يكثر في هذه الأيّام توظيف الدّين ومسألة التّعايش بين الأديان لمحاولة تكريس التّطبيع في الوعي الجمعيّ العربيّ؛ ولبنانُ ليس بمنأى عن هذه المحاولات، كما عن محاولات الإفقار واستغلال الأزمة الاقتصاديّة والجوع لإزالة الحواجز النّفسيّة أمام التّعامل مع العدوّ الإسرائيلي. وهنا لا بدّ من السّؤال عن معنى قيام مطرانٍ بنقل الأموال من الدّاخل الفلسطينيّ إلى لبنان تحت مسمّى مساعداتٍ كنسيّة وبعلم بكركي؟
لكن، هل في هذا مخالفةٌ للقوانين اللّبنانيّة؟

أمّا عن القوانين التي نقصد فهي قانون مقاطعة إسرائيل الصّادر في 23 حزيران 1955، وقانون العقوبات الذي ينصّ في البند الثّاني من المادة 285 على الآتي: «يُعاقب بالحبس سنةً على الأقلّ وبغرامة (...) كلّ لبناني وكلّ شخص في لبنان مِن رعايا الدول العربيّة يدخل مباشرة أو بصورة غير مباشرة، وبدون موافقة الحكومة المسبقة بلاد العدو». صحيحٌ أنّ هذا البند لا ينطبق على حالة المطران موسى الحاج لأنّه يحصل على أذونات الانتقال بين لبنان وفلسطين المحتلّة من الجيش اللبناني، ولكنّنا نسأل عن معايير إعطاء هذه الأذونات ودوافعها.

وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ الجيش اللّبنانيّ كان قد أوقف المطران الحاج، فنظرت المحكمة العسكريّة في القضيّة ثمّ أصدرت بياناً في شهر أيّار الماضي بعدم صلاحيّتها لمحاكمته، سنداً إلى المادة 1060 من مجموعة قوانين الكنائس الشّرقيّة الصّادرة عن الفاتيكان عام 1990 والتي أصبحت نافذةً في لبنان منذ عام 1991. لكن حسب تصريح أحد المحامين لجريدة «الأخبار»، فإن أحكام القانون الكنسي تُطبق على الأساقفة في حال وجود حالات داخلية تتصل بالكنيسة، وبالتالي يصبح القانون بقياس القوانين، أقرب إلى «نظام داخلي لمجلس تأديبي».

ونسأل أيضاً: ألا يخالف المطران الحاج البندَ الأوّل من المادّة 285 من قانون العقوبات الذي ينصّ على الآتي: «يعاقَب بالحبس سنةً على الأقلّ، وبغرامةٍ لا تنقص عن 200 ألف ليرة لبنانية، كلُّ لبناني، وكلُّ شخصٍ ساكنٍ لبنانَ، أقدم، أو حاول أن يُقْدم، مباشرةً، أو بواسطة شخصٍ مستعار، على صفقة تجارية، أو أيّ صفقةِ شراءٍ أو بيعٍ أو مقايضةٍ مع أحد رعايا العدو، أو مع شخصٍ ساكنٍ أرضَ العدوّ». فالمطران يحمل معه في كلّ زيارةٍ أموالاً ومنتجاتٍ إسرائيليةً ويتواصلُ مع مقيمين في الأراضي المحتلّة ومنهم متعاملون لبنانيّون مع العدوّ الإسرائيلي. كما نطالب بالتّدقيق بكيفيّة توزيع هذه الأموال، والبتّ بشبهة وصول مبالغ منها لمتعاملين مع العدو يعيشون في لبنان.

ونذكّر في هذا المقام بوثيقة حملة المقاطعة التي ترى أنّ «العملاء جزءٌ لا يتجزّأ من الاحتلال نفسِه. فبعضُهم أسهموا في تعذيب أبطالِ المقاومة حتى الموت،... على أنّ الحملة ترى ضرورةَ التمييز بين العملاء من جهة، وبين أولادِهم ممّن لم يتجاوزوا سنّ المراهقة أو الشبابِ المبكّر من جهةٍ أخرى؛ فهؤلاء يجب ألّا يؤْخذوا بجريرة أهلهم».

أمّا بخصوص زيارات المطران تحت عنوان الرّعويّة والمساعدات الكنسيّة، فنتوجّه بسؤالنا إلى المؤسّسة الكنسيّة المعنيّة: ألا يمكن الاهتمام بالرّعيّة من دون زيارتها؟ أليس من الأجدى مساعدةُ اللبنانيّين المقيمين في دولة الاحتلال على العودة بوضع آليّة واضحة تحمي غير المرتكبين منهم ولا تترك مجالاً لعودة العملاء السّابقين والحاليّين؟ وهنا نرى من المفيد التذكير ببيان «المبادرة المسيحية الفلسطينية - كايروس فلسطين» الذي صدر عند زيارة البطريرك بشارة الراعي للأراضي المقدّسة، والذي ذكر «إننا كفلسطينيين مسيحيّين نتوق لرؤية ومقابلة مرجعيّاتنا ورموزنا الدّينيّة، إلا أنّنا وفي الوقت نفسه لا نريد أن توظّف أو تستعمل هذه الرّغبة كوسيلةٍ أو مدخلٍ لإثارة الارتباك والشّكّ في أوساطنا ونحن نخوض مواجهةً ضاريةً مع الاحتلال الإسرائيليّ دفاعاً عن حقوقنا الوطنيّة وحقوقنا الدّينيّة مسيحيّين ومسلمين. فنحن في المبادرة المسيحيّة الفلسطينيّة كايروس ومنذ إطلاق هذه المبادرة في عام 2009، وجّهنا نداءً وعلى كلّ المستويات إلى جميع المرجعيّات الدّينيّة المسيحيّة والكنائس في العالم كي تتّخذ موقفاً وخطواتٍ حازمةً في مواجهة الاحتلال ومنع تشكيل أيّ غطاءٍ معنويٍّ أو أخلاقيٍّ أو دينيٍّ لممارساته وسياساته العدوانيّة المستمرّة علينا وعلى كلّ شعبنا منذ أكثر من 66 عاماً».

ختاماً، تطالب «حملة مقاطعة داعمي "إسرائيل" في لبنان» السّلطات اللبنانيّة بتطبيق القوانينِ اللّبنانية، وتعديلِ أيّ ثغرةٍ قانونيّة قد تسمح بطريقة مباشرةٍ أو غير مباشرةٍ بأيِّ نشاطٍ تطبيعيٍّ مع الاحتلال الإسرائيليّ.

[حملة مقاطعة داعمي «إسرائيل» في لبنان]
بيروت في 25 تموز 2022