة لها، وبالتالي درجة نجاح هذه استراتجية، تتغير من دولة إلى أخرى.
لطالما فضلت الولايات المتحدة منح التراخيص من خلال المناقصات التنافسية، حيث يساوي دفع المكافآت النقدية، وهو الأمر الوحيد الخاضع للمزايدة، حوالى 46% من عوائد الجرف القاري الخارجي التابع للحكومة الفدرالية. وفي النرويج وبريطانيا، تمنح الرخص عادةً على أساس برنامج عمل مقترح. وفي الدول النامية، قد تشمل العوامل الخاضعة للمناقصة مستوى مشاركة الدول والمحتوى المحلي وأهداف الانتاج وسقف استرداد التكاليف ومعدلات الضرائب والإتاوات. وفي لبنان، قد تشمل المواد الخاضعة للمناقصة برنامج العمل ومستوى تشارك الأرباح.
تظهر التجارب السابقة أن شمل الشروط المالية بالمناقصة محفوف بالمخاطر. فمن جهة، قد يؤدي إلى هيكليات مالية متباينة تطبق على مستثمرين مختلفين، ما يسبب عبئاً إدارياً إضافياً. ومن جهة أخرى، قد تقدم بعض الشركات شروطاً ربما تكون منهكةً لها لتفوز بالمناقصة فحسب، ثمّ تعيد التفاوض على الشروط إذا انخفضت أسعار النفط والغاز، أو إذا كانت الاكتشافات اللاحقة بلا مردود اقتصادي جيد.
تؤثر العديد من العوامل في نجاح جولة ترخيص، من ضمنها احتمالات نجاح عملية التنقيب والظروف الاقتصادية والمخاطر السياسية والأطر القانونية والتنظيمية، إضافةً إلى الشروط المالية، لكن لا يستطيع المستثمرون اختيار شروط معينة دون أخرى، لا بل على العكس، فهم يأخذون عوامل عدّة في الحسبان قبل القيام بالمناقصة. مبدئياً، يرتبط حجم العرض المقدم لمشروع ما، بمدى ربحيته والأطر الاقتصادية المرتبطة به، بما فيه أثر النظام الضريبي.
غالباً ما يقال إن المناقصات التنافسية هي المقاربة الأفضل عند تحديد وجود مورد تجاري، قبل أن تحول الشكوك الجيولوجية دون تقديم عروض كبرى. وعلى الرغم من أن المعطى الجيولوجي عامل مهم جداً، إلا أنه ليس العامل الوحيد الذي يؤخذ في الحسبان عند اتخاذ قرار يتعلق بالاستثمار. فمثلاً، على الرغم من إثبات تمتع الجزائر بموارد غاز ونفط ضخمة، إلا أن جولة منح التراخيص التي أقامتها عام 2011، لم تؤد إلا لمنح رخصتين من أصل عشر رخص، فالشروط الضريبية في البلاد والمخاطر السياسية، حدّتا من حماسة المستثمرين.
في لبنان، اشترت أكثر من 40 شركة نفط وغاز دولية، خاصة وتملكها دول، بيانات المسح الزلزالي من وزارة الطاقة والمياه. ويعدّ هذا التطور إيجابياً، بما أنه يسهم في تحقيق إطار تنافسي لجولة منح التراخيص، ما يعكس الاهتمام الكبير بعملية التنقيب. وتبقى النقطة المهمة هنا، إدراك مدى هذا الاهتمام.
لكن تجدر الإشارة إلى وجود اختلاف بين عدد الشركات التي تشتري البيانات، وتلك التي تصل إلى مرحلة ما قبل التأهيل، أي الشركات التي تشارك في المناقصة فعلياً، والتي تحصل على العقود، إذ يتقلص هذا العدد كلّما تقدمنا باتجاه الفئة الثانية. ويمثل العراق أفضل مثال على ذلك، فهذا البلد يضمّ 127 تريليون قدم مكعب من احتياطات الغاز المؤكدة، أي ما يساوي 1.7% من المخزون العالمي. وقد أقيمت جولة منح التراخيص الرابعة فيه عام 2012، وركزت على نحو خاص على استكشاف الغاز في البرّ العراقي. في البداية، وصلت 47 شركة إلى مرحلة ما قبل التأهيل، بينها شركات ضخمة مثل «بي بي» و«شيل» و«توتال»، حيث كان 12 بلوكاً مقدماً. وعند الكشف عن شروط التنقيب، لم تقدم إلا 11 شركة عروضاً شملت 4 بلوكات. وبالنتيجة، لم تُمنح عقود إلا عن ثلاثة بلوكات.
اليوم، الأنظار موجهة إلى لبنان، فيما يسعى إلى التقدم على هذا الطريق الطويل. وحتى الآن، يظهر أن عملية ما قبل التأهيل متطابقة مع الممارسات الدولية السليمة، فهي تبدو منطقيةً ولا تخلق قيوداً من شأنها الحدّ من المنافسة التي تعدّ مكوناً أساسياً في نجاح دورة الترخيص، لكن ما يثير القلق هو المدّة القصيرة من الوقت التي تفصل بين عملية ما قبل التأهيل وبداية عملية المناقصة.
يتعين تصميم عملية المناقصة على نحو دقيق بهدف تحقيق الأهداف المرغوب فيها، إذ يجب التعامل مع القدرات الإدارية الضعيفة، ومع عدم اطلاع المساهمين المحليين على النحو الكافي على عملية المناقصة. ومن المهم جداً الحرص على فرض حوكمة قوية وأطر لمكافحة الفساد وعدم التمييز بين شركة وأخرى (على الأخص خلال فترة تقديم الطلبات وتقويمها). وفي الختام، نؤكد على أن الشفافية ستكون لمصلحة الشركات المشاركة والدولة على حدّ سواء.
* خبيرة اقتصاية في مجال الطاقة، باحثة في المركز اللبناني للدراسات (ترجمة هنادي مزبودي)