أصاب الإحباط واليأس سياسيّي دولة الاحتلال الصهيوني بعدما تناقلت وسائل الإعلام العالمية صورة لعلمٍ فلسطيني يرفرف، عبر طائرة مسيّرة صغيرة، فوق «مسيرة الأعلام الإسرائيلية» في مدينة القدس المحتلة صباح الأحد 29 أيار. هذا العلم المُحلّق أثار حفيظة حكومة الكيان وجنونها، على حدّ وصف محلّلين إسرائيليين، ليشعل صراعاً على الهويّة بين الطرفَين الإسرائيلي والفلسطيني.كانت لجنة التشريع في حكومة الكيان قد صادقت على مشروع قانون يحظر رفع العلم الفلسطيني في المؤسسات والهيئات التي تتلقى تمويلاً من الحكومة، بما فيها مؤسسات التعليم والجامعات والمدارس العربية في الداخل الفلسطيني المحتل. جاء المشروع بمبادرة من نائب عن حزب الليكود الصهيوني اليميني إيلي كوهين، الذي برّر المشروع بأنه يسعى «لوضع حد للتلوّن والتحريض ضد شعب إسرائيل من فئة مدسوسة من المواطنين العرب»، على حد قوله. وأضاف: «من غير المعقول أن يطالب العرب الفلسطينيّون بميزانيات من الحكومة، وفي المقابل يظهرون تمرداً على الدولة والمساس بسيادتها، إذا كانوا يرون أنفسهم فلسطينيين فليذهبوا وينتقلوا للعيش في غزة».
سبق أن أثيرت القضية في الأسابيع الأخيرة، واحتلت مساحة واسعة من النقاش داخل كيان العدو، بعد تظاهرات شهدتها جامعة بن غوريون في بئر السبع، إثر قيام طلاب فلسطينيّين برفع الأعلام الفلسطينية إحياءً لذكرى النكبة، وهو ما أثار غضب طلبة يهود انهالوا عليهم بالضرب، ما استدعى تدخل شرطة العدو لوقف الحدث. وفي حدث مماثل في جامعة تل أبيب، حيث أحيا عدد من الطلبة الفلسطينيّين فعاليّات الذكرى الـ 74 للنكبة ورفعوا العلم الفلسطيني وردّدوا الأناشيد الوطنية، قامت جماعات صهيونية بالاعتداء عليهم، وبرفع لافتات «النكبة كذبة». وعلى إثر هذه الحوادث، هدّد وزير مالية الكيان أفيغدور ليبرمان بوقف تمويل ميزانية الجامعات التي تسمح للطلبة العرب برفع الأعلام الفلسطينية. كما استدعت وزيرة التربية والتعليم العالي في دولة الكيان يفعات بيطون، رئيسَي جامعتَي تل أبيب وبن غوريون لتوبيخهما على سماحهما بتنظيم فعاليات للطلبة العرب.

ما السبب وراء إصابة العدوّ بمرض الجنون وفوبيا العلم الفلسطيني (Flagophobia-P)؟
تقول الكاتبة السياسية الإسرائيلية، أورلي نوي، إن «هناك تفسيرَين للجنون الإسرائيلي حيال العلم الفلسطيني، كلاهما مرتبط بالحمض النووي العميق للنظام الصهيوني منذ نشأته، الذي يسعى إلى مواجهة الخصوم من النواحي كافة الثقافية والهويّة ووراثة المكان والأرض وتزوير التاريخ. والتفسير الآخر، هو الحاجة الماسة إلى الاحتفاظ بعدوّ، لتغذية موقف الضحيّة الأبدية التي تمارس إسرائيل باسمها كل الجرائم والأفعال، وأن الإسرائيلي يسعى إلى البحث عن عدو قريب وسهل يمكن ضربه بسهولة وهو العلم الفلسطيني».
مطلع حزيران الجاري، تمّت الموافقة على مشروع القانون الإسرائيلي الذي قدّمته المعارضة، والذي يحظر رفع الأعلام الفلسطينية في المؤسسات التي تموّلها الحكومة، بما في ذلك الجامعات، وذلك في قراءة أولية تمهيدية في الكنيست. وذكرت مواقع عبرية أنّ «أعضاء الائتلاف حصلوا على حرية التصويت. وقد أيّد القرار 63 نائباً، فيما عارضه 16 عضواً». وأضافت هذه المواقع إنّ «اللافت في ما حصل، هو أنّ رئيس الوزراء نفتالي بينيت أيّد الاقتراح الذي قدّمته المعارضة، مثلما فعل أعضاء آخرون في الائتلاف الحكومي. وقد تغيّب ممثّلو حزب "يش عتيد"، برئاسة وزير الخارجية يائير لابيد، باستثناء رئيس الكنيست ميكي ليفي، عن التصويت».
يأتي هذا القانون الجائر ليشكل تحوّلاً رئيسياً عن «الحالة القانونية» للعلم الفلسطيني، باعتباره علم السلطة الفلسطينية أيضاً (وفق اتفاقيات أوسلو)، إلّا أنّ انزياح الكيان المتصاعد نحو اليمين جعل من رفعه في «المؤسسات الإسرائيلية العامة»، كالجامعات أو الطرق العامة، سبباً للتحريض العنصري. وفي شريط مصوّر، قال رئيس حكومة العدوّ السابق بنيامين نتنياهو: «لقد انتصر العلم الإسرائيلي اليوم، نحن نعيد إسرائيل إلى اليمين؛ لقد نجحنا في إمرار القانون بأغلبية ساحقة، وهذا يوم مهمّ لدولة إسرائيل ومستقبل دولة اليهود».
هذا المرض، فوبيا العلم الفلسطيني، يؤكد عنصرية الاحتلال وفشله في طمس الهوية الفلسطينية بعد سبعة عقود من احتلال الأرض. ويأتي قرار الكنيست الصهيوني ليضرب سرديات الديموقراطية وحرية التعبير التي يتغنّى بها هذا الكيان المتغطرس في المحافل الدولية ليزعم أنه الدولة الوحيدة الديموقراطية في الشرق الأوسط. تُعدّ إسرائيل، في منظور كثير من الإسرائيليين، وداعميهم دوليّاً، (حتى أولئك الذين قد ينتقدون بعضاً من سياسات الدولة الإسرائيليّة)، دولةً ديموقراطيّة حميدة في نهاية المطاف، دولةً تسعى إلى السلام مع جيرانها، وتكفلُ المساواة لمواطنيها كافّة. لكن الواقع يُثبت أنه كيانٌ مجرمٌ أرعن هشٌّ يخشى من الراية الفلسطينية التي تذكّرهم، دائماً، بأنهم غرباء عن أرض فلسطين.