حرص الأمين العام لحركة «الجهاد الإسلامي في فلسطين»، زياد النخالة، سواء عبر إطلالته على فضائية «الميادين» عشية رأس السنة الميلادية، أم في مؤتمر «إحياء الذكرى السنوية الأولى لاغتيال الشهيد قاسم سليماني» في اليوم التالي بطهران، على ترسيخ الرسائل التي حملتها مناورة «الركن الشديد» في غزة، وعلى أنّ المقاومة في القطاع هي في قلب المعادلات في المنطقة. استهلّ النخالة مقابلته بالكشف رسمياً عن جزء ممّا يعرفه العدو من تطور قدرات المقاومة الصاروخية، مؤكداً امتلاك المقاومة صواريخ تحمل رؤوساً متفجرة بزنة 400 كلغ، وبعضها يتجاوز مداه 100 كلم. حديثه لم يكن لإبراز ما طوّرته المقاومة، وهو الذي أكد أنها تحتفظ بعدد من المفاجآت في أي مواجهة، بل كان يبعث إلى العدو برسالة واضحة أن المعركة المقبلة ستكون أقسى من سابقاتها وأشد إيلاماً عليه وعلى كيانه.الرسالة الأهم التي أطلقها النخالة هي تأكيده أن المناورة الأخيرة «القصد منها هو رسالة للعدو في جو التصعيد الذي يملأ أجواء المنطقة أميركياً وإسرائيلياً، وكرسالة ردّ أن المقاومة الفلسطينية ليست خارج المعادلة، وهي جزء أساسي في محور المقاومة في مواجهة أي عدوان على غزة أو في حال استهداف أي طرف من أطراف محور المقاومة». في هذه الرسالة بُعدان يجدر التوقف عندهما: الأول أن المقاومة في غزة ليست خارج المعادلة، بل جزء أساسي من محور أوسع لن يتخلى عن غزة وشعبها ومقاومتها في حال فكّر العدو في شنّ عدوان جديد على القطاع، والثاني أن غزة نفسها لن تقف على الحياد في حال تعرض أي طرف من محور المقاومة للعدوان.
هاتان الرسالتان تأتيان في توقيت يفهمه القاصي والداني جيداً. موجة التطبيع التي تجتاح الأنظمة العربية، والتي يسعى الكيان الصهيوني والإدارة الأميركية بها إلى إعادة تشكيل المنطقة، والتي تستهدف القضية الفلسطينية وتصفيتها قبل أي أحد آخر، هي خطر داهم على القضية الفلسطينية وقواها المقاومة. وبما أن الأمر كذلك، هذا يفرض على قوى المقاومة الفلسطينية أن تكون في طليعة المدافعين عن المقاومة ومحورها. وكذلك الحال، أيُّ استهداف لأي طرف في قوى المقاومة، فإنه يصبّ في خانة تصفية القضية لمصلحة محور التطبيع، وهذا ليس في مصلحة الشعب الفلسطيني ومقاومته. وفي كلتا الحالتين، لا تستطيع المقاومة الفلسطينية أن تقف على الحياد، ولا ينبغي لها ذلك. على أن هاتين الرسالتين تكتسبان بعداً أكبر في ظل التهديدات، بل الاستعدادات، الأميركية لتوجيه ضربة أو ضربات عسكرية ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، أو حزب الله، أو غزة. حَرِص النخالة على القول إن المقاومة في غزة جاهزة للمعركة إذا فرضت عليها، وهي لن تقف على الحياد. قال بوضوح: «نحن في مرحلة حساسة، وخاصة مع الأحمق الذي يسكن البيت الأبيض وهو يُحدث تغييرات كبيرة في الولايات المتحدة ويشكك في الديموقراطية الأميركية... فإذا كان يقدم على تقسيم الولايات المتحدة ويصورها بأنها فاسدة وتزور الانتخابات، لذلك نتوقع منه أي شيء، بما في ذلك الدفع باتجاه حرب، ونحن نأخذ كل الاستعدادات، ومن ضمنها مناورة الركن الشديد، وهي جزء من توقعات الحرب»، التي رأى أنها «ليست بعيدة عن المنطقة».
بهذا، يقول الأمين العام لـ«الجهاد الإسلامي» للعدو الصهيوني بوضوح إن عهد استفراده بجبهة الشمال من دون جبهة الجنوب قد ولّى، وعليه أن يعرف أن محور المقاومة مستعد للمواجهة انطلاقاً من الجبهات جميعها. وقد اكتسبت مواقف النخالة بعداً وزخماً إضافيين في ظل إحياء الذكرى الأولى لاستشهاد الحاج قاسم سليماني. فبعد أن رثاه صديقاً وقائداً ميدانياً «يهتم بأدق التفاصيل ويتمتع بالعديد من المزايا الإنسانية»، حرص في خطابه في طهران على الإشارة إلى البعد السياسي لاغتيال سليماني، فقال بوضوح: «قاسم سليماني اغتيل لأنه كان عقبة أمام الولايات المتحدة وإسرائيل في سعيهما لإعادة تشكيل المنطقة»، مشيراً بذلك إلى أن موجة التطبيع انطلقت بعد اغتيال سليماني، وليس قبل. على أن النخالة يرى أن موجة التطبيع العربي كشفت المستور لكنها لا تصل إلى مستوى تغيير المعادلات في المنطقة. قال بوضوح: «نحن في مرحلة فرز... الدول العربية التي طبّعت مع إسرائيل لم تكن معنا، وهي الآن اختارت إعلان هذه العلاقات، لكنها طوال الوقت لديها علاقات مع الكيان الصهيوني على مستوى أجهزة الأمن، وهذا كان معلوماً لدينا، لكنها اختارت الانفلاش على الكيان في هذا التوقيت»، لافتاً إلى أن هذه الموجة من التطبيع توسع المجال الجيواستراتيجي الذي يتحرك فيه العدو: «إسرائيل هذه سوف تحتل كل الوطن العربي باقتصادها وسلوكها».
وهو وجّه لوماً وانتقاداً شديدين إلى حزب «العدالة والتنمية» المغربي من دون أن يسمّيه، عندما قال: «للأسف، موقف الحركات الإسلامية موقف مفاجئ، وهو خيبة أمل كبيرة. وأنا أعتقد أن هذه المقاربات ستكون فاشلة... استُهلكت هذه الشخصيات والأحزاب لدى الأنظمة العربية وباتت تقدّم مبادئها لحفظ رأسها. ما حصل لدى بعض الحركات الإسلامية لم يكن متوقعاً». والأهم من ذلك دعوته إلى إعادة تقييم تجربة العديد من الحركات الإسلامية: «يبدو أن تجربة الحركة الإسلامية يجب أن تتوقف عند تجربة الأحزاب الإسلامية وتعاطيها مع الأنظمة وتخليها عن فلسطين التي هي آية من الكتاب». في حديثه، كان النخالة يتحدث كقائد في قوى المقاومة في غزة وأبعد من كونه الأمين العام لحركة «الجهاد». فقد أوضح أن «هناك تغييراً الآن في موقف حماس تجاه سوريا في الاتجاه الإيجابي... الأمور ذاهبة في اتجاه إعادة العلاقة بين حماس وسوريا، وهناك رغبة واضحة لدى الإخوة في حماس بعد تقييم المرحلة الماضية. أعتقد أنه سيكون هناك تطور مهم خلال الشهور القادمة، وقد تجاوزنا القطيعة، والسعي الآن هو لإعادة العلاقات». بهذا، كان يغلق الباب أمام كل تشكيك في وحدة موقف قوى المقاومة في غزة، ولا سيما بين «الجهاد الإسلامي» و«حماس».
أما في الوضع الداخلي، فأعاد تأكيد موقف «الجهاد» ممّا يجري من دون الدخول في التفاصيل، فقال: «لا خيار للشعب الفلسطيني إلا التمسك بالمقاومة... أرضنا محتلة.. هناك خلل على المستوى الداخلي، وهناك انقسام سياسي واختلاف برامج. جزء اختار التسوية على أمل أن يحصل على شيء، لكننا نرى أنهم يراهنون على الأوهام. هذا الخلاف لا يزال قائماً، ولم نستطع أن نجد مقاربة توجد برنامجاً سياسياً فلسطينياً يوحد الجميع. من يتحمّل المسؤولية هم الذين ذهبوا إلى التسوية. أساس قيام إسرائيل هو أن «يهودا والسامرة» هي قلب المشروع الصهيوني، وهم يفاوضون على هذا القلب. ولذلك هم في أوهام، وقد ارتبطوا بالوضع الأمني والسياسي والاقتصادي، وهم الآن محاصرون، ولم يعد بإمكانهم الخروج» من هذا الحصار. المواقف التي أطلقها الأمين العام من بيروت وطهران هي مواقف المقاومة الفلسطينية في أوضح تعبير عنها. هي مواقف تنطلق من مركزية فلسطين في قلب الصراعات والمعادلات الإقليمية، وتحرص على الانطلاق من فلسطين ومن أجلها، كاستراتيجية أساسية في مواجهة المشروع الصهيوني والإدارة الأميركية التي لم تتورّع عن ارتكاب كل الموبقات لتثبيت الكيان الصهيوني وإطلاق سطوته على العديد من العواصم العربية، التي باتت اليوم أشبه بالمحتلة في قرارها ومسارها.

* كاتب فلسطيني