كنت قد وعدتُ زميلاً أقدّره من حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الناشط في الداخل، بتوضيح اعتراضي على ادعائه بأن حزبه يحمل موقف حل الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة، خلافاً، برأيه، للحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة اللذين يطرحان حل الدولتين. وانتبهتُ إلى أنني سمعت وقرأت أكثر من مرة ادعاءات بروح ما قاله الزميل، ما جعلني أعتقد بوجود سوء فهم لبعض طروحات التجمع السياسية لدى قسم من كوادره الشابة، خصوصاً، وليس بسبب قصور في قدرات الشباب طبعاً!
في ما يلي اقتباسات عن موقف حزب التجمع من صيغة التسوية السياسية للصراع الفلسطيني _ الإسرائيلي، عبّر فيها قادة التجمع، منهجياً وعلى امتداد أكثر من عقد حتى اليوم، ليس عن قبولهم بحل الدولتين فقط، بل قبول مبدأ حق تقرير المصير للمجموع اليهودي في البلاد.
وإذا عرفنا أن التجسيد السياسي لحق تقرير المصير لمجموعٍ بشريّ ما، وفقاً لأدبيات العلوم السياسية والعلاقات الدولية المعتمدة، أكاديمياً وبحثياً وتطبيقياً، هو الاعتراف بحق ذلك المجموع في كيان سياسي، فلا شك في أن هناك تناقضاً صارخاً بين ادعاء رفض حل الدولتين من جهة وبين قبول تقرير المصير للمجموع اليهودي من جهة أخرى.

كذلك، إن قبول حق تقرير المصير لليهود (في إسرائيل) والمطالبة بحق تقرير المصير للفلسطينيين (في المناطق المحتلة 1967)، هو التجسيد البسيط لمبدأ: دولتان لشعبين.
في مقابلة موسعة لملحق صحيفة «هآرتس» (يوم الجمعة بتاريخ 4/ 1/ 2013) سألوا النائبة حنين زعبي السؤال التالي: «هل الادعاء أنك تقولين: لا مكان لليهود في دولة جميع مواطنيها، هو ادعاء صحيح؟»، فكان جواب زعبي النفي القاطع. وبكلماتها: «حقاً لا. حين يكون عنصر معين هو الطاغي فإنك لا تكلفين نفسك ذكره. لقد شددنا على موقع الضحية فقط لأننا جئنا من هذا الموقع وليس لأننا نريد القضاء على الطرف الثاني اليهودي، الذي له مكان مؤمّن أصلاً ولا حاجة لإعادة تعريفه. إننا نؤمن بتقرير المصير للمجموع اليهودي الذي نشأ هنا، ولديه خصائص ثقافية متميزة ولغة وهوية».
مهمّ ما تقوله زعبي حرفياً من دون زيادة ولا نقصان: «إننا نؤمن بتقرير المصير للمجموع اليهودي الذي نشأ هنا، ولديه خصائص ثقافية متميزة ولغة وهوية». ولا يقولنّ لي أحد إن قولها هذا منزوع من سياقه. فهذه أقوالها الموثّقة. وكل من يشكك، ومن حقه طبعاً، فالشكّ مقدمة التفكير الأولى، بوسعه مراجعة المقابلة معها على موقع صحيفة «هآرتس».
لكن زعبي التي تقرّ باللغة العبرية على الملأ بـ»بحق تقرير المصير للمجموع اليهودي الذي نشأ هنا»، لم تكن الأولى في حزبها التجمع. وقد سبقها بكلام صريح لا يحتاج لتأويل مؤسس الحزب، د. عزمي بشارة قبل تلك المقابلة بـ 11 عاماً و3 أيّام بالتّمام.
بشارة سبق وأكد اعترافه بحق تقرير المصير لليهود الإسرائيليين في مناسبات عدة. جميعها كانت حين وقف وجهاً لوجه في سجال مع المؤسسة الاسرائيلية بصيغتها القضائية - السياسية. هذا توثيق دقيق لما سبق أن أكده بشارة:
يوم الثلاثاء (31\ 12\ 2002) الساعة العاشرة صباحاً انعقدت لجنة الانتخابات المركزية. كانت أحزاب يمينية قدمت طلبات لشطب حزب التجمع. بشارة تحدث أمام اللجنة ليصدّ مزاعم اليمين العنصري ضد حقه وحزبه في خوض الانتخابات البرلمانية. وتحدث هناك كعادته بفصاحة وأورد العديد من الحجج المنطقية المدعمة بمرجعيات من الفلسفة الغربية التي يتقنها، كمن يحمل لقب دكتور من جامعة هومبولت Humboldt في برلين، عاصمة ألمانيا الشرقية، والتي تخرج منها عام 1986 حين كان عضواً في الحزب الشيوعي.
يقول بشارة: «من يعرفني يعلم أني لم آت الى هنا فجأة. أنا معروف من الجامعة منذ كنت طالباً وناضلت من أجل آرائي في السبعينيات والثمانينيات، وناضلت ضد قصة «من النهر الى البحر»، كنت التيار الذي مثله الطلاب العرب، وحتى منذ السبعينيات تخلصت من قصة من النهر الى البحر. مثلت الخط القائل بدولتين وناضلت لأجل هذا الخط». وهو يشير الى حركة «أبناء البلد» في هذا السياق بالقول: «الاشخاص الذين جاءوا الينا (الى التجمع)، أبناء البلد، تحرروا أيضاً من هذه الفكرة واندمجوا. لقد فكروا بأن هذه الفكرة فشلت ولم ولا يمكنها أن تتحقق، ويرون أن هناك غالبية يهودية يجب العيش معها في دولة خاصة بها، في دولتين».
لتوضيح مسألة دولة جميع مواطنيها التي سئل عنها في جلسة لجنة الانتخابات المركزية أوضح بشارة: «نحن نقول إن دولة اسرائيل هي دولة ذات غالبية يهودية، تعبر عن حقها في تقرير المصير. أنا أقول هذا وأكتب هذا. نحن نقول إن دولة اسرائيل يجب أن تكون دولة جميع مواطنيها. ولا ندعو في برنامجنا الانتخابي لشيء آخر». ويتابع في مرافعته نفسها: «برنامجنا السياسي، أي مقترحنا، ما أقترحته في نشاطي البرلماني والسياسي وفي كل مكان، هو حل الدولتين». ثم يؤكد هذا مذكراً بأنه أرسل رسالة الى رئيس الكنيست والنواب الـ120 «وفيها أعترِف بحق تقرير المصير لليهود»، كما قال. (من يريد التوسّع، يمكنه مراجعة بروتوكولات لجنة الانتخابات المتوفرة على موقع الكنيست).
الخط السياسي الذي مثله وأعلنه بشارة عام 2002، عاد وأكده رئيس الحزب المقبل، النائب جمال زحالقة، بتاريخ 18\ 1\ 2009 في رده ضمن استئناف حزب التجمع الى المحكمة العليا، رداً على قرارات لجنة الانتخابات المركزية بعدم تصديق مشاركة قوائم انتخابية منها التجمع، في انتخابات الكنيست، وفقا للبند 7أ من قانون أساس الكنيست.
يقول زحالقة هناك: «إن برنامجنا السياسي واضح. نحن ندعم حل الدولتين ولسنا ضد وجود الدولة. نحن نسعى ونطمح لتغييرها الى نظام حكم ديمقراطي يقوم على المبدأ الكوني، دولة جميع مواطنيها. إن معارضتنا السياسية لتعريف الدولة كيهودية معناها أننا نعارض مبدأ الاقصاء والاستعلاء. ولكن من الواضح أن هذا لا يشمل أية معارضة للمسألة الأخلاقية بشأن حق تقرير المصير لليهود في اسرائيل».
بشارة سبق وأكد
اعترافه بحق تقرير المصير لليهود الإسرائيليين في مناسبات عدة


من واجب كوادر
«التجمع» الشابة معرفة ركائز حزبها السياسية
زحالقة يعيد تأكيد البعد الأخلاقي الذي يدعمه لحق تقرير المصير لليهود، الذي أشار اليه أعلاه، ويتابع: «نحن نميّز بين مسألة حق تقرير المصير لليهود في اسرائيل، وهو أمر أخلاقي وشرعي، وبين التعريفات الدستورية التي تسعى الى المطالبة بحصريّة وإقصاء. من هنا، فإننا حين نقول على الصعيد السياسي أننا نعارض تعريف الدولة كيهودية أو كدولة الشعب اليهودي فقط، فإننا نقصد معارضتنا للتعريف الاقصائي القائم على علاقات غير متساوية بين اليهود والعرب، وليس معارضة تقرير المصير للشعب اليهودي في اسرائيل، الذي هو بحدّ ذاته أمر شرعي وأخلاقي. لقد قلنا في جلسة عام 2003 أمام المحكمة العليا إننا نرفع لواء فكرة تقرير المصير لليهود وأن دولة إسرائيل يجب أن تعطي تعبيراً جماعياً لذلك».
كذلك، يضم البرنامج السياسي لحزب التجمع بخصوص التسوية السياسية للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي البنود التالية حرفياً:
«1. انهاء احتلال جميع المناطق الفلسطينية التي جرى احتلالها عام 67 واخلاء جميع اشكال التواجد الاسرائيلي فيها، بما في ذلك اخلاء جميع المستوطنات وجدار الفصل العنصري واشكال الفصل العنصرية الأخرى.
2. إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية الى جانب دولة اسرائيل. وضمان السيادة التامة للدولة الفلسطينية على الأرض، المياه، الموارد الطبيعية، الحيّز الجوي والبحري وجميع الحقوق السيادية المنصوص عليها في القانون الدولي.
3. حل عادل لقضية اللاجئين وفقًا لمبادئ القانون الدولي وأولها القرار 194 الذي يضمن حقوق اللاجئين في العودة أو التعويض». انتهى الاقتباس.
يجدر التنويه الى أن هذا الجزء الأساسي من البرنامج السياسي لحزب التجمع، ليس فقط مطابقاً تماماً وحرفياً تقريباً لما يطرحه الحزب الشيوعي (ومن بعده الجبهة) منذ أكثر من 40 عاماً، بل يطابق أيضاً ما تطرحه حركة فتح الفلسطينية مثلاً، تلك الحركة التي تنتقدها كوادر شابة وأقلّ شباباً في التجمع بحدّة ما بعدها حدّة أحياناً، وتصوّرها كأنها حركة تفريطية بينما التجمع هو حامي أسوار المدينة.
من المهم برأيي أن تطّلع الكوادر الشابة في التجمع على هذه الحقائق حتى تعرف بالضبط أين تقف سياسياً. وإذا رأت أن ما ورد أعلاه مقبول عليها فلا بأس، لا نقاش. أما إذا رأت أن ما ورد من حقائق موثّقة هنا لا يلائم ما فهمته من حزبها وما تصبو اليه، فواجبها القيام بدورها لتقول مقولتها النقدية وتطرح رؤيتها البديلة. فمن واجب هذه الكوادر الشابة المناضلة معرفة ركائز حزبها السياسية الذي تجتهد بعض زعامته عادة للظهور براديكالية خطابيّة لا تخلو للأسف من مزاودة مُهينة وغير مستقيمة وغير مُنصفة على الآخرين.
* كاتب فلسطيني