ليس غريباً على حكومة البحرين أن ترغب باستضافة اجتماع الفيفا بمشاركة إسرائيل وتجاهل ردود فعل الشارع المثخن بجراحه وآلامه. فمن المعروف أن بعض الدول الخليجية سبق أن بدأت مسيرة التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب منذ فترة طويلة، بدأت مع مرحلة التطبيع الدبلوماسي وصولاً إلى التعاون الأمني والاقتصادي، وسبق لها أن أنهت مقاطعتها للبضائع الإسرائيلية وتبادلت الزيارات في ما بينها بشكل علني. حينها، أغلقت البحرين مكتب المقاطعة (أيار/ مايو 2006) قبيل تصديق الكونغرس على اتفاق التجارة الحرة، وتم تعيين يهودية كسفيرة للبحرين في الولايات المتحدة بمرسوم ملكي (يوليو/ تموز 2008 حتى 2013).
الموقف الشعبي في البحرين واضح للعلن برفضه الشديد واستنكاره لكل أشكال التطبيع مع الكيان الصهويني. وردود فعل الشارع البحريني السابقة تفاوتت بين التصريحات وبيانات المؤسسات الدينية والجمعيات السياسية والأهلية وجمعية مقاومة التطبيع، بالإضافة إلى تصريحات نواب البرلمان وخطب الجمعة السياسية الذين رفضوا التطبيع مع الكيان الصهيوني بكافة أشكاله والمتضمنة إقامة علاقات اقتصادية وتجارية.
ومن الملاحظ أن رفع الحظر عن البضائع الإسرائيلية وتطبيع العلاقات مع الدولة العبرية، جاء بشكل مباشر من قبل المفاوضين الأميركيين وبعض جماعات الضغط السياسي الأميركية التي تعاطفت مع إسرائيل خلال محادثات تصديق اتفاقية التجارة الحرة سابقاً (وقعت الاتفاقية في 14 أيلول/ سبتمبر 2004، ودخلت حيز التنفيذ في 1 آب/ أغسطس 2006). فيما أبررت وزارة الخارجية البحرينية القرار حينذاك بكونه أحد شروط اتفاقية التجارة الحرة مع واشنطن، ونفت نية المنامة إقامة علاقات مع تل أبيب. فيما أكدت كتل نيابية بحرينية سابقاً وجود تحركات جادة لمنع دخول البضائع الصهيونية للأسواق البحرينية على الرغم من تصريحات صادرة من وزير الخارجية السابق المشيرة لإمكانية حدوث ذلك.
وبالطبع قرار التطبيع مع إسرائيل بكافة أشكاله لم ترجع فيه حكومة البحرين إلى أية جهة أهلية أو سياسية، ولم يستشر بالقرار مع المجلس التشريعي ومؤسسات المجتمع المدني كالجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني في ما يتعلق بالقرارات الاستراتيجية، خصوصاً أن قرار مقاطعة إسرائيل كان قد أُقر سابقاً في مؤتمرات القمة العربية. وبالتالي تجاهلت البحرين ردود فعل الشارع بكل قواه السياسية والدينية، الذي اعتبر القرار الحكومي إهانة كبيرة لكافة فئات الشعب البحريني وضربة قوية لأبناء شعبنا الفلسطيني الذي يرزح تحت نير الاحتلال ويتعرض لأبشع أنواع حروب الإبادة الجماعية وبدعم غير محدود من الإدارة الأميركية.
خطوات التطبيع تحديداً في البحرين بدأت في سياق الاندفاع العربي نحو التطبيع مع إسرائيل، وهو الاندفاع الذي بدأ بعد الانسحاب الصهيوني الأخير من قطاع غزة ومستوطنات شمال الضفة الغربية، وكان من بواكير مظاهرِه اللقاء الذي تمَّ في مدينة إسطنبول التركية بين وزيرَي الخارجية الباكستاني خورشيد قصوري والصهيوني سيلفان شالوم (سبتمبر 2005)، ثم أعقبته خطواتٌ مماثلةٌ من الإندونيسيين والقطريين.
وقد كشفت الصحف العربية والأجنبية وحتى الصحف العبرية حينذاك، أن عملية التطبيع مع إسرائيل هي عملية تجرى على وتيرة منظمة مخططٌ لها بدأت أول فصولها العلنية في كانون الثاني/ يناير 2000 بالمنتدى الاقتصادي العالمي الذي عقد في دافوس في سويسرا. حينها، سعى الإسرائيليون للاستفادة من المنتدى بتسريع عملية التطبيع، مستفيدين من وجود عدد كبير من قادة العالم للضغط على الوفود العربية. وتم عقد أول لقاء ثنائي رفيع المستوى بين البحرين وإسرائيل، تمثل في لقاء ولي عهد البحرين القائد العام لقوة الدفاع الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة مع وزير التعاون الإقليمي في إسرائيل شيمون بيريز... ويعدّ هذا الاجتماع هو أول اتصال رسمي إسرائيلي ــ بحريني منذ تعليق المفاوضات المتعددة الأطراف عام 1996 حول التعاون الإقليمي التي تجرى في إطار عملية السلام. علماً بأن مجرم الحرب شيمون بيريز قد قام بزيارة سابقة إلى كل من سلطنة عمان وقطر في 1995 برفقة رئيس الوزراء آنذاك إسحق رابين.
مصادر دبلوماسية مطلعة ذكرت لصحيفة «المنار» الفلسطينية ومركز الإعلام الفلسطيني قبل سنوات أن الاتصالات بين البحرين وإسرائيل وصلت إلى مرحلة متقدمة وأن المنامة شهدت لقاءات سرية عدة بين مسؤولين إسرائيليين، كان آخرها لقاء عقد سراً في العاصمة الإيطالية بين نجل ملك البحرين واثنين من مستشاري الملك وبين شخصيات إسرائيلية بينها مدير أحد الوزارات وعضو في طاقم اتصالات مع دول عربية وإسلامية بحضور مسؤول مؤسسة أمنية إسرائيلية. وتكشف الصحيفة أن الاتصالات المتقدمة بين البحرين وإسرائيل تمت تحت ادعاءات مساعدة الفلسطينيين والمشاركة والمساهمة في إعمار قطاع غزة، وأن هناك زيارة سرية قام بها وزير الخارجية البحريني إلى تل أبيب.
هذا ما يقوله أشقاؤنا العرب بحذر، ولكن ماذا عن الأنباء الرسمية التي تكشفها صحافة العدو؟
الصحف الإسرائيلية مثل «يديعوت أحرونوت» وصحيفة «هآرتس»، نشرت معلومات حول الاتصالات بين إسرائيل والدول العربية والإسلامية، وادعت أن كلاً من أندونيسيا والإمارات العربية المتحدة وتونس والمغرب وليبيا وسلطنة عمان وقطر والبحرين واليمن وتشاد، بدأت اتصالات مع إسرائيل منذ سنوات، وتبادلت زيارات عدة بينها لتفعيل مكاتب لتبادل المصالح. التطبيع كان حاضراً في صحف العدو الصهيوني. فبعد إعلان البحرين الاتجاه إلى تخفيف الحظر المفروض على الشركات الصهيونية، فقد ورد تقريرٌ في جريدة «هآرتس» بخصوص رسالة بحرينية نقلها الأمير أحمد بن محمد آل خليفة إلى الممثل التجاري الأميركي في البحرين تؤكد أن المملكة البحرينية ستَرفع الحظر من الدرجة الأولى المفروض على الكيان الصهيوني، مما يعني رفع الحظر عن الشركات الصهيونية، في مخالفةٍ لقرار جامعة الدول العربية، الذي أعلنته في الستينيات بحظر التعامل مع الصهاينة على ثلاث مستويات: أولها مع الشركات الصهيونية، والثاني مع الشركات التي لها أعمال في الكيان الصهيوني، وثالثها مع الشركات التي تتعامل مع شركات صهيونية.
لذلك لم تكن مفاجأة لأحد أن يعلن وزير الخارجية الإسرائيلي، سيلفان شالوم، من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر 2005 أنه «تشرف بلقاء أكثر من عشرة من زملائه وزراء الخارجية من العالم العربي والإسلامي، ويدعو قادة الدول العربية والإسلامية إلى إعلان اتصالاتهم المتزايدة مع إسرائيل «على الملأ»! واللافت – وما أكده شالوم – هو التركيز على دول الخليج كهدف اقتصادي إسرائيلي قديم للاستفادة من أسواقها في تعظيم شأن الصناعة الإسرائيلية وضمان عوائد دولارية ضخمة من وراء التعامل مع هذه المنطقة المشهورة بالطابع الاستهلاكي. حيث تتفاوت ثروات دول الخليج العربية بين تريليون دولار وثلاثة تريليونات دولار، وبلغ مجموع الثروات العربية في البنوك الخليجية تقديراً 2000 مليار دولار. ويدرك الإسرائيليون أن الدعم المالي لأي مواجهة أو حرب أو مقاومة لاحتلالهم للمنطقة العربية يأتي بالدرجة الأولى من منطقة الخليج الغنية، وأن البترول العربي لعب دوراً في حروب 1973، ويلعب دوراً أخطر في الوقت الراهن، مع ارتفاع أسعار النفط، كما يسعون للحصول على احتياجاتهم البترولية ومن الغاز الطبيعي من هذه المنطقة، بل ولم لا يشاركون في مشاريع استخراج النفط الخليجي.
وقد كشفت تقارير صحافية عن زيارة وصفت بالسرية، قام بها وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن حمد الخليفة، لمقر حركة «حباد» الدينية اليهودية في واشنطن التي يصنفها البعض على أنها صهيونية، وبحضور سفيرة البحرين اليهودية هدى عزرا نونو. وشارك في اللقاء مجموعة من كبار ممثلي اللوبي اليهودي وأعضاء بارزون من منظمة «إيباك» واللجنة اليهودية الأميركية ومنظمة «بني بريت»، بالإضافة إلى مندوب عن اللجنة الأميركية اليهودية لمكافحة التشهير وشخصيات يهودية ذات مستوى رفيع في واشنطن.
كما كشف موقع «ويكيليكس» عن محاولات وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن حمد ال خليفة، لقاء رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، وذلك بعد تسلمه الحكومة الإسرائيلية في محاوله لدفع عملية السلام في المنطقة. وبحسب ما نشرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، فإنه خلال السنوات الأخيرة أقامت البحرين علاقات سرية مع إسرائيل، والتقى مسؤولين من البحرين مع إسرائيليين لأكثر من مرة في دول أوروبية أو على هامش اجتماعات لأمم المتحدة، كذلك فقد أسند ملك البحرين لليهودية البحرينية هدى نونو منصب سفيرة البحرين في الولايات المتحدة. وأوضحت «هآرتس» أن بداية فتح العلاقات البحرينية الإسرائيلية تعود إلى شهر تشرين الأول عام 2007، حين التقى وزير خارجية البحرين مع المنظمات اليهودية الأميركية.

كشف موقع «ويكيليكس» عن محاولات وزير الخارجية لقاء نتنياهو

والمثير في الأمر، هو قيام وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة بلقاء مسؤولين إسرائيليين كبار في واشنطن بعد اندلاع ثورة «14 فبراير»، بهدف مناقشة الأوضاع المتعلقة بالبحرين والاستفادة بأية أفكار للقضاء على المعارضة وكيفية إفشال الثورة. وأعقبه عقد لقاء سري مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حسب ما ذكرته الصحيفتان الإسرائيليتان «هآرتس» و«يديعوت أحرونوت» في 27 آذار/ مارس 2011.
ولعل من غرائب الأمور وعجائبها أن تعلن وزارة الخارجية البحرينية على موقعها عبر الإنترنت (قبل حذفه) عن أهداف السياسة الخارجية لمملكة البحرين. ومن بينها: دعم القضايا العادلة للأمة العربية والإسلامية وفي مقدمتها قضية فلسطين والقدس الشريف. ولكن الوزير البحريني يناقض نفسه عندما يصرح بأن «مثل هذا الحديث تطلقه بعض الأوساط كبالون اختبار»، وتقوم حكومته بإغلاق مكتب مقاطعة إسرائيل، وتصدر مؤسسة النقد قراراً بمنع البنك العربي من تحويل المساعدات لفلسطين، ويقوم المسؤولين بلقاء ممثلي الكيان الصهيوني علناً، والتمهيد لتطبيع سياسي واقتصادي علني بشكل يتحدى مشاعر العرب وعقيدة المسلمين. ويقوم وفد بحريني بزيارة رسمية لإسرائيل لأول مرة من أجل تسلم خمسة بحرينيين احتجزوا على متن سفينة روح الإنسانية التي كانت متجهة إلى غزة 2009.
ختاماً علينا أن لا ننسى نضال الشعب البحريني في أصعب المراحل التاريخية حيث تمت مصادرة حريته وحقوقه الدستورية ولا زال يصارع من أجل البقاء ورسم طريق الحرية، ولا ننسى وقوفه مع حركات التحرر العربي والعالمي وتأييده لجبهات المقاومة الوطنية والإسلامية ضد الكيان الصهيوني، ومشاركة بعض شبابه الشهداء في حروب التحرير ضد إسرائيل الغاصبة، ولا ننسى أيضاً قربانه للأقصى والقدس الشهيد محمد جمعة الشاخوري الذي سقط أثناء تظاهرة أمام السفارة الأميركية في 5 نيسان/ أبريل 2002. فهذا الشعب الذي عرف عنه مواقفه الشجاعة ودعمه غير المحدود لحركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية لن يتراجع عن موقفه برفض كافة أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني. إنها دعوة لعدم التنازل عن الثوابت الأصيلة للشعب العربي المسلم، والإيمان حقاً ويقيناً أن الطريق إلى القدس يبدأ بتحرير أنفسنا من الخوف والوقوف مع الأحرار في فلسطين ولبنان وسوريا ومصر وتونس والجزائر واليمن، وامتلاك شجاعة الكلمة أن نقول لحكامنا «كفاية ظلم»، وشجاعة الموقف الحر لاسترجاع الأراضي المحتلة وتحرير القدس وهو قريب.

*إعلامي بحريني