مرّ وقت طويل على غياب الإمام موسى الصدر. غياب لم يتسبّب بتغييبه بل كشف موقعه الحقيقي كجبل لا يُرى جميلاً وعظيماً إلا من بعيد. الصدر الذي لم نجده مباشرة على القمة، مرّ في مشواره الفكري والجهادي على أماكن صقلت روحه، ومنحته عوالمها طاقة وحيوية على العمل والركض والقتال. وما كان حلماً عندما وقف على بوابات الكتاب المدرسي وخنادق النضال، صار على يديه واقعاً وجزءاً من حياة شعب وأمة. في هذه المقالة نقف عند لمحات من تجربته النجفيّة التي تستحق أن تُروى بكل تفاصيلها لأنها حتماً كانت مرتبطة جوهرياً بما أحدثه الصدر في لبنان، ولكن كيف لنا ذلك ولكل أرض أسرارها التي لا نعرف عنها إلا القليل. لم تحظَ المرحلة النجفيّة أو الفترة التي عاشها الإمام الصدر في النجف الأشرف بالدراسة الكافية، ولا سُلّط عليها الحديث كثيراً في الكتابات التي تناولت شخصيته وفكره وحركته. ربما يعود سبب ذلك إلى شحّ المعلومات من جهة، أو لكون المرحلة تلك لم تكُن قد أبرزت الصدر كشخصية سياسية وإصلاحية معروفة ليتمكن الباحث من رصد أدواره الميدانية في المجال السياسي والحقل الاجتماعي والتجديد الديني لدراستها والإحاطة بها عن كثب. ومَهمّة هذه المقالة هي الإضاءة - بما توفّر من معلومات - على حقبة زمنية تُعتَبر معبراً لتطلعات رجل شكّل نضاله الشخصي بمنحنياته الفكرية ومنعطفاته السياسية جزءاً من هوية اللبنانيين وتاريخهم المعاصر.
يمكن القول بداية إنّ الطابع العام المميز لهذه المرحلة هو الطابع الفكري الثقافي ولكنّها كالفترة التي عاشها في إيران مصحوبة بولع السياسة. ذلك أنّ الاهتمام بالسياسة، عند الصدر، جزءٌ لا يتجزأ من منظومة الاشتغال الفكري والتخصص العلمي. السياسة مكوّن من المكونات الثقافية العامة التي كان على الصدر الاقتراب منها واكتشاف مبادئها ومصطلحاتها وموضوعاتها. والمجال السياسي يجب أن يُطرق من مدخل دور الدين في الحياة الاجتماعية، وكيف يمكن تشكيل إطار سياسي للقيام بدور مستقبلي تنعكس تأثيراته على أوضاع الأمة الغارقة في العجز والتخلف والهامشية. وقد انطلق الصدر من اعتقاد أنّ المشاركة في الحياة العامة هو التحدي الحقيقي الذي يواجهه علماء الدين، وكيف يمكن لهم أن يكونوا جزءاً فاعلاً من سيرورة الحداثة والمعاصرة وموارد القوة. ويمكن ملامسة هذا الاتجاه من خلال الحوار الذي جرى بين الصدر وابن عمه المفكر والفيلسوف الكبير السيد محمد باقر الصدر وذلك قبل مجيء الصدر إلى لبنان، إذ يقول له: «لا يمكنني البقاء في الحوزة وأُرضي نفسي بالعمل داخل الحوزة على الطريقة التقليدية لمن يبلغون هذا المستوى للوصول إلى المرجعية. وإنني أشعر أنّ من واجبي أن أكون بين الناس وأن أبدأ بالتحرك من خلالهم ولا تكفيني الحركة الفقهية الاجتهادية. كلانا نسعى لهدف واحد ولكن بطريقتين مختلفتين».
وقبل الخوض في شكل وطبيعة الاشتغال السياسي الذي قام به الصدر في العراق لا بدّ من التوقف حول الدوافع التي أتت به إلى النجف والفترة الزمنية التي قضاها هناك. يواجه الباحث بداية تساؤلاً طبيعياً عن سبب انتقال طلبة حوزة قم المقدسة إلى حوزة النجف الأشرف، وخصوصاً في تلك الفترة مع وجود مرجعيات لها ثقلها العلمي كآية الله العظمى البروجوردي والحائري والخوانساري والقمي وأبو الحسن الأصفهاني وغيرهم. وعن سبب انتقال الصدر تحديداً من الحوزة القمّيّة إلى الحوزة النجفيّة. والإجابة عن هذا التساؤل في شقه الأول له صلة بما التزم به فضلاء الحوزة من الإيرانيين ودأبوا عليه منذ مئات السنين بالهجرة العلمية إلى النجف الأشرف. أمّا في ما يتعلق بدواعي الإمام الصدر فيمكن ملاحظة الاعتبارات الآتية:
أولاً، تأتي هجرة الصدر إلى النجف كما يقول زميل الدراسة السيد محمد باقر الحكيم «بسبب الأهداف العلمية باعتبار أنّ المستوى العلمي في حوزة النجف، حينذاك، كان لا يمكن أن يُقاس بالمستوى العلمي الموجود في حوزة قم»، فقد احتفظت حوزة النجف وهي الجامعة الأولى للشيعة كحاضنة للعلم والمعرفة بالخصوصية والفرادة واستمرارية هذه البرازة، ما جعلها قبلة لكل من يسعى للاستزادة والارتقاء في المعارف الدينية. (يذكر أنّ الصدر حضر درس السيدين الحكيم والخوئي والشيخ مرتضى آل ياسين وآخرين).
ثانياً، «(...) التواصل مع الأسرة، أي الفرع العراقي من أسرة آل الصدر» على ما يقوله الشيخ محمد مهدي شمس الدين. إذ من المعروف أنّ جده لأبيه وهو السيد إسماعيل بن صدر الدين بن صالح كان مستقراً في العراق وبلغ به المقام حتى تولّى سدّة المرجعية العامة. وبينما هاجر صدر الدين بن إسماعيل (والد الإمام الصدر) العراق إلى إيران، ظلّ أشقاؤه الثلاثة فيه. ومن هنا يتضح أحد أبعاد عودة الإمام إلى العراق، بحسب هذا التحليل، ليتعرف إلى جذوره في هذا البلد، وليبحث عن قرب في تاريخ الأسرة سياسياً وثقافياً وعلمياً. ولكن يبدو لنا أنّ هذا الدافع لم يكن إلا دافعاً عرضياً لم يشكل بالنسبة إلى الصدر ضرورة ملحة وهدفاً من أهداف الهجرة التي من أجلها وصل النجف.
ثالثاً، الطابع الرمزي الذي تمثله النجف الأشرف في ذهن طلاب العلوم الدينية ووجدانهم، حيث كان التقليد الشائع بين العلماء والمجتهدين أنّه لا بد من النجف للخروج إلى الحياة العامة. وبهذه الرغبة والدوافع جاء الصدر إلى النجف كما يؤكد على ذلك الشيخ شمس الدين. ورغم أنّ المرء لا يستطيع أن يحسم بشكل قاطع ما إذا كان الصدر جاء لهذا السبب أو غيره، فإنّ الشيخ شمس الدين يزعم من خلال ما لديه من معلومات أنّ مجيء الصدر إلى النجف كان بهذا الغرض أي «تسطير التاريخ».
شكّل محمد باقر الصدر التجربة الفريدة الأمينة والعمق المعرفي الهائل الذي سيجعل من موسى الصدر شريك إبداع واكتمال


رابعاً، سعي الصدر للتواصل مع الرؤية التي كانت موجودة في النجف. الرؤية التي بلورت أفكاراً وبرامج عمل وتشخيصات حول توليد حركات إسلامية شيعية تتكامل مع بقية الحركات الإسلامية المعاصرة في العالمين العربي والإسلامي (مصر، الهند، باكستان، وغيرها). وقد تجسّدت هذه الرؤية (مرجعياً) بالسيد محسن الحكيم الذي وبحسب وصف الشيخ شمس الدين «كان يحمل رؤية مستنيرة وكان عنصر الحداثة عنده عنصراً مهماً، وجانب من مرجعيته كان يقوم على أساس هذه الرؤية». ويعزز هذا الرأي ما قاله أيضاً السيد محمد باقر الحكيم من أنّ مرجعية السيد الحكيم هي «مرجعية مستقبل»، تتعامل مع المعطيات الجديدة والقضايا السياسية الملّحة، ولا سيما منها القضية الفلسطينية. فتصدّي السيد الحكيم للشؤون السياسية والاجتماعية كان من جملة حوافز اتصال الصدر المباشر بهذا النوع من التطلّع الذي كان أيضاً هاجساً موجوداً وهمّاً كبيراً عند الوسط المقرب من السيد الحكيم آنذاك، الذي ضمّ نخبة من المتميزين في الحوزة «(...) كانت تمثل الجانب التحديثي من المرجعية (...) لأن الجانب التحديثي للمرجعية (على ما ينقله الشيخ شمس الدين) يرى الأمور وفقاً لضرورات المرحلة المعاصرة». أمّا تجسّد هذه الرؤية (حركياً)، فكان على يد السيد محمد باقر الصدر ابن عم الإمام وأحد أبرز الشخصيات العلمية والفكرية والسياسية في تاريخ العراق المعاصر، والذي وُصف من قبل الصحافي الشهير أدورد مورتمر في مقال نشرته صحيفة «فايننشال تايمز» اللندنية بالرجل «الذي كان من الممكن أن يكون مانديلا العراق». فمن الواضح أنّ السيد محمد باقر الصدر كان أهم شخصية تعاطت الفكر السياسي والتنظيم الحركي. وقد أكسبه نشر كتابيه «فلسفتنا» و«اقتصادنا» شهرة واسعة في العالمين العربي والإسلامي، وحوّله ذلك «إلى المنظّر الأول للنهضة الإسلامية»، كما ارتبط اسمه بحزب الدعوة الإسلامية تنظيماً وتنظيراً ونشاطاً سياسياً. على أنّه يمكن اعتبار الفترة التي عايشها السيد محمد باقر الصدر من أكثر الفترات خصوبة في تاريخ العراق السياسي، إذ شهدت هذه الفترة إلى جانب تصاعد وتنامي الحالة القومية وسطوة الشيوعيين واكتساح تيارهم للساحة العراقية مع وصول عبد الكريم قاسم إلى سدة الحكم وسقوط الحكم الملكي في العراق.
هذا الواقع استنفر الحوزة العلمية التي كانت تعيش أزمة انحسار في دورها، وضعفاً في حضورها، وزهداً في التعامل مع الشؤون السياسية. وبدأت تدرك من خلال مجموعة من العلماء الحركيين وبعض الكوادر الواعية أهمية الشروع بتنظيم إطار نهضوي إسلامي - حركي ينطلق من الخصوصية العراقية بحثاً عن الهوية الضائعة للحركة الإسلامية في العراق. فكان تأسيس حزب الدعوة الإسلامية «الذي كسر الجمود الحوزوي وخلق مناخاً مسيساً في الوسط الحوزوي». ومن الواضح أنّ تأسيس الحزب قد رفع من مستوى الوعي لدى المؤسسة الدينية الشيعية، وغيّر في منهجية التفكير وفي آلياته ومدى تفاعل علماء الدين مع الأحداث السياسية واتجاهات التحول في واقع الأمة. ومن جانب آخر كانت هذه الحركة الوليدة تطمح إلى تحقيق ذاتها عبر مواءمة بين تراثها العقدي وجذورها الحضارية التاريخية وبين محاكاة التجارب الإسلامية المعاصرة في العالمين العربي والإسلامي. ومن هنا، يمكن فهم أحد الاعتبارات التي دفعت بالإمام الصدر للمجيء إلى العراق وهو الإحساس بالحاجة الملحة للتواصل مع مشروع إسلامي طموح يؤكد الذات الشيعية وينهض بها. ولا شكّ أن الإمام وجد في أطروحة ابن عمه التعبير الأكثر نضجاً في تحقيق الوعي الديني والسياسي والثقافي والتاريخي. وهذه الأطروحة تتقاطع إلى حد بعيد مع مسوّدات مشاريع كانت تُحضّر من قبل مجموعة من علماء الدين في إيران كان الإمام أحدهم، ولكنها لم تبلغ وقتذاك حد الاختمار الكلي والاكتمال النهائي. وهناك تعليق مهم للسيد محمد حسين فضل الله على تلك المرحلة يرى أنّ الصدر عندما انطلق إلى النجف «(...) كان السيد محمد باقر الصدر يعيش في هذا الجو وأسس للحركة الإسلامية، والسيد موسى كان يعيش عمق الحركة الإسلامية تفاعلاً وتجاوباً وإيماناً». والأمر كما يتضح أعمق بكثير من مجرد رمزية النجف والأثر الطاغي لها في أوساط الطلبة. إذ لم يكن الصدر مهجوساً، كما ذكر بنفسه، بالارتقاء إلى مقام المرجعية ولا طامحاً بتقصّي معالمها ليحافظ على استمراريتها في آل الصدر. ورغم ما له من رصيد متراكم معرفياً واجتماعياً وسياسياً، فلم تكن للصدر من رغبة في توظيف أي من العناصر، أو استجماع أي من الظروف المؤدية إلى بلوغ هذا المقام الديني الرفيع، بل يبدو حرصه شديداً في القيام بدور إصلاحي كبير. ولقد أدرك الكثيرون من حوله أنّ اهتماماته التي شغلت تفكيره كانت دائماً لها صلة بأوضاع الأمة سياسياً وحضارياً، وهذه الاهتمامات لا تتساوى مع أي مسؤولية أخرى حتى ولو كانت بأهمية المرجعية الدينية، من هنا، لاحظ السيد فضل الله أنّ الصدر «(...) كان يتحرك كعالم منفتح يريد أن يتجاوز بعض المألوف من الأشياء (...) وكان يفكر باعتبار أنّ المرجعية كانت تمثل في إطارها في ذلك الوقت إطاراً لا يتسع إلى طموحاته».
ويقودنا التساؤل السابق حول شكل وطبيعة الاشتغال السياسي للصدر في العراق إلى تبيان الآتي:
أولاً: لقد كان تأسيس حزب إسلامي هماً مسيطراً على العديد من الرموز والشخصيات والقيادات الإسلامية، وخصوصاً في النصف الثاني من القرن الماضي، وقد وجد الصدر في الساحة العراقية المكان الأرحب كي يغرف من معين المساهمات الفكرية الحركية التي بدأت آنذاك تؤصل لمشروع إسلامي يعتمد في مبادئه على الإسلام لإعطائه المضمون الاجتماعي والسياسي والفكري. وقد أراد الصدر الاقتراب أكثر من ابن عمه السيد محمد باقر الصدر الذي كان أعدّ خططه لإطلاق حزب الدعوة الإسلامية كي «(...) يكون أداة العمل السياسية - الاجتماعية في حركة الإسلام في الواقع السياسي الداخلي والخارجي». والملاحظ أنّ الفترة التي درس فيها الإمام الصدر في النجف (1954- 1958) جاءت متزامنة مع إنجاز السيد محمد باقر الصدر معظم مشروعه السياسي - الفكري ودخل في مرحلة بناء الأدوات الحزبية. ما يعني أنّ الإمام الصدر قد وقع معرفياً على مناشئ التجربة الإسلامية في العراق، واحتكّ مع عناصر المشروع واستراتيجية العمل التي اعتمدتها هذه التجربة في بواكيرها الحركية وتفتّحها السياسي.
ثانياً: لقد خبر الإمام الصدر ظروف انكفاء الحوزة والمرجعيات الدينية عن العمل السياسي المباشر، والجدل الذي كان سائداً وقتذاك حول مشروعية الانخراط في الأحزاب السياسية باعتبارها صيغة غربية تفتقد المستند الشرعي لها. وكان الصدر بحاجة ماسّة إلى مَن يؤصّل هذه الفكرة على المستوى الإسلامي ويدافع عنها، وخصوصاً أنّه من دعاة تشكيل أطر حزبية منظمة ترفع الأمة من المآزق التي ترزح تحتها، فكان شاهداً على السجالات الفكرية والنقاشات النظرية بين مجموعتين إحداها تتمترس وراء فكرة التقية وعدم نضوج الظروف التي تسمح بعلانية العمل، وبين مجموعة أخرى يتزعمها السيد محمد باقر الصدر تنادي بضرورة تنشيط العمل الإسلامي السياسي من خلال الأطر الحزبية. وكان السيد محمد باقر الصدر قد ردّ على مناوئيه حول خطأ الفكرة القائلة برفض أي أسلوب غربي أو غير إسلامي بدعوى أنّه أسلوب خاطئ ومنافٍ للإسلام، بالقول: «(...) فالأسلوب الذي يعتمده مبدأ من المبادئ ليس من الضروري أن يكون مرتبطاً بشكل مباشر أو غير مباشر بذلك المبدأ وإنما يمكن توظيفه بالشكل الذي لا يتعارض مع أسس المبدأ أو العقيدة. فإذا كان التنظيم الحزبي هو الأسلوب الشائع في الأنشطة السياسية في الغرب فإن ذلك لا يعني عدم إمكانية اعتماد هذا الأسلوب من قبل المسلمين». على أي حال، فإن هذه الأجواء التي عايشها الإمام الصدر في العراق ساعدت على اختمار الأطروحة الحزبية لديه، وعمّقت عنده الحافزيّة لتجاوز العمل الدعوي التقليدي.
ثالثاً: إن عزوف بعض المرجعيات الدينية عن الدخول في الميادين السياسية، واقتصار دورها على الجانب الفقهي والعقيدي ترك فراغاً أيديولوجياً هائلاً وسمح في المقابل بنمو التيارات القومية والشيوعية والعلمانية التي سيطرت على الواقع العراقي فكرياً وثقافياً، ما دفع بالسيد محمد باقر الصدر إلى تكريس جهود جبارة لشرح المعالم والأسس العقيدية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية للإسلام، والتأكيد على كون الإسلام دين ودولة. وكان لطبيعة هذه المساهمات الفكرية أن جعلت الإمام موسى الصدر، الذي واجه أوضاعاً مماثلة في إيران، ينخرط مرة أخرى في معايشة تيارات تشكّك بقدرة الإسلام السياسية على قيادة الحياة، وترى وجوب ابتعاد رجال الدين عن ممارسة أي نشاطات سياسية. ومن خلال هذا الصراع تمكن الإمام الصدر من أن يثري تجربته الفكرية والسياسية، وأن يوسّع من رؤيته المعرفية للرد ميدانياً ومنهجياً على أصحاب هذه التيارات وأتباعهم بعد وصوله إلى لبنان.
رابعاً: لم يكُن مأمولاً أن يعيش الصدر إلا عدداً قليلاً من السنوات في العراق بسبب طبيعة الحياة السياسية العراقية، وهي طبيعة ديكتاتورية - أحادية، فيما هو يتطلع إلى تجربة مفتوحة الأجواء سياسياً. ولكن ما توفر عليه على الرغم من الممارسة السياسية الحذرة لكثير من الشخصيات الدينية، كان كفيلاً لمدّه بأسباب المعرفة والتجربة التي ستمكّنه لاحقاً من تقديم مقاربات استثنائية وجديدة على المستوى القيادي والديني والفكري.
من قم إلى النجف الأشرف كان على موسى الصدر أن ينجز ذاته بالإبحار في تجارب الآخرين. كان محمد باقر الصدر هو التجربة الفريدة الأمينة والعمق المعرفي الهائل الذي سيجعل من موسى الصدر شريك إبداع واكتمال. في حضرة محمد باقر الصدر أدرك موسى الصدر الصباح.

* أستاذ جامعي