في وطني
في وطن كوطني، على طالب العلم أن يذهب إلى الصين فيطلبه هناك، وعلى الراغب ببناء دولته أن يرحل عنها فيبني غيرها. هنا تُخرق القوانين في كل تفصيل في حياة شعبي، وأخرى تفصّل على قياس المسؤولين فيه. هنا لا توجد حكومة حتى يوم كانت قائمة، ومجلس نواب معطّل ورئاسة جمهورية حيادية حتى عن أبسط أمور البلاد وأهلها، رئيسها غارق بالتمديد تارة، وأخرى في منصب ما بعد الرئاسة.

في وطني كلّ شيء مسموح به. ما عدا العلم؛ لأنّ المطلوب أن نتحوّل جميعاً قطّاع طرق نأتمر بأمر زعيم فاسد أو نائب تاجر أو وزير.
من السذاجة أن نتساءل عمّا وصلنا إليه اليوم. فهذا حصاد عشر سنين من زرع الجهل، وقد يكون من الحماقة أن نتخيّل وطننا بعد عشر سنين جنّة على الأرض؛ لأنّ ما نزرعه اليوم سنحصده نار جهنّم ستحرق الشعب أوّلاً، ولا بدّ أن تحرق حكامه، ولو كانوا في بروج مشيّدة.
وإذا كانت الدولة في المفهوم العام هي المؤسسة الأكبر في المجتمع الإنساني والناظمة للحياة العامة، فإنّ السكان والسلطة هما العاملان المساعدان لظهور الدولة. وفي وطني السلطة مسلّطة على الشعب بدل أن تكون أداة لخدمته. أمّا السكّان، فما هم إلّا نتيجة للسلطة وقوانينها. وهكذا ندور من فاسد إلى ساكت. وممّا لا شكّ فيه، أنّ العلم والمعرفة هما الأداة الطبيعيّة لتطوّر الفكر البشري من خلال تراكم العلوم والمعرفة والتجارب، ومن الطبيعي أن يولي أيّ رئيس لأيّ بلد اهتماماً خاصاً للمستوى العلمي لأفراد شعبه، بل وأن يعمل على إلزاميّة التعليم حتّى مرحلة عليا ويعمل على تطبيقها في إجراء سيجعل من شعبه شعباً أفضل بعد عشر سنوات؛ لأنّ بالعلم والمعرفة نحارب الجهل ونواجه التطرّف ونحدّ من الجريمة. ولكن في وطني القانون يصدر موقّعاً من وزير التربية والتعليم العالي (المرسوم رقم 779/م/2013 تاريخ 1/7/2013)، يمر بمجلس الوزراء ويصدر في الجريدة الرسمية، وبرفسة قدم من رئيس الجامعة الدكتور عدنان السيّد حسين يرمي مئات الطلاب من حملة البكالوريا الفنيّة الذين سمح لهم بموجب القرار الجديد بمتابعة التعلم في الجامعات، بحجة عدم قانونيته، واعداً الطلاب بردّ على الوزارة من مستشاره للشؤون القانونيّة، غير آبه لحالهم ومستقبلهم. وللإشارة، فأنا أنتظر هذا القرار منذ عام 2008، وبعد صدوره، وبرفسة قدم أخرجنا السيّد حسين خارج أسوار الجامعة بحجّة أنّ وزارة التربية لم تنسّق معه، فأسفاً على وزير لا يلتزم قراراته، ورئيس جامعة وطنيّة لا يأبه لطلاب علم ومستقبلهم، ورئيس جمهوريّة يعتبر أن مستقبل لبنان ليس من اختصاصه.
علي محمد هارون