يخوضُ حفيد أبو يوسف النجّار الانتخابات التشريعيّة للكونغرس الأميركي عن منطقة سان دييغو في جنوب كاليفورنيا. اسم المرشّح الكامل (والرسمي) هو عمّار كامبا-نجّار، وكان عمّار قد غيّرَ اسمه رسميّاً في الصيف الماضي، مُضيفاً اسم عائلة أمّه في سابقة غير مألوفة (هنا أو هناك). وهو فعلَ ذلك للتخفيف من عربيّة اسمه وأصله. وقد أعلنَ أيضاً تغيير دينه واعتناق المسيحية. عمّار يفعل المستحيل كي يكسب صدقيّة أميركيّة (رجعيّة) للفوز في منطقة محافظة، معروفة بدعمها الشديد للقوّات المسلّحة بسبب وجود قواعد عسكريّة هناك. لكن اللوبي الصهيوني تنبّه مبكّراً لحملة عمّار، وشنّ عليه حملة شعواء، لأنه حفيد أبو يوسف. بات عمّار عنواناً لتسرّب الإرهاب (بالتعريف الأميركي-الصهيوني) إلى قلب الكونغرس، حسب الاتهامات الصهيونيّة. أكثر من ذلك، شنّعَ منافس النجّار الخلفيّة الإسلاميّة للمرشّح (المسيحي حاليّاً) واتهمه بالانضواء في مؤامرة إسلاميّة لنشر الشريعة في ربوع الوطن الأميركي. النجّار ردَّ مبكّراً بقوّة على الحملة عبر التنديد الشديد بجدّه والتنصّل منه ومن أبيه، والقول إنه لا يوافق على إجرام جدّه وإرهابه. واللوبي الصهيوني يذكّر الناخبين الأميركيّين في الدائرة الانتخابيّة بأن جدّه كان «مهندس» عمليّة ميونيخ في عام ١٩٧٢. وعمّار لا يردّ إلا بذمّ جدّه والتنصّل من والده، والحديث عن شدّة تأثّره بأمّه المكسيكيّة (هناك عدد وافر من الناخبين والناخبات من الأصول الأميركيّة الجنوبيّة في الدائرة).
لكن أبو يوسف النجّار لم تكن له علاقة البتّة بعمليّة ميونيخ أو بالعمل العسكري. خلفيّة أبو يوسف خلفيّة تربويّة وديبلوماسيّة. وتولّى قبل اغتياله في نيسان ١٩٧٣ في شارع فردان مهمّة العلاقة والتواصل بين الحكومة اللبنانيّة ومنظمة التحرير الفلسطينيّة. لكن «الموساد»، خلافاً لسمعتها بأنها على معرفة بكل ما يجري في العالم العربي، كانت جاهلة لحقيقة منظمة «أيلول الأسود»، واتهمت بها مَن لم يكن له علاقة بها. هي اتهمت أبو يوسف بالمسؤوليّة عن عمليّة ميونيخ من دون أن يكون للرجل أي ضلع فيها. لكن عمّار اكتفى بالتنديد بجدّه المرّة تلو المرّة وبرضوخ تام. وهو في برنامجه الانتخابي يؤيّد حق إسرائيل في الوجود والأمان، وفي (لا) حل الدولتيْن. وهو لا يخالف الوجهة الصهيونيّة للحزب الديموقراطي.
هناك جيل جديد من المرشحين العرب والمسلمين (وحتى الاشتراكيّين من غير الأصول العربيّة) الذين يحاولون الانخراط في العمل السياسي الديموقراطي. لكن هؤلاء لا يحيدون عن صهيونيّة الحزب الديموقراطي. إن التغيير الجذري والحقيقي (والمناهض للصهيونيّة) مستحيل في إطار الحزبيْن النافذيْن هنا. وصلني قبل أيّام من عمّار ردّ على بريدي الخاص على تويتر، طالباً التحادث معي. طلب بودّ أن أزيل عن فايسبوك وتويتر ما كتبتُه عنه (أو ضدّه بالأحرى). أوضحتُ له أن ذلك لن يحدث، وأنني مسؤول عن كل كلمة كتبتها ضدّه. شرحتُ له الأكاذيب التي نشرها الصهاينة عن جدّه، وأنه بدلاً من التنديد بالإرهابيّين الذين قتلوا جدّه في سريره، بات يمارس طقس ذمّ جدّه صبح مساء. زعم أنه لم يكن يدري ذلك. سألتُه إذا كان يريدني أن أقول ذلك بالنيابة عنه في العلن. تحجّج بأنه لا يستطيع أن يقول أي شيء قبل الانتخابات في مطلع شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وأن كلامه قد يطيح فرص نجاحه. شرحتُ له موقفي من ذلك. قال إنه يريد الفوز وإنه عند ذلك سيجعلنا نحن العرب نفخر به. أشكّك في ذلك كثيراً، وأرى أن العربي في الكونغرس الأميركي لن يؤثّر بمجريات الحياة السياسيّة الأميركيّة، ولا أتوقّع منه كلاماً ناريّاً ضد الصهيونيّة لو وصل إلى الكونغرس. هذه هي أميركا عندما يحاول عربي أن يخترق مواقع القرار فيها.