فَرِّقْ تَسُدْ: يُعاني شعبنا صراعاً طائفيًّا كارثيًّا لا مثيل لهُ، ابتدأ منذ قرون بحرب الحرير عام 1860 التي غذَّتها بريطانيا وفرنسا من خلال الحكم العثماني. واستمرّ هذا الصراع، حتى اليوم، بشكله البشع، في حروبٍ طاحنةٍ شملت بلاد الشام بمجملها، وامتدت إلى العراق. وقد كَرَّسته القوى الغربية في ذهن عامة الناس، جاعلةً إيّاه وسيلةً للتفرقة بين هؤلاء، من أجل خدمة مصالحها، وأَضرمتْ نارَهُ بإِشَاعةِ هذه الثقافة الطائفية، والبدوية، والموسوية بين الناس.في مقالٍ تحت عنوان «خلطة بغداد العجيبة، يبددها الطغاة والغزاة... ويحفظها المبدعون» (مجلة «فكر». العدد 108 كانون الثاني ـ شباط، ص 32) يروي الباحث والطبيب النفسي الدكتور حسين سرمك حسن واقعة حدثت عام 1917، نقلاً عن مقال في العدد 7 لجريدة «العراق»، الصادر في 8 حزيران 1920 بقلم كاظم الدجيلي. يقول إن الإنجليز حاولوا التوصل إلى وسيلة للفتك بأهل بغداد، وإشاعة الفرقة والخلاف بين المسلمين والمسيحيين (الأشوريين)، وكانوا يُعِدّون العدّة لاستغلال يوم الجسد (العشاء الرباني)، وهو يومٌ مقدس عند المسيحيين. وقد اقتضت الخطَّة أن يقوم رجالٌ موالون للسلطة البريطانية، يلبسون زي المسلمين، بالاندساس بين المتفرجين. وعند مرور موكب الاحتفال، يقومون بقتل بعض أطفال المسيحيين؛ وبذلك يتسنى للحكومة ضرب الأهلين بعضهم ببعض. عندما علم المسلمون بنيات الحكومة السيئة، حضر وفد إسلامي مؤلف من علماء بغداد وأشرافها، وكانوا يحملون بأيديهم الورود وماء الورد لينثروه على إخوانهم المسيحيين المحتفلين بهذا العيد المقدس. وقد جرى الاحتفال يوم الأحد، الموافق فيه 6 حزيران 1920. وعندما اجتمع آباء الكنائس الأربع، في كنيسة الكلدان (الأشوريين) ببغداد، وشرع المحتفلون بالخروج من الكنيسة، خرج وفد المسلمين قدامهم، ووقفوا لهم صفين على جانب الطريق، بكلِّ سكينة ووقار واحترام. ولمّا مرَّ الموكبُ أمامهم، أخذوا ينثرون الأزهار، ويرشّون ماء الورد... وكانت النسوة المسيحيات، المطلات من النوافذ والمشارف، يرشُشْن ماء الوردِ على المحتفلين، ودموعُهُنّ تتناثرُ من شدة الشوق، وفرطِ الفرح والسرور، الذي داخل قلوبهن عند مشاهدة هذا الاحتفال، الذي دلَّ على الوفاقِ والوئام. هذه المؤامرة، التي صدَّها وعي الشعب وأفشلها، هي واحدة من مئات المؤامرات الخبيثة، التي لم تفشل، والتي ارتكبها التاج البريطاني، ومزَّقَتْ النسيج الوطني العراقي إلى فِرَقٍ وطوائفٍ.
ومن جهة أخرى، فإن بعضَ الكهنوت المسيحي، وبعضَ الفقه الإسلامي المحمدي، اليوم، مُتَّهَمٌ بترسيخ هذه الثقافة. وبسببها، ينحدر بعض العامة من المسيحيين، اليوم، إلى استهجان بعض التحيات المحمدية، والمحمديون، بدورهم، يرفعُونها كراياتٍ خصوصية إسلامية محضة. فـ«السلام عليكم» هي، في الآرامية، «شْلاما عْلَيْكُم». وكذلك شروع المؤمن، عند قيامه بأية حركة، بالبوح: «باسم الله». هذا البوح إنْ هو إلا اعتراف بوجود الله كقوة وراء كلِّ حركة في الكون، وهو اعترافٌ من الإنسان عريقٌ في القدم، استعمله الآراميون بقولهم: «بْشُمّا دآلاها»، للشروع بكلّ حركة يقومون بها؛ ذلك أنّ «بْشِمّا» تعني «باسم»، والدال هي أل التعريف بالآرامية، كما الـ«د» في«دَلْعونا» وتعني طلب العون، و«آلاها» تعني الله. وقد استعمل اليهودُ «إيل» في تسمية أولادهم.
هذه المظاهر تُنسبُ اليوم إلى الأديان كخصوصية، إلا أنها تنطق بتجربة روحية أصلها واحد.
مُقَوَّمات الفكر الخصيبي: استند الفكر الروحي القديم في الهلال الخصيب إلى ثلاثة مقومات: الخصب، الموت، والقيامة. فالخصب صفة إلهية: هي استمرار الحياة. والموت سكون مرفوض يناقض مفهوم الألوهية الذي يُقَدِّسُ الحركة والإنتاج: «فانظرِ الآنَ: كُلُّ شيءٍ على الأرضِ/ فَرِحٌ بِحَمدِ نينورتا ملك البلادِ/ أَنْتَجَتِ الحُقُولُ الغِلالَ الوفيرة/ وثَقلَت الكرومُ والبَساتينُ بالأَثْمارِ/ وكُدِّسَ المحصولُ في صوامع وتلال/ لقد أزالُ الربُّ الحِدادَ مِنَ البلادِ/ وأَسْعَدَ أَرواحَ الآلهة» (أسطورة نينوتا والتنين). والموتُ ليس إلا انتقالاً، بالتسامي، إلى حياة أخرى. واستمرَّ هذا المفهوم في الإنسان وعبادتِه لله في الفكر الإسلامي بفرعيه المسيحي والمحمدي. «ويُمكنُ القول إن الثابتَ العبادي الأكبر في الشرق الأدنى، قديمه وحديثه، هو عبادة البعل هدَّاد بصفة الإله الذي يموتُ ثمَّ يُبعثُ حيّاً» (مقدمة كتاب «بعل هدد» من تأليف حسني حداد وسليم مجاعص، ص:د). «ومفهومُ موت وقيامة الإله أكثرُ مفاهيم الفكر الديني ديمومة وانتشاراً، من بدايات الأعراف الدينية البدائية حتى عصرنا الحاضر». (المصدر نفسه، ص 93)، «بعلُ لم يَمُتْ، نُثِرَ في الحقول» (ملحمة بعل).
العهد القديم والعهد الجديد: في كتابه «مدينة الله أنطاكية العظمى»، يقول المؤرخ أسد رستم: «والكنيسة تتألف من عنصرين: إلهي وبشري، من الحقيقة الإلهية المعطاة لها ومن سعيها البشري لتنفيذ المشيئة. وقد يسهو البعض من أنَّ النعمة الإلهية لا تَقْسرُ الناسَ قَسْراً، وإنما تعملُ فيهم عَمَلَ النورِ في الهواء، فتَخْتَرِقُ نفوسهم لتعطيهم حرارةً وإشعاعاً. ونحنُ، أعضاءَ هذه الكنيسة الجامعة، بشرٌ، وكَبَشِرٍ نستبقُ التطوُّرَ أحياناً، فنلجأُ إلى الإكراهِ. وإكليروسنا قد يَسْتَكِنُّ أو يتحرَّكَ. فبينما يستكنّ الإكليروس الشرقي، في بعض الأحيانِ، يتحرَّكُ الغربي أحياناً إلى أن يُمسي متهجِّماً صلفاً. وهكذا فإنه نشأ على ممر العصور شيءٌ من الاختلاف في تطبيق العقائد الواحدة. ولم يخلُ حقلُ الربّ، في فرعَيه الغربي والشرقي، من الزؤان، من حب السيطرة والمجد الفارغ، ومن الطمع والحسد وسوء الظن والحقد، فكان انشقاق مؤلم مخيف». (ص: 22 من المقدمة). وهكذا، فإن مؤتمر أفسس عام 431 ميلادية لم ينعقد لخلافات عقائدية، وإنما لرغبة روما وأباطرتها في التسلط. وكلمة النساطرة، التي أطلقتها الكنيسة الغربية على كنيسة المشرق، كانت تحقيراً من أعدائهم الرومان في الكنيسة الغربية لحسدهم وغيرتهم من الكنيسة الشرقية الواسعة الانتشار، بينما الكنيسة الغربية لم تنتشر في أوروبا حتى القرن السابع، وفي روسيا حتى القرن الحادي عشر. فالكنيسة المشرقية سبقت نسطورس بأربعمئة سنة. و«مؤتمر أفسس» جاء لمحاكمة نسطورس لأنه انفصل عن كنيسة روما ولم يأتِ لمحاكمة الكنيسة المشرقية؛ نسطورس الذي كان أسقفاً على الكنيسة الغربية في القسطنطينية وأراد الانفصال عنها، والالتحاق بالكنيسة المشرقية، فالكنيسة المشرقية كانت قد استقرت على عقيدتها منذ قرون عديدة. («الكنيسة المشرقية»، للكاتب. جريدة «البناء»، 16 كانون الأول 2015).
استند الفكر الروحي القديم في الهلال الخصيب إلى ثلاثة مقومات: الخصب، الموت، والقيامة


ويتساءلُ المرءُ، اليوم، ما الذي حدا الكهنوت المسيحي إلى تبني الموسوية، كعهدٍ قديم لدعم العهد الجديد، وتجاهُلِ الحضارةِ السومرية ـ البابلية ـ الكنعانية، التي رفعتها الأرضُ المشرقية؟ «يقولُ لاهُوتيون إن الله لم يحصُر وحيَهُ باليهود فقط، بل هُوَ أظْهَرَ نُورَهُ للإنسانية كلِّها...» (كتاب «أوغاريت». نسيب وهيبة الخازن، ص 39). وقد اقْتُبِسَ الشيءُ الكثير من هذا التراث، ونُسِبَ، بتصرف، إلى الفكر الموسوي: و«ظلت التوراة ممثلة للآداب الساميّة، بينما ضاعت الآداب الساميّة الأخرى. وورث العلماءُ التسميات والتواريخ العبرية وحدها، إلى أن بدأت أبحاثهم تجلو الحقيقة منذ مئة عام فقط. وها هي منذ 1929 تُفَسّرُ لنا النصوصُ الكنعانية ـ الفونية، الوحيدة في دلالاتها وطولِ نَفَسِها، نصوصُ أوغاريت، تلك النصوصُ التي أبرَزَتْ لنا آداباً عريقةً سَبَقَتِ التوراةَ وجميع الآداب المتوسطية بقرون» («أوغاريت». نسيب وهيبة الخازن، 1961، ص 43-44).
كان بولس الرسول، مدعوماً من بَرْنَبَّا (برنباس)، يحارب مُعتَقَدَ النصرانيين (اليهود المُتَنَصِّرين) الداعي إلى الإيمان بالناموس والتوراة بالإضافة إلى الإنجيل، والمدعوم من بطرس وأخي المسيح يعقوب. واستطاع بولس الرسول أن ينتصر بحجته عليهم في مؤتمر القدس عام 44 ميلادية. «وهذا الذي تنظرون ـ حجارة الهيكل ـ ستأتي أيَّامٌ لا يُتركُ فيها منه حجرٌ على حجر إلّا يُنقَض. وينبغي أن يُكرَزَ أولاً بالإنجيلِ في كُلِّ الأممِ» (من إنجيل متّى، الإصحاح 24 : 2).
وما الذي حدا بعض الفقه الإسلامي، حديثاً، إلى تبني ثقافة الثأر والعنف البدويتين في ما سَمَّاهُ الغرب «الربيع العربي»؛ هذه الثقافة أدَّتْ إلى حروبٍ مُدَمِّرة في دويلات الهلال الخصيب، وقد بَشَّرَ بِها الحلف الصهيوني ـ الغربي، ولم يكن للإسلام علاقة بها؟
وما الذي حدا داودَ إلى تبني الشرع الموسوي، والثقافة الموسوية، وقد انحدرتا، الآن، عالمياً، إلى مجرد نظرةٍ صهيونية متغطرسة، ذات جذورٍ يهوهية، بدلاً من دين إبراهيم الخليل، ذلك البدويِّ الآرامي التائه، المشبعِ بالثقافة الخصيبية التي كانت تؤمن بـ«إيل» ـ الله، إلهاً واحداً، إله الرحمة والتسامح، وجميع الصفات التي حملتها أسماؤهُ الحسنى؟ إبراهيم (اسمُهُ بالآرامية «أب ـ رام»، أي الأب السامي أو الأب الأعلى) الذي جاء من «أور» إلى «حران» ثمَّ إلى أُورْ شْلِمْ (مدينة السلام) ليتبارك بكاهِنِ «إيل» الكنعاني ملكي صدق. الثقافة الموسوية تَخَلَّتْ عن الإله «إيل» وبَشَّرَت بالإله «يهوه»، إلهِ القبائل في سيناء بسبب ارتباطاتٍ اجتماعية في هذه الصحراء، وأغلب أسمائهم الثانية انتهت بالثلاثي «إيل» كـ«عمَّنوئيل» و«شموئيل» أو «صاموئيل» بالإنجليزي أو إسماعيل بالعربية، و«ميخائيل» و«دانئيل» وغيرها. وكذلك بَدَأَ الاسم الأول، والمثال ابن داود «بعل-يَدَعْ» أي الله يعلم او أعلم. وعند البحث عن هذه الأسماء في «Google» يأتيك الجواب أنها عبرية؛ وهي ليست كذلك، لا بل هي آرامية. فـ«إيل» تعني الله. وحين كان المسيحُ يُسْلِمُ الروح على الصليب، لم ينادِ يهوه، لا بل هتف بالآرامية متسائلاً: «إيل... إيل لمانا شْوَقْتني؟» أي إلهي... إلهي لماذا تركتني؟ وعَمَّنوئيل هي «عمَّن-إيل» أي الله معنا، وشموئيل هي «شِمَّا-إيل» أي اسم الله، ومخائيل هي «مَخْ-إيل» أي كمشيئة الله، و«دانيئيل» هي قضاء الله وغيرها...
على مدى التاريخ، وحتى قبل الكتابة والقراءة، عبَّرَ شعبنا عن معاناته وتجربته في الكون بقصصٍ تناقلها الناس من جيل إلى جيل. هذه القصص، التي نسميها اليوم أساطير، ما كانت إلا نتيجة خيال وتفسيرٍ لحوادث عقلية، جرت على مدى آلاف السنين. هذا الخيال عُبِّرَ عنهُ بأشعار رمزيةٍ ولكن متناسقة. هذا الشعر، كما الشعر الحديث، كلماتُهُ وجملُهُ لا تعني الظاهر والمكشوف، ولكنها تحملُ قوة رمزية إيحائية عميقة. نَظَرَ البعضُ إليها على أنها نتاجٌ فكريٌ أدبيٌّ، والبعض الآخر رآها تفسيراً روحانياً للكون. وبغياب الكتابة، نَظَرَ البعضُ الآخر إليها على أنها تأريخٌ لحوادث جرت على مدى الزمن المتسارع، تناقلتها الأجيالُ من واحدٍ إلى آخرٍ. فالكلمة العربية ـ الأسطورة قد تكون منقولةً عن الكلمة اليونانية «Historia». إلّا أن أغلبية علماء الآثار يعتقدون بأنها إيحاءات تولَّدَتْ من نظرة الإنسان إلى تغيرات الطبيعة والكون، ولا يمكن فصلها عن بيئتها التي نشأت فيها.
من الشعوب التي راقبت حركة الطبيعة شعبُ الهلال الخصيب. فقد راقب الرياح وحركة الشمس والقمر، وتوالي الفصول، ومجاري الأنهار، وصخب البحار، وهطول الأمطار، وتحركات السحاب، واندلاع البرق والرعد والصواعق، وتغير وجه الأرض بفعل الخصب، إلى آخر حركة من حركات الطبيعة. هذا الاهتمام انعكس على معتقداته. فالإنسان، هنا، حاول التفاعلَ مع هذه الحركات، وتفسيرَها، والبحثَ عن كنهها وإيجادَ مسوِّغٍ لها. وأخيراً حاول التحكُّمَ بأمرها، لتسخيرها في خدمته وفي حمايته. إلا أنه كثيراً ما اصطدم بعجزه عن التحكُّم بكُلِّ واحدةٍ منها، فعمَدَ إلى الاعتقاد أن وراءَها قوةً روحيةً خالقةً وخارقة، ليس في إمكانه السيطرة عليها، وأعطى هذه القوة صفةً إلهية. وهكذا، فقد كان هناك إله للقمر، وآخرُ للشمس، وآخرُ للمطر. وكذلك نسب الرعد والبرق والخصب إلخ... إلى أَربابٍ أُخر. ولا يزال شعبنا إلى اليوم يطلق اسمَ «أرض بعل» على الأرضِ التي يرويها المطرُ فقط. وهكذا ظهرت الآلهة المتعددة في تجربته الروحية، إلى أن وصل إلى قناعةٍ بأن هناك قوةً واحدة تتجلّى في حركة الإنسان الحيِّ وفي حركات الطبيعة، هي قوة الله الواحد. وهكذا ظهر الدين. «فلا بدّ إذن من وجود قوى خارقة تقفُ وراء المظاهرِ المتبدّية لهذا العالم، قوى إلهية، مفارقة لهُ، فَعّالة فيه. ولا بدَّ أن يكون الكونُ تَبَدِّياً مادياً لتلك الطاقات الإلهية، ومظهراً لفعّاليتها وقواها المستمرة. وبذلك ابتدأتْ مرحلةٌ جديدةٌ تتميَّزُ بالتقرُّبِ لتلك القوى واجتذاب عطفها، ومحاولة تفهُّمِ رغائِبِها وآلية فعلها وشروطها، فظهرَ الدينُ». (مغامرة العقل الأولى. الطبعة السادسة. ص 13).
البيت: التجربة الروحية الواحدة تَجَلَّت في شيوعِ بعض الكلمات التي ما زالت تعيشُ معنا بحروفها ومغزاها ككلمة الـ«بيت». يروي أنطوني شديد في كتابه: House of Stone. Antony Shadid.
بأنه سَمِعَ جدَّتَه، المهاجرة من مرجعيون إلى ولاية أوكلاهوما، تتحدَّثُ عن «بيتنا بِمَرْجعيون»، وتردِّدها مراتٍ كثيرة. هذا الحنينُ والشوقُ إلى البيت، أَّثَّرَ فيه، وحداه إلى السفرِ إلى مرجعيون والمكوث فيها لمدة ستة أشهر كي يعيد بناء بيت جدَّتِه. ولكن سرعان ما اكتشفَ، بعد إعادة بنائه، أن البيت الذي كانت تتذكَّرُهُ جِدَّتُه لم يكن المنزلَ ذا الجدران الأربعة، بل البيت بتراثه الأُسَري وذكرياته مع الأبناء والجدودِ والأحفاد، ومع زيارات الجيران، والأقارب والأصحاب، ومع حديقة المنزل وفيها شجرة الزيتون القديمة، ومع لقاءات الساحة أيَّام الأعيادِ والأعراسِ، ورنين أجراس الكنائس في أرجاء الضيعة. هذا المفهوم عن البيت سائدٌ بين الناس في المنطقة كلها إلى هذا اليوم بعيداً عن الطائفية. وهو تراثٌ أُوغاريتيّ؛ فكلمة «بِتَ» الأوغاريتية كانت تعني الأسرة بكل معانيها وارتباطاتها. وقد ارتبط هذا التراث الأسري، في أحيانٍ كثيرة، بفكرة أن المشيئة الإلهية قد انتَدَبتْ مؤسس الأسرة بمهمة الخصب. وكان هناك تسليم بأنَّ «هناك ارتباطاً بين وظيفة الملك الكهنوتية واشتراكهِ في بعثِ الخصبِ في الأرضِ، وجدبِ الأرضِ عندما يمرضُ أو يموت الملك... وأن قصيدة كِرِتْ تُرَتِّلُ ذكرى مؤسس الأسرة المالِكَةِ بالألوهة (أو مشيئتها). وكانت الأُسَرُ تعتمدُ مؤسسيها، وتَحملُ أسماءَهُم، ولا تزال إلى اليوم في المشرق وفي معظم العالم. ويتردد كثيراً بلهجاتنا العاميَّة: (بيت فلان) بمعنى أسرة فلان... وهذا ما يُدعى بالإنكليزية Dynasty . والمكتشفاتُ الحديثة في رأسِ شمرا أثبتَتْ أن الملوكَ في أواخر العصرِ البرونزِيِّ كانوا يستعملون خاتم أُسرَتِهِمْ». (كتاب أُوغاريت. نسيب وهيبه الخازن. ص64 و99).
يعود الفضل في الاكتشافات السومرية ـ البابلية ـ الكنعانية إلى الجهود التي بذلها علماء الآثار في جامعتي بنسيلفانيا وشيكاغو، وإلى بعثات الاكتشافات الأثرية الفرنسية والأوروبية، وذلك بتطوعها في التنقيب في الأماكن الأثرية في منطقة الهلال الخصيب. وكانت البعثات مؤلّفة من اختصاصيين في هذا المضمار، ومن أشهرهم صاموئيل كريمر.
في كتابه: «من ألواح سومر» المتُرجم إلى اللغة العربية بفضل عالم الآثار العراقيّ طَهَ باقر تقول الأسطورة: «في تلك الأزمان الأولى، لم يكن سوى المياه». في البدء كانت الإلهة «نمو»، وهي المياه التي انبثق منها كل شيء. والتوراة بعد حوالى ألفَي سنة من سومر ردَّدَتْ: «في البدء خلق الله السماوات والأرض وكانت الأرض خربة خالية وعلى وجه الغمر ظلمةٌ وروح الله يرُفُّ على وجه المياه» (سفر التكوين). وقد أوحى القرآن بذلك قائلاً: «وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشُهُ على الماء» (سورة هود). ثُمَّ يقول: «وخلقنا من الماء كُلَّ شيء حيّ» (سورة الأنبياء).
والأسطورة السومرية تقولُ بأن «نمو» انفصلت إلى نصفين: «آنو» إله السماء، الروح، و«كي» إلهة الأرض ـ المادة. والأمرُ تكرر مع الإله مردوخ في أسطورة «إينوما إيليش» البابلية حين شَطَرَ جسم الإلهة الأولى، المياه الأولى، «تعامة» إلى نصفين: النصف الأول رفعه إلى السماء (الروح)، والنصف الثاني بسطه أرضاً (المادة). والإسلام في قرآنِهِ يقول: «أولم يرَ الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما» ( سورة الأنبياء). لا ننسَ أن النبي محمد قريشي، وقبيلة قريش كانت شامية، من العرب المستعربة، كعرب تدمر وكعرب البتراء، نزحت إلى الحجاز، ولكنها بقيتْ شامية الثقافة والتجارة، وهي تعودُ إلى عدنان أحدِ أحفادِ إسماعيل. يُقالُ إنَّ النبيَّ كان أمِّياً، إلَّا أنَّ عبّاس محمود العقَّادَ فسَّر هذه الكلمة على أنها صفةٌ لمَن هو من غير أهل الكتابِ، أي من غيرِ اليهود: «فاليهودُ إذا قالوا كلمة الأمِّيينَ فإنما يعنون بها غير بني إسرائيل، ما في ذلك جدالٌ ولا محال». (مقالٌ للعقَّاد تحت عنوان «معنى كلمة الأمِّيين»). ومعروف الرصافي ومحمد عابد الجابري كانا من هذا الرأي. وإذا صحّ هذا التفسير، فالنبيّ لم يكن أمِّيًّا بالثقافة وبالرؤية: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)». وقد احْتَكَّ بالفكر الحضاري في الشام و تَمَلّكَ منهُ.
ويرجع الفضلُ لسومر في اتِّحاد الروح مع المادة لتفعيلِ كليهِما. فالكونُ كان ساكناً لا يتحرك حين وُجِدَ «آنو» ووُجدت «كي». وباتحادهما وُلِدتْ كلُّ عناصر الحياة (نبات، حيوان، إنسان). «أوَ لَمْ يروْا إلى الأرضِ كَمْ أنْبَتْنَا فيها من كُلِّ زَوْجٍ كَريم» (سورة الشعراء) و«سُبْحَانَ الذي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الأرضُ ومن أنفُسِهِمْ ومِمَّا لا يَعْلَمُون» (سورة يس). ثُمَّ «يا أيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرَاً وَنِسَاءً» (سورة النساء).
خلود الإنسان بإعادة الخلق. ملحمة جلجامش (اسمُهُ نمرود في التوراة) هي سومرية مشهورة انتقلت شفهياً من شعبٍ إلى شعب إلى أن اكتُشفت في المكتبة الآشورية. مغزاها أن الفرد (جلجامش) إنسان من روح ومادة لا يخلد بل يموت، وأن الحياة الأبدية هي للمجتمع الذي يستمرُّ من خلال الإخصاب وتوالي أجيالٍ جديدة (هذا ما مثَّلتهُ عشتار في الأسطورة). «وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الخُلْدَ أفَإِنْ مُتَّ فَهُمُ الخَالِدُوْنَ» (سورة الأنبياء). «تقولُ عشتار له: الحياة التي تنشد لن تجدها. لمّا خلق الآلهة البشرَ أفرزوا الموت للجنس البشري، وأبقوا الحياة في أيديهم». لوح من سومر يقول: «لقد مُنِحَتْ أور سلطاناً، ولكنها لم تُمنَح دواماً» (فراس السواح. الأسطورة والمعنى. ص 47).
مات جلجامش ولم يُخَلِّف احداً، وذهبت روحه حيث الآلهة، وحيث أوتنابيشتيم (نوح) الذي هو أيضاً روحٌ نَزَلَتْ في إنسان. أمّا عشتار (هيولى الخصوبة وروحها) فقد عاشت ولا تزال ما بقيت الخصوبة.

نشيد الأناشيد المنسوب إلى سليمان هو من تأليف شاعر من صور أنشده في عرس سليمان


المدرحية: الطوفان كان فيضاناً لدجلة والفرات أدَّى إلى دمارٍ شاملٍ، وإعادة البناء كانت مشيئة إلهية (كما صوَّرها السومريون). وخلاصُ البشر لن يحصل إلّا بإعادة خلق الحياة، وتمّ ذلك بحلولها في جسد أوتنابيشتيم (نوح). بينما تصرَّفتْ به التوراة على أن الطوفان عملية انتقام الآلهة من الإنسان بسبب أخطائِهِ؛ والخطيئة فكرةٌ موسويّة طغتْ على البَشَرِيَّة. كان هدف حلول الروح الإلهية في نوح وسيلةً مدرحية لإعادة التجدد في الإنسان. هذه الروح هي نفسها التي تمثَّلَت في وحيِ أنليل، وفي وَحيِ مردوخ: «وكما فَعَلَ في السماءِ، لِتَكُنْ كَذَلِكَ مشيئتُهُ عل الأرضِ/ فيَعْلَم البَشَرُ كَيفَ يَخشُونهُ/ ويكون حاضِراً في قلوبِهِمْ». (إينوما إيليش. اللوح السادس) وكذلكَ الأمرُ، في وَحيِ بعل، وفي وحيِ المسيح، وفي وَحيِ الرسولِ العربي، فروح الله (كلمته) في المسيحية نزلت إلى الإنسان عن طريق الملاك، وكذلك فعلت في المحمدية. فالكون كله قائمٌ على هذا التزاوج بين الروح والمادة: المدرحية. وهذا المفهوم، الذي نَحَتَه وقال به أنطون سعاده، مفهومٌ روحيٌّ سَلَّمَ به الإنسان أكثرَ من 5 آلاف سنة. «لا ينزل ربك من سماء. يخرج إلى الناس من قلبك لأن قلبك عرشه.../ إذا حلّ الله فيك تكون السماء نزلت على دنياك وصارت لك كل شيء/ الله لا يُصْعَدُ إليه. هو فيك أوَ ليس فيك؟» (المطران جورج خضر، جريدة «النهار»، 16).
أُوغاريت: في 28 آذار 1961، أصدر المؤرخ نسيب وهيبة الخازن، رحمه الله، كتابه «أوغاريت» (الكتاب نافد، ولديّ نسخة منه) قارن فيه نصوصاً من «كِرِتْ»، أي التوراة الكنعانية، مع نصوص من التوراة الموسوية، وبينهما أكثر من 18 قرناً، وبيَّنَ، استناداً إلى أبحاثِ فرنسية وغيرها، أنّ أغلب المفاهيم في كرت نقلها اليونان ونسخها الموسويون (H.E. Del Medico-La bible Cananeenne Decouvert dans les textes de Ras Shamra-Paris 1930).
هذه النصوص الأوغاريتية تُبَيِّن أن الإرث التوراتي منقولٌ، بتصرُّف، من الإرث الكنعاني الأوغاريتي. واستشهد الخازن بأبحاث علماء الآثار في أن ما نُسِبَ إلى موسى حول كُتُبِ الأنبياء والأسفار والمزامير والأمثال وأيوب ونشيد الأناشيد وراعوث والمراثي وإستير وعزرا ونحميا وأخبار الأيام لم يكن له (أي لموسى) أية علاقة به. وقد كُتِبَتْ في القرن الأول أو الثاني قبل الميلاد، أي بعدَ موسى بأكثَرَ من عشرة قرون. ثمّ إن سفر «الحِكْمَة» من معطيات كنعان، وليس من الملك سليمان كما نسبته التوراة. يقول نوجيرول في جريدة (L’Orient) لجورج نقاش قبل أن تبتاعَ امتيازَها «النهار» وتُصبح (L’Orient-Le Jour): «تُثبِتُ نصوص أوغاريت أن حِكَمَ سليمان كانت معروفة في سوريا قبل سليمان بثمانمئة سنة» (L’Orient: May 17, 1960).
ملحمة «كرت» (Keret) الكنعانية: اكْتُشِفَتْ في أوغاريت في منطقة رأس شمرا، من قِبَل البعثة الأثرية الفرنسية عام 1929. ورأس شمرا هي إحدى ضواحي اللاذقية اليوم. وأوغاريت هي إحدى المدن الكنعانية الأربع (جبيل، صيدا، صور، وأوغاريت). ومعنى كلمة أوغاريت هو «الحقل». والحقل شيء مقدس عند الأقوام الخصيبية، لأنه المكان الذي تَتَجدَّدُ الحياة فيه كلَّ سنة. فعملية إعادة الخلق مستمرَّة في الحقل، تبدأ بالبذرة وتتكاثر بالسنبلة. واسم القديس جاورجيوس يونانيٌّ في الأصل يعني الحارث، والحرثُ سُمُوٌّ في ارتباطِهِ بقداسة الحقل بمعناهُ التخصيبي. تقولُ الإلهة إنانا: «وأرضي متروكة بغيرِ حرثٍ... في حِضنِ الملِكِ ارتَفَعَ الأرزُ، ومن حولهما نما الزرعُ عالياً، من حولهما تَدافَعَ القَمْحُ سامقاً، وازدَهَرَ كُلُّ بستان». فمفهوم الإخصاب لم يكن عملاً جنسياً بحتاً، بل كان وسيلةً لاستمرارِ الحياة بإعادة خلقها. فالفكر السومري يقولُ بخلودِ البشرية عن طريقِ الإخصاب، وهو مفهومٌ ومُسلَّمٌ به في الحياة بأنواعها، ينطبِقُ على الحيوان وينطبِقُ على النبات.
يقولُ سعيد عقل، في المقدمة التي كتبها لكتاب الخازن:
«يكفي مكتشفات مدينتنا الكنعانية، المتناهية في القدم، تقويلها لاهوتيين كباراً إن الوحي الإلهي لم يكن مقصوراً على شعب العهد القديم». و«الوحدانية؟ تقولُ النصوص المكتشفة، لا لم تبقَ الوحدانية جديداً جاء به اليهود، وإنما كتبهم، كتبهم الخمسة الأولى المعروفة بـ«التوراة» والمنسوبة إلى موسى بالذات، اسْتُوْحِيَتْ من مؤلفات لنا سَبَقَتْ موسى هذا بسبعة قرون... والشعرُ الذي يفخرُ العبران بأنهم أئمة نبراته، ووهجه الأنيق، وتطلُّعِهِ إلى ما بعد الوجود، مما دُوِّنُ على اسم حوزية (Josiah بالآرامية: يوشِيّا او Yoshiyahu) وداود وسليمان وإرميا وحزقيال وأيوب، هو في أروع مقطوعاته مأخوذٌ من شُعرائنا، وفي جماعه مستوحى من نظرتنا إلى الحياة والكون». وتابع سعيد عقل متحدثاً عن هوميروس وأورب أخت قدموس ممّا لا يتّسع له ههنا المجال.
قال لي منصور الرحباني: «ما زالوا يحلمونَ بأرضِ الميعاد، وأرضُ الميعاد، في كتابِهم، هي الأرضُ التي كانت تُدعى أرضَ كنعان، وهي ليست فلسطين فقط، بل تشملُ سورية ولبنان.... بيِدِّعو حضارة، يا خيِّي ما هِنِّي سرقوا الحضارات. نشيد الأناشيد المنسوب لسليمان هو من تأليف شاعر من صور أنشدو في عرس سليمان. المزامير، يا مولانا، كل مزمور يحمل صفات بعل إله الكنعانيين... بعدين كل هالأسفار والنُبُوات جذورها بحضارتنا بجبيل وبرأس شمرا سرقوها ونسبوها إلون...» (الكاتب. مجلة «الحكيم». العدد:5-6. 1996).
وفي كتاب «أوغاريت» قارن الخازن نصوصاً من ملحمة كِرِتْ بنصوصٍ من التوراة، ورأَى أنها تتشابه بنصها، ولكنْ هناك تصرفٌ في نقلها. فـ«كِرِتْ» هو أيوب التوراتي. إلا أن قصة أيوب تدورُ حول التساؤلِ عن العدل الإلهي في عذابِ الصالحين (برأي الموسَويِّين) دونَ أن تبدو من خلاله العقيدة بالحياة الأبدية والثواب في عالمٍ آخر. «إذا رحبنا بالموت لأنه ينهي مصاعبنا أمرٌ ليس فيه جمال روحي. أن نرحب به إمكاناً لحياة جديدة هذا فيه سموّ... تصوُّرُ الموت قتَّالٌ إن لم يرافقه تصوُّرُ القيامة. فنحن لم نخلق للموت ولا نؤهل له. نكتسب الإيمان بالقيامة، فننتعش. هو وحده غالب للموت وللخوف من الموت» (المطران جورج خضر. جريدة النهار. 4 كانون الأول 2013). الفكرة التي آمنت بها الأديان السماوية، ومن ضمنها الكهنوت الخصيبيّ، هي إبرازُ «ما في معتقدات الساميين، من منطقٍ حيث إلهة التناسل (الخصب) تتألَّمُ للطوفانِ، بينما الخالقُ يهلكُ الناسَ (الفكر الموسوي)، وما في الروح الساميّة من التقرُّبِ والاختلاط الطبيعيّين بالآلهة، دون خضوعٍ أعمى، وطاعةٍ للقدر مستسلمة يائسة» (أوغاريت. الخازن. ص 29).
وكذلك فإن قصة انتشال الصبيّ سرجون الأول الأكادي من السلة، المطلية بالقار، على صفحة الفرات تكررت مع انتشال الصبي موسى من السلة المطلية بالقار على صفحة النيل. وعصور بابل العشرة التي سبقت الطوفان هي الأجيال العشرة المذكورة في التوراة (أوغاريت. الخازن. ص 24). وتمُّوز السومري هو مار جرجس عند المسيحيِّين، وهو الخضر عند المحمَّديِّين.
هذا بعض من معرفتي عن التجربة الروحية للإنسان في الهلال الخصيب. وهناك ما اكْتُشِفَ ولم يُتَرجم بعد، وهناك ما لا يزالُ مدفوناً في الأرض. وهناك الكثير الكثير الذي ليس هنا أي مجال للتوسع فيه، أقصدُ التجربة الروحية التي عمَّت كل المنطقة، والتي لم يعترف بها الكهنوت المسيحي ولا يزال، وفضَّل عليها الإرث الموسوي.
* كاتب وطبيب لبناني