بحكم الخلفية الدينية (الإسلامية) لقيادتها، وبالذات الإمام الخميني، فإن الثورة الإيرانية، منذ انتصارها في عام 1979 حرصت على تمييز نفسها بــ "معجم ثوري جديد" إن جاز التعبير. أرادت الثورة الإيرانية إبراز نقطة عدم تبعيتها لأيّ من المحاور والتيارات الأجنبية والتأكيد على استقلاليتها التامة فكرياً وثقافياً. ومن هنا كان استعمالها لمصطلحات ومفردات مختلفة عن سائر الأدبيات الثورية. فبينما قسّم الماركسيون العالم إلى إمبريالية / شعوب مكافحة، رأسمالية / اشتراكية، برجوازية / عمال، تحدث المعجم الثوري الإيراني غداة الثورة عن مُسْتكبِرين / مُسْتضعَفين أو الاستكبار العالمي / الشعوب المُسْتضعَفة. وهذه المفاهيم كما لا يخفى مشتقّة من القرآن الذي تحدث عن "الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ" وعن "الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا" . ولكن ما يحسب للثورة الإيرانية هو أنها وسّعت من نطاق ودائرة هذه المصطلحات ذات الخلفية الدينية وأخرجتها من "حصريتها" الإسلامية إلى إطار عالمي / إنساني. فبنظر الثورة الإيرانية، المستكبِرون، وأدواتهم، موجودون في كل زمان ومكان، ولكل عصرٍ مظاهره من الاستكبار والاستضعاف. وعلى هذا الأساس فالاستكبار يشمل الإمبريالية والرأسمالية المتوحّشة كما يشمل الطبقات البرجوازية غير الوطنية والكومبردورية. وكذلك كلمة "المستضعفين" تشمل كل مظلوم في هذه الأرض وهي بذلك تعني كل المهمّشين والفقراء والعمال. ولنلاحظ لغة الإمام الخميني في خطابه يوم 16-7-1979 "إنّ يومَ القدس يومٌ عالميٌّ، وليس يوماً يخصُّ القدسَ فقطْ، بل هو يومُ مواجهةِ المستضعَفين للمُستكبِرين" وكيف جعل القدسَ وقضيتها أمراً يخص كل الأحرار والمناضلين في العالم والذين هم بلغته، المستضعَفون.بل إن الجمهورية الإسلامية ذهبت إلى أبعد من ذلك في تأكيد "عالميّة" مفاهيم الاستضعاف والاستكبار، حين جعلتها بنداً في الدستور الإيراني الذي كُتب بعد الثورة وألزمت نفسها بالانحياز إلى "المستضعَفين" في كل مكان. لنقرأ في الفقرة 154 من الدستور الإيراني: "تعتبِرُ الجمهورية الإسلامية الإيرانية سعادة الإنسان في المجتمع الإنساني قضية مقدّسة بالنسبة لها، وكذلك تعتبر الاستقلال والحرية وقيام حكومة الحق والعدل حقاً لجميع الشعوب في العالم، وعلى هذا فإن الجمهورية الإسلامية في إيران لن تتوانى عن دعم النضال المشروع للمُستضعَفين ضد المستكبِرين في كل بقعة من بقاع العالم".
ومما سبق يمكن اعتبار أدبيات الثورة الإيرانية، والإمام الخميني، نقلة نوعية "تقدمية" في التراث الفقهي الإسلامي الذي لم يكن يعرف هذا النوع من الانفتاح على الآخر، غير المسلم على أساس فكرة نصرة العدل على الظلم من منطلق إنساني صرف.
والمتابع للسياسة الإيرانية اليوم يمكنه أن يلاحظ انعكاس فكرة المستضعَفين / المستكبِرين على توجهاتها وتحالفاتها. وأبرز مثال على ذلك علاقاتها المميزة، التي تقترب من التحالف مع الحكومات اليسارية الثورية في أميركا اللاتينية، كوبا وفنزويلا وبوليفيا، ووحدة الحال التي تجمعها معها أمام "الاستكبار" الأميركي.

*كاتب وباحث من الأردن

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا