أثارت زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمنطقة الكثير من النقاش والجدل حول أهدافها ونتائجها، فشلها أو نجاحها، خاصة عندما تم الحديث عن مشاريع لبناء ناتو عربي وناتو شرق أوسطي يضم الكيان الإسرائيلي وبعض الدول العربية لمواجهة إيران. لا شك أن زيارة بايدن للكيان الإسرائيلي وزيارته لبيت لحم لفترة قصيرة وانتقاله بعد ذلك إلى السعودية ومشاركته في قمّة جدة قد أظهرت مجموعة من الاستنتاجات والوقائع يمكن تلخيص أبرزها بما يلي:

على الصعيد الفلسطيني
أكدت هذه الزيارة أن إدارة بايدن لا تقل خطورة عن إدارة ترامب، إن لم تكن أخطر، في سعيها الحثيث لتصفية الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وتحويل قضية فلسطين إلى قضية ذات بعد اقتصادي ومساعدات مالية يقدّم فيها بعض الفتات، منها 200 مليون دولار لـ«الأونروا» و100 مليون دولار في قطاعات صحية، مع العلم أن أميركا والغرب قدّما إلى أوكرانيا مليارات الدولارات خلال أربعة أشهر.
لم يتعامل الرئيس الأميركي مع القضية الفلسطينية كقضية تحرّر وطني لشعب يعاني أقسى أنواع الاحتلال والعدوان، وعندما تحدّث عن قناعته بحل الدولتين، أضاف أن هذا الحل بعيد ويصعب تحقيقه، وهذا يعني أنه يمارس كل أشكال الخداع والتضليل لتقزيم وتهميش قضية فلسطين وإفساح المجال للكيان الإسرائيلي وإعطائه المزيد من الوقت للاستيطان والتهويد والسيطرة الكاملة على الضفة والقدس.
ولذلك، فإن زيارة بايدن، على الصعيد الفلسطيني، كانت لصالح الكيان الإسرائيلي بشكل كامل، وكان على السلطة الفلسطينية أن ترفض استقباله لأنه أظهر كل الاستخفاف بحقوق شعب فلسطين وتفاخر بكونه صهيونياً بامتياز.

على الصعيد الإقليمي والدولي
زيارة بايدن لم تحقق أهدافها بإقامة حلف «ناتو عربي»، أو شرق أوسطي، لمواجهة إيران، وكانت نتائجها لأسباب عديدة، من أهمّها تنامي قوة محور المقاومة والتنسيق الفاعل بين أطرافه وقدرته على خلق قواعد اشتباك جديدة في المنطقة لم يشهدها الكيان الإسرائيلي في مراحل سابقة، وقد كان محور المقاومة هو الحاضر الأكبر في هذه الزيارة.
إن خطاب سماحة السيد حسن نصرالله، في توقيته ومعانيه، والذي ترافق مع زيارة بايدن، قد وجّه رسالة واضحة، ليس إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي فقط، بل إلى الولايات المتحدة الأميركية، عندما تحدّث بوضوح شديد عن حقوق لبنان في البحر واستخراج الغاز و«كاريش» و«ما بعد كاريش»، وأن الحرب في نهاية المطاف خيار أشرف من الرضوخ. وهنا لا بد من العودة إلى الوراء لتأكيد حقائق تاريخية تقول: بأن تحرير جنوب لبنان عام 2000 دون قيد أو شرط والتصدي البطولي للعدوان الإسرائيلي في تموز عام 2006 وإحباط أهدافه، كلّ ذلك قد شكّل نقطة تحوّل تاريخي واستراتيجي في المنطقة ترتب عليها إسقاط مخططات ومشاريع الشرق الأوسط الجديد الذي بشّرت به في حينه كونداليزا رايس خلال حرب تموز وخلال المجازر التي كان يقترفها الكيان الصهيوني ضد الأطفال والنساء والبنى التحتية في لبنان.
لقد جاءت زيارة بايدن للمنطقة في ظل تحولات عالمية كبرى، وفي ظل الحرب في أوكرانيا بين أميركا والدول الغربية من جهة، وروسيا من جهة أخرى، وفي ظل تراجع الإمبراطورية الأميركية وتقدّم الصين وروسيا والهند وإيران، والانتقال من نظام الهيمنة والاستفراد الأميركي في العالم إلى نظام عالمي جديد.
إن زيارة بايدن، على الصعيد الفلسطيني، كانت لصالح الكيان الإسرائيلي بشكل كامل


لقد اضطر الرئيس الأميركي لزيارة السعودية واللقاء مع ولي العهد السعودي بعد كل ما قاله أثناء حملته الانتخابية، وذلك بهدف معالجة أزمة الطاقة وزيادة إنتاج البترول. وسمع كلاماً حول زيادة إنتاج النفط وصولاً إلى 13 مليون برميل، لكنّ المعلومات تقول إن السعودية أقسى ما يمكن أن تنتجه هو 11,5 مليون برميل، وقد جرى اتصال بين ولي العهد السعودي والرئيس بوتين تم التأكيد خلاله أن زيادة الانتاج تتم ضمن إطار منظمة «أوبك».
وبعد زيارة الرئيس الأميركي للمنطقة، انعقدت قمّة هامّة في طهران، حملت معانيَ عميقة في توقيتها ونتائجها، وجّهت رسائل واضحة إلى الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي، أبرزها:
إن عصر السيطرة الأميركية وفرض الإملاءات قد ولّى إلى غير رجعة، وأن حديث الرئيس بايدن عن أن أميركا ستبقى في المنطقة لكي لا يحدث فراغ لصالح الصين وروسيا وإيران لم يعد له معنى لأن المنطقة لا تعيش حالة من الفراغ وأن شعوب المنطقة هي التي ستقرر مصيرها وليس الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي. إن قمة طهران، في توقيتها ونتائجها، جاءت لتعطي رسالة واضحة بأن زمام المبادرة هي بيد قوى المقاومة وشعوب المنطقة، وكانت سوريا هي الحاضر الأكبر في هذه القمّة، خاصة في ظل وجود وزير خارجيتها في طهران، حيث تم التأكيد على خروج القوات الأميركية من سوريا والمنطقة وأن وحدة أراضي سوريا وسيادتها خط أحمر لا يمكن المساس به، كما تم البحث الجدي في عنوان التهديدات التركية للقيام بعملية عسكرية في الشمال السوري ومخاطر مثل هذه العملية.
بعد قمّة طهران، أقدم الكيان الإسرائيلي على عدوان جديد على الأراضي السورية سقط نتيجته عدد من الشهداء والجرحى، ما يؤكد حالة القلق الإسرائيلي الشديد من نتائج هذه القمّة وانعكاساتها على الأوضاع في عموم المنطقة.
خلاصة القول: إن زمام المبادرة في المنطقة والعالم لم يعد بيد الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها.
* مسؤول العلاقات الدولية في «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»