حينما قرأت افتتاحية جريدة «القبس» الكويتية تحت عنوان «لسنا بهذه السذاجة يا إيران»، لا أدري لماذا تذكرت قصة الإعلامي الكويتي المخضرم الدكتور نجم عبدالكريم، مع مذيعة كويتية شهيرة جداً كانت في أيام مجدها، شاغلة اهتمام مشاهدين كثيرين في بلدان عربية متعدّدة وليست الكويت فقط، كأبوظبي ودبي والرياض وطرابلس الغرب في ليبيا (تخيّلوا). ففي حديث معها في وقت ما، يقول قمت أنصحها بأن الإعلامي يستند إلى ثقافته وتواضعه وشغفه بالتحصيل والبحث والتساؤل الجوهري، ولا يكون التركيز منصبّاً على السطحيات واستحثاث الغرائز البدائية، والحديث عن كل ما هو ذو غير معنى أو جوهر. يروي الدكتور نجم عندها، أنها قاطعته بغضب مدثر بحلم مفتعل وقالت له بصوتها المتصنّع ومخارج ألفاظها المزعجة: «آنا حمد لله وايد مثقفة أو وايد شاطرة». توضيح: كلمة «وايد» في اللهجة الكويتية، تعني «كثيراً جداً» في العربية. بمعنى آخر، هي قالت له: أنا لست بهذا الغباء يا نجم. أظنّ للأسف بأن شخصية تلك المذيعة الضحلة قد صبغت جوانب كثيرة من ذهنيات بعض الجماعات في المجتمع الكويتي. وربما للأسف الجماعة القائمة على جريدة «القبس» العريقة. يعني يا «قبس»... وهذا على وزن يا إيران! إذا رأت إيران فيكم السذاجة، فأنتم رأيتم في قرّائكم إما الغباء أو نسيان الذاكرة أو أنهم على شاكلة تلك المذيعة الأسطورة.شيء جميل يا «قبس» أنكم لستم نعامة تدفن رأسها في التراب. إذاً ماذا كان دوركم في التحشيد لنظام صدام حسين عندما شنّ حربه على جارتكم إيران.. هل كنتم مفتحين باللبن؟ ألم يبدر منكم الخطأ والتقصير الذي يهدد مصداقيتكم بالمطلق. أذكرتم يوماً ما في جريدتكم كم صرفت دولة الكويت من مداخيلها المالية على تلك الحرب ذات الثماني سنوات؟ ماذا لو علمتم بأن دولتكم الموقّرة قد صرفت مداخيلها النفطية لمدة عشر سنوات، أي ثمانون مليار دولار! ناهيك عن الأجواء والموانئ والطرق البرية وتسهيلات أخرى تنمّ عن انخراط شبه كامل في الحرب مع نظام صدام ضد إيران.
أنسيتم حملات التبرع بالذهب من قِبل النساء لإعمار الفاو؟ أبكيتم على أكراد العراق حينما حُرقوا بالكيماوي؟ أم أن دموعكم فقط تجري على من تقتلهم إيران وجماعاتها حتى لو كانوا من «داعش» أو «القاعدة» أو غيرهم من التكفيريين، وقد ملأوا الدنيا دماراً وقتلاً؟
إيران يا «قبس» لا تعوّل على سذاجتكم. وهي (السذاجة)، بالمناسبة، مشهودة للقاصي والداني. و«لسنا» النافية في مطلع عنوان افتتاحيتكم كنفي تلك المذيعة، التي لا تخفي ضيق أفقها. فتأكيد وجود المنعدم، أحياناً، كتأكيد انعدام الموجود فعلاً، وهو حالكم مع السذاجة. إيران تعوّل على جغرافيا قاهرة قد تنتظم أخلاقياً ودبلوماسياً بمفاهيم حسن الجوار. إيران تعوّل على تاريخ طويل وعريض من التعاون الاقتصادي الذي ساد مرحلة ما قبل الاحتلال البريطاني وشركة الهند الشرقية، حين كان اقتصاد الكويت يعتمد على الموانئ الإيرانية والعراقية (البصرة والمحمرة).
والأهم من كلّ ذلك، أن إيران تعول على حكمة أمير الكويت وشعبه اللذين يحسنان الظن في القيادة الإيرانية. وإيران تعول على المستقبل المبني على أسس موضوعية بناءة، كاستعراض جميع القضايا القائمة ومراجعة الأخطاء السابقة لتصحيحها مهما بلغت كلفتها. ولكن من قبل جميع الأطراف، وليس من قبل إيران وحدها.
نحن يا «قبس»، كسائر بني آدم في الجمهورية الإسلامية في إيران كما في جميع أنحاء العالم، دماؤنا حمراء.

*كاتب كويتي