ظهرت في عام 2013 دراسات من مراكز إقليمية ودولية، حول الحرب في سوريا والأوضاع السياسية والجيواستراتيجية، وركّزت حينها على نشوب حرب الغاز، وعلى وجه الخصوص الحقول المكتشفة... بل الأبعد من ذلك والأخطر، هو الصراع على الأرض السورية لمرور الأنابيب عبرها. تلك الدراسة جاءت بعد عامين على بداية الحرب، حينها كانت أيضاً قد بدأت شلالات الدم تنسكب في أنابيب الغاز التي لا تشبع، وطحنت الحرب معظم الشعب بكافة انتماءاته وأطيافه، وذلك في سبيل حرب إقليمية دولية... ربما حول الغاز أو الجغرافيا أو أيّاً يكن السبب، فوجد زعماء العالم في سوريا، أرضاً خصبة للنزاعات والصراعات.
بعد أن تعدّت الحرب العام 2013، وفي كلام واقعي لا «إعلامي»، وبعكس ما يوحي الناس، لم تعد الاصطفافات السياسية ذات معنى بالنسبة إلى الشعب السوري، إذ أصبحت الحرب في مكان محاربة السوري للفقر وهروبه الدائم باتجاه الحياة، على الرغم من رائحة الموت التي استقرت في تلافيف دماغ كل من يحمل الجنسية السورية. لذلك لم يعد يتقبل من يهرب من الفقر والموت بشكل يومي ودائم، أن يقف ليستمع إلى مآل الحرب، أو من سيظفر بآبار الغاز وأنابيبها، أو ما هو البعد السياسي والاستراتيجي لكل أطراف النزاع، أو من هي الأطراف المسؤولة مباشرة عن مطحنة الحرب السورية. يريد فقط أن تنتهي الحرب، ولو أتت طيور «الأنابيب» وفجرت آبار وأنابيب الغاز.
ولو كانت موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية عادلة، لكان السوري ملأ صفحات الكتاب بضربه أرقاماً، ليس في أطول «سندويشة» فلافل، بل بأكبر عدد سكان بلد في العالم ينالون دكتوراه الصبر من الدرجة الممتازة، وذلك من خلال الدراما التي يعيشها السوري يومياً حتى يستطيع نزع التهمة عنه بأنه «قاتل»، أو لتوفير قوته اليومي، وأرقام أخرى لا تتسع سطور لذكرها، ولكنها أصبحت معروفة على مستوى العالم (بالإمكان كتابة #سوريا #سوري على مواقع التواصل الاجتماعي، وسيحصل أي قارئ على نتائج مبهرة من الأرقام القياسية).
العدل هو «أساس» ما تدعو إليه قوانين الأمم المتحدة «ومنتفعاتها» من المنظمات الحقوقية التي تنادي وتشحذ باسم أشلاء أطفال سوريا وجثثهم، لذلك يجب رفع دعوى لدفع تعويضات لجميع من يحمل الجنسية السورية. فالسوري هو الوحيد الذي استطاع «مجبراً» التصدي لشهوات الدول الإقليمية والدولية، وللحروب السياسية والدينية والطائفية والاقتصادية وتجارة الأسلحة والمخدرات والبشر، على مدى خمس سنوات ونصف سنة.
كذلك إن الشعب السوري، هو الشعب الوحيد الذي ملأ أنابيب الغاز (مستقبل الشرق الأوسط والعالم) بدمائه، لذلك يجب فصل الغاز عن الدم وإيقاف الحرب، وعلى الأمم المتحدة اقتناص اللحظة التاريخية لإنهاء الحرب وتوزيع الحصص على ملوك الأقاليم والعالم. أما الشعب السوري، فيجب أن يحصل على حق الحياة المذكور في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة في الفقرة الثالة، والذي يقول:
«لكل فرد الحق في الحياة».
لكن على ما يبدو، ووفق التسويات الأميركية ــ الروسية، والهدنات وخروقاتها، وتعدد «الجنيف» والموت واحد، وعوامل عديدة لا يمكن المواطن السوري البسيط استيعابها جميعاً، يجب وفقاً للتاريخ والجغرافيا والسياسة والأدب والفكر، ووفقاً لكل القوانين الدينية «ربما»، يجب أن تتجه لتسمية الشعب السوري «شعب الله المختار للجحيم»... وذلك أنه الشعب الوحيد الذي عاش في جهنم قبل أن يموت!
* صحافي وكاتب سوري