هل صحيح «كلنا محمد الشعار»
في حضرة الموت يتغير لوننا والبعض يطأطئ رأسه إحتراماً و إجلالاً. أما في هذا الزمن حيث صور الموتى في كل مكان على الجدران ورؤوسهم مرفوعة بأيادي البعض، لم يعد يعنينا الموضوع والمشهد، بل نكتفي بقول «حرام». كلما ذكرنا موت او إستشهاد أحد، نعزي بعضنا لساعات ونكمل حياتنا كأن شيئاً لم يحدث. تغيرت الحياة ام تغيرنا؟ غادرت قلوبنا المحبة وروحنا الأخوة، ندّعي الشراكة واليد الممدودة وأيادينا مغلولة الى أعناقنا قد قتلنا الحقد والجهل. نعترف نحن همج رعاع، نصفق في كل حين لمن سرق أحلامنا ودمر أمالنا.

أما أنت يا محمد فلا زلت في ربيع عمرك لم تبلغ الحلم. نقاء قلبك لم يصل الى خباثة قلوبهم. لم تهتم يوما لهم ولكلامهم وحقدهم البعيد عن طموحاتك. كان يوم الجمعة، يوماً جميلاً ودافئاً. خرجت أنت وأصحابك كما الكثيرين. جلست في مكان كان يجب أن يكون آمنا. لم تكن تعلم أن الموت ينظر اليك، ليخطف تلك الإبتسامة. ولكن شكراً للموت الذي سمح لك أن تترك ذكرى لأهلك ولأصحابك و انت تقول وداعاً. اختارك الموت عن بقية أصحابك. سقط جسدك وبقيت روحك حيّة وموجودة في قلوب الملايين. إنتشرت صورتك الأخيرة على مواقع التواصل الإجتماعي وتضامن الكثيرون من حول العالم، ليس لأنك سني كما يحاول البعض أن يصور المشهد، بل لأنك شاب لبناني شهيد ومظلوم تمثل الشباب اللبناني بمختلف أطيافه. كنا ننتظر يوم تشييعك لنبرهن للمجرمين أننا يد واحدة في وجه الغدر. كنا نريد أن نرفع العلم اللبناني فقط ونقف صفاً واحداً فوق جسدك لنشكرك لأنك وحدتنا وأيقظتنا من غفلتنا. ولكن عذراً. قتلناك مرة ثانية. لم نذرف الدموع الا لإلتقاط بعض الصور، شعار الوحدة تحول شعاراً طائفياً. وكل ما قيل كان مجرد شعارات كاذبة. صورتك الجميلة والشعر والنثر الذي قيل بحقك، أحرقته لحظة معصية حيث يعبد الله. لم يستطع أبوك أن يبكيك بصمت وأن يضمك الى صدره في الوداع الأخير، كأني به أراد أن يأخذك بعيداً الى مكان يستطيع أن يتكلم معك بهدوء ويخبرك عن شوقه وحبه. لم يتسن للأب المفجوع أن يودع ولده البكر ولم يستطع أن يصرخ بأعلى صوته في وجوههم الكاذبة. لم تُحترم الكرامات والأموات والآهات ولم يُحترم المكان والقرآن والأذان. فعلا صراخ البعض بالشعارات المهينة. لم يعد المكان مسجداً، بل أصبح مكاناً لبث الفتنة التي قالوا عنها نائمة بل هي مستيقظة وهم غافلون. إبتعد أصدقاؤك و أحبابك وبقي بعض الذين إدعوا حبك وهم كاذبون. يا محمد في هذا البلد حتى الموت يقتل وينتهك. أخرجوك سريعاً من هناك. هربت منهم وكأنه طلبك أنت، لترقد في مثواك الأخير تحت التراب بعيداً عنهم.
علاء بشير