حروب المنطقة بدون استثناء ارتبطت بتحقيق هدف واحد، وهو سحق الشعب الفلسطيني وطي صفحة قضيته وإلغاء كيانه، وذلك لتنصيب إسرائيل الكبرى زعيماً للعرب والمسلمين ونهب ثروات الأمتين وتحويل الصهيونية الى قوة عالمية لا تستطيع روسيا وأوروبا والصين ردعها عمّا تريد القيام به، وقطع الطريق أمام هيمنة الصهيونية على أموال العالم، بما فيها أموال الدول الكبرى.أمام هذه الأهداف الكبيرة يمكننا تخيّل الألعاب والمؤامرات والتحايل والخداع والإغراء والرشوة وشراء الذمم والعملاء لتعبيد الطريق أمام الصهيونية وحربتها إسرائيل للسيطرة تدريجياً على الشرق الأوسط ثم العالم. وقد يظن البعض أن ما أقوله مبالغة، أو أنه تصور خيالي أو سيناريو غير قابل للتنفيذ، وأردّ عليهم بالقول: كلا إن هذا هو بالضبط ما تخطط له الصهيونية، وتسعى لتحقيقه بكل الوسائل، وعلى رأسها الارهاب والقتل والاغتيال وتدمير الدول والمدن والقرى، وقتل مئات الآلاف من المدنيين العزّل الذين تتحكم في أمورهم وأوضاعهم أنظمة سبق للصهيونية أن اشترتها بأبخس الأثمان، وهي تقتات خيرات الأمم المستعبدة من أنظمة استعبدتها الصهيونية وبيتها الأبيض في واشنطن.
تحدث السيد حسن نصر الله عن مؤتمر البحرين كخطوة أولى نحو تطبيق المشروع الصهيوني الذي يحمله ترامب «أداته في البيت الأبيض»، ويسعى لفرضه على الجميع في المنطقة. بطبيعة الحال ترامب يعلم، ولديه أوراق في جيبه تفيد بأن السعودية ودول الخليج موافقة منذ زمن على شطب قضية فلسطين شطباً نهائياً والتعامل مع إسرائيل كحليف وصديق، وهي تائهة وغائبة عن حقيقة هذا الذئب المفترس الذي لا يوفر أحداً ولا يمكن أن يكون له صديق أو حليف سوى نفسه.
تحدث نصر الله عن البحرين، وأبلغ الجميع بأن الخطوة الثانية ستكون التوطين، أي توطين اللاجئين الفلسطينيين في البلدان التي استضافتهم، وهذا يعني إلغاء حق العودة للفلسطينيين، وذلك رغماً عن أن حق العودة هو حق دولي عالمي ويجب تطبيقه على كل أبناء البشر، لكن ترامب الذي أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق بإعلان القدس عاصمة لاسرائيل، لم يُعِر أي اهتمام للقانون والمبدأ العالميين بحق العودة، وشطب من أجندة الولايات المتحدة إحدى أهم وكالات الأمم المتحدة، وهي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.
إذاً نحن نواجه سلسلة مترابطة من الخطط والمؤامرات تصبّ جميعها في زاوية ومصرف واحد، هو إقامة اسرائيل الكبرى وشطب حقوق الشعب العربي الفلسطيني، وكأن هذا الشعب غير موجود كما قالت غولدا مئير. السلسلة التي بدأت بشن الهجمات عبر جيوش المرتزقة المموّلة من السعودية ودول الخليج لتدمير وإنهاء الدول المحيطة بإسرائيل، وتحويلها الى دويلات طائفية أو الى دويلات لقوميات متناحرة. وكان الرهان في بادئ الأمر على الإخوان المسلمين، لكن السعودية عقدت صفقة مع الاميركيين مفادها تزعّم السعودية للوطن العربي مقابل شطب الموضوع الفلسطيني، وأن تقيم هذه المملكة علاقات تعاون وحسن جوار وتمكين مع دولة إسرائيل، وهذا يكمل وعد عبد العزيز بإعطاء فلسطين لليهود، وهو الوعد الذي سبق وعد بلفور بأيام. في حينها، وعْدُ عبد العزيز آل سعود جاء مقابل تنصيبه ملكاً على الجزيرة بدلاً من حسين بن علي الهاشمي – شريف مكة وأولاده، وسخّر له الاستعمار البريطاني كل ما يلزم، بما في ذلك «تطويع» قبائل شمر بالرشوة المالية ليمكّنوا آل سعود (المشكوك في أصلهم والذين أصرّوا على ركوب مركب الوهابية الذي خلقته الاستخبارات البريطانية)، من حكم الجزيرة العربية. (وأضاف الشمّريون ـــ عشائر شمّر ــ شرطاً ما زال ساري المفعول حتى يومنا هذا، وهو ألا يحكم الجزيرة من أبناء وآل سعود إلا من كانت أمه شمّرية).

مصر أولاً
كان المخطط لمصر أن يتسلم الحكم فيها الإخوان المسلمون – وكانوا قد عقدوا صفقة مع أميركا ليستعمروا المنطقة، ومن خلالهم تحكم أميركا واسرائيل المنطقة ـــ إلا أن تغيير موقف الولايات المتحدة وقبولها بالعرض السعودي جعلها تتخلى عن اتفاقها مع قطر، وأن تتحول لتنفيذ المخطط السعودي الذي تضمن «احتلال اليمن خلال أسبوعين والسيطرة على الجيش في السودان والانقلاب على معمر القذافي والسيطرة على ليبيا والعراق وسوريا المدمّرة وتصفية حزب الله ....»، أما الجزء الذي لم ينفذ فهو المتصل بالهجوم السعودي على سوريا والسيطرة عليها عبر عائلات سوريا المرتهنة للمال السعودي، والعشائر المتاخمة لأرض السعودية، وذلك بدعمها وتسليحها وتغذيتها بالمال. بعد الفشل الذريع لهذه المخططات في سوريا والعراق واليمن ولبنان، عدّلت الادارة الصهيونية في البيت الأبيض خططها، مستعينة بالمرتزقة حيث أمكن للإنهاك ومطّ الحرب المدمرة كما يجري في سوريا، وإبقاء قواتها كاستعمار واضح وضابط لخطوات الحكومات، كما يجري في العراق. أما في اليمن، فقد هزمت السعودية شرّ هزيمة، ما دفع ترامب إلى بيع السعودية أسلحة (محرمة دولياً من دون استئذان الكونغرس)، في محاولة لكبح قدرات اليمن المتنامية، لكن التغيير الجوهري كان تغييراً عبر خط دفاعي وليس هجومياً، وهو خط إرهاق إيران ومحاصرتها والتهويل بالحرب ضدها حتى تغيّر من سياساتها الداعمة لحركات التحرر والمقاومة والمتصدية لمخططات الولايات المتحدة، وهي تضغط اليوم لعقد مفاوضات مع إيران في ظل العقوبات والحصار وإجراءات الحرب. (وستضطر الادارة الاميركية الى التراجع في بعض العقوبات، وأهمها بيع النفط، حتى تجلس الى طاولة المفاوضات مع إيران، ولن يكون الاتفاق النووي نقطة البحث الرئيسية، بل ستكون اسرائيل هي القضية الأهم، والتي ستغلف بأشكال متعددة)، ترامب يريد من إيران أن تغير سلوكها، ولا يريد أن يشنّ حربا عليها!!
طالما أن الحلف الأميركي الصهيوني قد عدل عن خطته بتفتيت وتدمير الدول المحيطة بإسرائيل وصولاً إلى إيران، من إيران تعود المقصلة لتضرب «حلفاء إيران»، كما يسميهم ترامب، لتصفية المقاومة التي ستقاوم المشروع الاميركي الصهيوني (مشروع كوشنر الابن المدلل لروتشيلد). والآن نسأل أصحاب القرار : بعد أن رفض الفلسطينيون بالإجماع مؤتمر البحرين كمضمون وكشكل، لارتباط هذا المؤتمر بالمشروع الاميركي وفرضه على الجميع، سنرى معمعات حول التوطين وستثار ضجة صاخبة حوله... كيف سيتصرف أصحاب القرار؟
واشنطن تتحرك ضمن حسابات خاطئة جداً، وهي تستند إلى تقارير «أمان» التي يقودها الآن الماجور جنرال تامير هايمن، وتفيد هذه التقارير بأن الجو النفسي والمعنوي للفلسطينيين، ومحيط الحركات الارهابية بحسب تعبيره، هو جو مفعم بالإحباط والعجز عن المواجهة. هذا ما يعتقده بولتون وكوشنر وابرامز وترامب، وعلى هذا يقدم ترامب ويطرح مشروعه مستنداً إلى هذه التقارير وإلى وعود الأسر الحاكمة في السعودية والخليج، وبلغت الأمور حدّ عدم الاكتراث لقوى المقاومة وللشعوب، باستثناء حزب الله وأنصار الله وكتائب حزب الله.
يظن ترامب وبولتون أن اسرائيل قادرة على ضرب حزب الله، وقادرة على التدخل في العراق لضرب كتائب حزب الله «الحشد»، وأنها ستضرب في اليمن مساندة للسعودية ومستخدمة الأسلحة الجديدة المحرّمة دولياً. لكن حسابات ترامب خاطئة على كل الأحوال؛ فعلى صعيد المنطقة، سيقف الفلسطينيون صفاً واحداً لمواجهة مشروعه، وسبق أن طرحت على الجميع أن تعتمد الفصائل الفلسطينية كافة برنامجاً مشتركاً موحّداً هو «رفض المشروع الاميركي»، وسيفاجئ التحرك الشعبي العربي الادارة الصهيونية في البيت الأبيض، ولا شك في أن المؤتمر الشبابي الذي عقد في بغداد مؤخراً دليل على الصحوة ممّا ألمّ بالعراق، وعاد موقف العراق يتّضح بانقشاع الغمامة عنه، فهو مع فلسطين قلباً وقالباً، وهي بغداد التي تعرف بقلعة الأسود.
ورغم آلام سوريا وجراحها، فإن خطوة ترامب لضمّ الجولان إلى إسرائيل دفعت باتجاه عدم تأجيل الصراع مع إسرائيل لاسترجاع الحق العربي في الجولان، وأخطأ ترامب حين توقّع صمت الدول العربية على قراره، وإذا بالدول العربية قاطبة ترفض ضم ترامب الجولان إلى إسرائيل. والآن ماذا ننتظر؟ هل ننتظرهم ليطبخوا على نارهم مؤامراتهم أم نستخدم نارنا لإنهاء مخططهم قبل أن ينضج. لا أحد في كل دوائر الأمن والمخابرات والاستخبارات الاميركية والاسرائيلية والعربية يتوقع أن تقلب الطاولة على مشروع ترامب! أليستْ هذه أثمن فرصة، كفرصة الجيش المصري عند عبوره قناة السويس، وعند عبور المقاومة لن يكون هنالك سادات يخضع لتهديد البيت الأبيض!
* كاتب وسياسي فلسطيني