لا شك أنّ «مجلس صيانة الدستور» هو أحد أبرز الأسباب التي تحول دون تصنيف إيران بين الدول الديموقراطية في العالم، لكن بعدما شهدنا كم الهزالة والانحطاط الذي يُرافق الانتخابات الأميركية المزمع عقدها في الخامس من تشرين الثاني المقبل، عرفنا وخبرنا أهمية ذلك المجلس وإن سلّمنا جدلاً بأنه يتعارض مع أصول النظام الديموقراطي. مجلس صيانة الدستور الذي تعتمده إيران كمؤسسة دستورية متقدّمة لغربلة المرشحين الإيرانيين لأي منصب رفيع يستدعي انتخابات عامة، إضافة إلى وظيفته الأساس لجهة مراقبة دستورية القوانين التي تصدر عن مجلس الشورى، هو على غرار المؤسسات التي تُسمى «المحكمة الدستورية» أو «المجلس الدستوري» في دول أخرى. صحيحٌ أن تلك الغربلة تشدّد على التزام المرشّح بنظام ولاية الفقيه، لكنها تشمل أيضاً دراسة سلوك المرشّح ووضعه الاجتماعي والعلمي والثقافي والذهني والصحّي أيضاً، ومدى خبرته على مختلف الصعد التي تستدعي أن يتمتّع بها كلّ مَن يتولّى منصباً عامّاً، ولا سيما المنصب الثاني بعد المرشد في الجمهورية.
مناسبة هذا الكلام، كما أسلفنا في المقدّمة، هي ما يجري في الانتخابات الرئاسية لأكبر قوّة اقتصادية في العالم وثاني قوّة نووية، إذ انحصر خيار الأميركيين بين مرشّح (جو بايدن) غير مناسب من الناحية الجسدية والصحّية والذهنية، ومرشح آخر (دونالد ترامب) غير مناسب من الناحية الأخلاقية، فضلاً عن طباعه البهلوانية. برزت هزالة المرشحَين المذكورَين، المتقدّمين في السنّ، 78 و81 سنة على التوالي، في المناظرة الأولى، وربما لو عرف الرئيس جون كنيدي -الذي كان أوّل مَن أسّس واعتمد هذا التقليد في انتخابات 1960 مع منافسه ريتشارد نيكسون- بأن تلك المناظرات ستصل إلى الدرك الذي وصلت إليه الخميس الماضي لما أقدم على هذا الفعل.
أحدهما لا يقوى على الكلام ويتلعثم في كل بنت شفة وبالكاد تفهم عليه، وآخر يكذب في الساعة أكثر من عدد دقائقها.
عليه، تبدو الولايات المتحدة، إحدى أعرق الديموقراطيات في العالم، بحاجة إلى الاحتذاء بعدوتها اللدود (إيران) لناحية اعتماد مجلس أو لجنة تفحص أهلية المرشحين لمناصب عامّة على غرار مجلس صيانة الدستور، بعد أن وصل بها الأمر إلى اختيار مرشحين غير ذوي كفاءة من الناحية الذهنية والصحية والأخلاقية على الأقل.
وما يزيد من حاجتها أكثر إلى هكذا مجلس، أننا نتحدث عن انتخاب رئيس تنحصر فيه جلّ الصلاحيات التنفيذية في الولايات المتحدة التي تعتمد النظام الرئاسي، والتي يمتد نفوذ رئيسها في أربعة أصقاع المعمورة.
منذ انتهاء المناظرة الأولى بين الرجلين، ثمّة تململ يسود داخل قواعد الحزب الديموقراطي، إذ تجمهر حشد من ناشطي بايدن لدى حضوره إحدى الفعاليات الانتخابية في نيويورك، وذلك قبل مرور 48 ساعة على المناظرة المذكورة، ولم يتوان المحتشدون عن حمل لافتات تطالب الرئيس بالانسحاب، كُتب عليها: «نحن نحبّك ولكن حان الوقت (لتتنحّى)».
هذا، والحزب الديموقراطي يدرس كيفية الضغط على الرئيس بايدن ليتنحّى عن الترشّح، وسط تخوّف من أن تختلف قيادته حول المرشح البديل في الوقت الذي شكّل ترشيح بايدن نقطة التقاء بين الأفرقاء المختلفة داخل الحزب. مع العلم أن لا سلطة داخل الحزب الديموقراطي أو خارجه تستطيع أن تفرض على بايدن العزوف عن الانتخابات. والمفارقة الغريبة هنا، أن الدولة الأعظم في العالم، بأمّها وأبيها، تعوّل على تأثير السيدة الأولى على زوجها علّها تثنيه عن الاستمرار في خوض غمار الانتخابات كما لفتت شبكة «إن بي سي» الأميركية أوّل من أمس.

* كاتب وباحث