الثورة الإسلامية ومن مختلف المجالات والجهات فريدة من نوعها ولا نظير لها بين الثورات المعاصرة الأخرى. دراسة الثورات والمقارنة فيما بينها تجري بناء على عدة عناوين عامّة هي: ماهيتها، حدوثها ونتائجها أو تداعياتها، وكلّ عنوان من هذه العناوين يمكن تقسيمه إلى عدة عناوين أخرى. على سبيل المثال في ما يخصّ تبيان الماهوية يتم التركيز على شرح الخصائص والماهية والطموحات والقيادة، وكذلك دور الجماهير في أيّ ثورة، وفي ما يخصّ تبيين حدوثها يتم التركيز على الثورة، الأرضيات والأسباب والعناصر الممهّدة والمؤثّرة في بلورة ونجاح الثورة، وبالتالي في ما يخصّ النتائج يتم التركيز على التبعات الداخليّة والدوليّة للثورة ومقارنتها بالثورات الأخرى. لا شكّ أنّ ماهية الثورة تلعب دوراً بارزاً في حدوثها ونتائجها. وفي هذا المقال نحن بصدد إجراء مقارنة بين الثورة الإسلامية مع سائر الثورات المعاصرة وتسليط الضوء على فقرات من بيان «الخطوة الثانية» للثورة الإسلامية الذي أصدرته القيادة الرشيدة لمناسبة دخول الثورة الإسلامية عقدها الرابع وبدء فصل جديد من حياتها.أ- الثورة الإسلامية أعظم الثورات المعاصرة وأكثرها شعبيّة:
على صعيد تبيين أنواع الثورات يجري اعتماد تقسيمات مختلفة، أهمّها وأشهرها تقسيم الثورات إلى ثورات كبرى (اجتماعية) وثورات سياسية. التغييرات في الثورة السياسية ضئيلة وذات توجّهات سياسيّة ونسبة المشاركة الشعبيّة فيها ضئيلة أيضاً. في حين أنّ الثورات الكبرى، تكون نسبة مشاركة الجماهير فيها أكبر، ونمط ونسبة التغييرات الناتجة عنها أكبر وتشمل جميع الصعد الثقافيّة، الاجتماعيّة، السياسيّة (الداخليّة والخارجيّة) والاقتصاديّة. الثورة الإسلامية من حيث حجمها والتغييرات الداخلية النابعة منها ومستوى تأثيرها الدولي، وكذلك من حيث الشرائح والتنظيمات ونسبة المشاركة الشعبية فيها، تتبوّأ موقع الريادة بين الثورات المعاصرة. جميع الخبراء متّفقون على أن الغالبية الساحقة لشرائح الشعب ـــ ولهذا توصف هذه الثورة بأنّها ثورة عابرة للطبقات ـــ باستثناء شرذمة قليلة من أتباع النظام البهلوي، سجّلت حضورها في سوح الثورة. هذا الوجود الواسع والمنقطع النظير المشفوع بالقيادة الحكيمة والحازمة للإمام الخميني (ره) أدى إلى الهيمنة على جميع المدن والقرى وسلب النظام البهلوي وداعميه فرصة القيام بأيّ مبادرة، فضلاً عن تسريع وتيرة ترشيد الثورة نحو الانتصار بأقلّ الخسائر والأضرار. هذا في حين أن المساهمة والمشاركة الشعبية في ثورات مثل الثورة الفرنسية عام 1789 والثورة الروسية عام 1917 كانت متدنية جداً كما نعرف، واقتصرت على بعض الشرائح الاجتماعية فقط. كما أن تسجيل الجماهير لحضورهم في الساحة خلال العقود الأربعة الماضية حصّن الثورة أمام مخطّطات ومؤامرات المناوئين لها في الداخل وحماتهم في الخارج، وعلى سبيل المثال يمكننا التنويه إلى المشاركة الشعبية في سوح الدفاع المقدس وإحباط فتنتَي 1999 و2009 وغيرهما. لذلك فإنّ الثورة الإسلامية هي أكثر الثورات المعاصرة شعبية وأعظمها. نظرة عابرة إلى النتائج والآثار والتغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المختلفة خلال الأربعين عاماً الماضية تؤكد هذه الخصائص المذكورة آنفاً.
ب – الثورة الإسلامیة والولاء للمبادئ خلال الأربعين عاماً الماضية:
كما تفضّل قائد الثورة الإسلامية في بيان الخطوة الثانية للثورة، فإنّ مبادئ وتطلّعات هذه الثورة أي الحرية، الأخلاق، المعنوية، العدالة، الاستقلال، العزة، العقلانية والأخوة، لا يمكن أن تنتهي صلاحيتها من منطلق أنها نابعة من الفطرة. الثورة الإسلامية الإيرانية هي الثورة الوحيدة التي صانت مبادئها وتطلّعاتها خلال الأربعين عاماً الماضية وما زالت تدافع عنها وتؤكّد عليها وتبذل قصارى جهودها لترجمتها على الأرض. هذا الأمر يتّضح أكثر حين نستعرض مصير طموحات ومبادئ الثورات المعاصرة:
1) في الثورة الفرنسية عام ۱۷۸۹، شعارات الثورة تركّزت في البداية على الحرية والمساواة، وهي عناوين فضفاضة لم يكن لها أي معانٍ أو مصاديق واضحة، فضلاً عن الخلافات التي كانت قائمة بين قادة الثورة، وقد تمخّضت في البداية عن ملكية ميرابو الدستورية (1791) ومن ثم جمهورية دانتون البورجوازية (1792) وبعد ذلك إلى جمهورية مساواة روبسبير (1793). ومن ثم وفي عام 1799 وبعد فشل «حكومة المديرين» التي تسنّمت سدة الحكم في 1995 تم إحداث الإمبراطوية الأولى بزعامة نابليون، وإثر هزيمته في الحروب النابليونية انتهت الثورة عام 1815.
2) في ثورة أكتوبر عام 1917 والتي قادها لينين في روسيا، محور الشعارات كان التصدّي للغرب الإمبريالي والذي بسبب حروبه الإمبريالية واستنزاف قواه سيتحول إلى ثورة اشتراكية ولكن على عهد ستالين، اصطفّ الاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الثانية إلى جانب الإمبرياليين، ومن ثم في عام 1956 انتقلت السلطة إلى خروشجوف الذي كان يؤمن بسياسة إزالة التوتر مع الغرب (ديتانت)، ونظراً إلى دخول العالم حقبة امتلاك الأسلحة النووية فإنه كان يقول إن الذرة لا تميّز بين الطبقات. خلال هذه الفترة، الحرب الباردة بين موسكو وبكين كانت أهمّ من الحرب الباردة القائمة بين موسكو وواشنطن. الصين أيضاً في عام 1949 شهدت ثورة ماركسية بزعامة ماو.
3) في ثورة التحرير الجزائرية عام 1962، رفع الجزائريون شعار الإسلام ديننا، الجزائر وطننا والعربية لغتنا. حاربوا الفرنسيين الذين لم يتصوّرا أبداً أن عليهم الرحيل من الجزائر في يوم ما، ولذلك كانوا قد بدأوا بتنفيذ تغييرات ثقافية في هذا البلد منذ أمد طويل. الشعب الجزائري نجح عام 1962 بطرد الفرنسيين من بلاده، لكن المسؤولين الجزائريين لم يحافظوا على شعارات الثورة بشأن الاستقلالية وصيانة الهوية الثقافية، ولذلك نرى الآن أن الجزائر لم تحقّق أيّ تقدّم يُذكر، فضلاً عن عدم استقلاليتها.
ج – الثورة الإسلامية ونهاية حقبة من الانحطاط التاريخي:
حقبة حكم القاجاريين والبهلويين كانت لها سماتها، ومن أهم هذه السمات يمكن الإشارة الى الدكتاتورية، التخلّف عن ركب العلوم والتكنولوجيا والتبعية للقوى الأجنبية، والتي أدت إلى سوق البلاد نحو الانحطاط والانحدار. خلال الفترة الطويلة لحكم القاجاريين، لا سيما خلال فترة حكم ناصر الدين شاه القاجاري، كان الروس والبريطانيون يحظون بنفوذ كبير في البلاد وبين المسؤولين، ومن خلال حصولهم على امتيازات سياسية واقتصادية كانوا يسرّعون وتيرة الانحطاط والانحدار. خلال هذه الفترة تم فصل أجزاء واسعة من أراضي إيران في شمال وشمال شرق البلاد. فترة حكومة البلهويين التي بدأت بانقلاب رضا شاه وبإزاحته وتنصيب نجله محمد رضا خلفاً له في السلطة واستمرارها بعد انقلاب 1953، كانت تتّسم بهذه الصفات والتخلّف وكانت تؤيّد نظرية الانحطاط. وإيضاحاً لما سبق فإن:
1) طابع دكتاتورية النظام البهلوي كان واضحاً لدى القاصي والداني، لا سيما أثناء حكم رضا شاه ومن بعد انقلاب 1953 أثناء حكم محمد رضا، حيث كان جهاز السافاك يراقب جميع الأوساط المجتمعية، ومن خلال ممارسته لشتى أنواع التعذيب ضد السجناء السياسيين واعتماد سياسة الترهيب على صعيد المجتمع تمكّن من فرض هدوء ظاهري.
2) الاعتماد على القوى الخارجية وانعدام الاستقلالية هما من صفات الحقبة البهلوية. وهذا الأمر يظهر جلياً من خلال ما قاله تشرتشل وروزفيلت عن رضا شاه أثناء مؤتمر طهران (1943) «نحن من جئنا به للسلطة ونحن من أبعدناه». كما انقلاب 1953 الأميركي، المصادقة على قرار الحصانة القضائية عام 1964 وكذلك تبديل محمد رضا بهلوي إلى شرطي أميركا في المنطقة بناء على استراتيجية نيكسون إثر هزيمة أميركا في حرب فيتنام، جميع هذه الأمور تكشف عن تبعيته للكتلة الغربية. كما أن اجتزاء البحرين التي كانت دائماً جزءاً من أاراضي إيران تم خلال فترة حكمه.
3) التخلّف على صعيد العلوم والتكنولوجيا أيضاً كان من السمات البارزة للنظام البهلوي، حيث إن سرعة تقدم العلم في إيران كانت شبه معدومة. لم تكن هناك أي نشاطات لإنتاج العلم في المراكز الجامعية والمؤسسات العلمية، وغالبية مدراء الشركات، فضلاً عن الأطباء الذين كان يجري استدعاؤهم من الخارج. تزامناً مع ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية، تم تأسيس العديد من الصناعات الاستهلاكية التي تعتمد على الواردات لتلبية احتياجاتها من المواد الخام أو أساساً كانت مصانع للتجميع فقط. انتصار الثورة الإسلامية أنهى حقبة الانحطاط التاريخية هذه وتمخّض عن إيجاد نظام يرتكز إلى السيادة الدينية، له استقلاليته ولا يعتمد على أي من القوى الخارجية، فضلاً عن تسريع وتيرة تقدّم البلاد.
4) الثورة الإسلامية وبعد انتصارها، ونظراً إلى أصالة كوادرها الثورية ـــ أصالة طموحاتها وقيادتها وقاعدتها الشعبية المؤمنة ـــ استطاعت وبسرعة فائقة وضع اللبنة الأساسية لنظام سياسي جديد مبنيّ على السيادة الدينية ـــ المساهمة الحقيقية للشعب في السياسة ـــ حيث يتم اختيار أعلى مسؤولي هذا النظام وحتى في بعض الأحيان من هم أقل مرتبة، عبر صناديق الاقتراع.
5) كما أن الثورة الإسلامية من خلال اعتمادها سياسة لا شرقية ولا غربية، مبدأ «العزة، الحكمة، المصلحة»، التأكيد على مقارعة الإسلام للاستكبار ودعم الحركات التحررية، نجحت في إيجاد تغييرات واضحة في هندسة القوى على الصعيد الإقليمي وتعزيز اقتدار الصحوة الإسلامية المبنية على نموذج المقاومة في مواجهة الغطرسة الصهيوأميركية.
6) الثورة الإسلامية انتزعت البلاد من التخلّف في مجال العلم والتكنولوجيا وحولتها إلى بلد سجّل رقماً قياسياً في التقدّم (سرعة التقدم 11 ضعف المتوسط العالمي). وكما أشار قائد الثورة المعظم: «إيران تمتلك مصادر ممتازة لتحقيق المزيد من التقدم والتطور»، مثل سبعة بالمئة من احتياطي المعادن في العالم، الموقع الجغرافي الاستثنائي بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، السواحل البحرية المترامية، الكوادر البشرية المتخصصة والشابة، الأسواق الإقليمية الكبيرة بـ 15 بلداً جاراً و600 مليون نسمة من السكان فيها؛ والأمر الأهم من كل ذلك الأمل والنظرة المتفائلة حيال المستقبل المشرق.
* عضو الهيئة العلمية أستاذ العلوم السیاسية في جامعة طهران

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا