نهب المال العام بأية صورة أو أي أسلوب هو فساد مخزٍ، وهو خرق للقانون وانتهاك لقواعده وإساءة احترام لمبادئه وللمجتمع العراقي. ويتطلب الإسراع في المحاسبة والمحاكمة من دون خضوع أو ارتهان للمحاصصة والتقسيمات والمساومات و«بوس اللحى» وإهدار الثروات، وبالتالي السماح للمجرمين بالإفلات من العقاب الواجب حسب الجرم والسلوك.
شغلت الجرأة والاتهامات الرأي العام وتناولتها وسائل الإعلام والتواصل ورددتها بيانات سياسية متسرعة تفضح بعضها ما تحت سطورها والجهات الضالعة والمتسترة على جرائم الفساد والنهب والارتكاب. ولا بد هنا من التحلي بالجرأة ذاتها أو بالأقوى منها في فتح كل الملفات في هذه القضايا، إذ إن مكافحتها تتوازى مع حرب الشعب العراقي ضد الإرهاب والتعدي على الأرض والعرض والدين.
وكما تمكنت القوى الأمنية بكل مكوناتها، من جيش وشرطة و«حشد شعبي»، من تحقيق انتصارات واضحة وبينة، فإن هذه الفرصة الجديدة التي أتاحها استجواب وزير الدفاع وما طرحه فيه وما أحدثه، وهو قطرة من بحر الفساد والإفساد والاستهانة بالثروات والقيم والشعب، تتطلب تأكيدها والإسراع في المحاكمة وتفعيل القضاء وضرب المتورطين. فالفساد والإرهاب، والفاسدون والإرهابيون، متشابهون ومشتركون سوية في الخراب العام والدمار المشترك وتوسيع النهب والتخلف والفقر وتشويه أو تعطيل التنمية والحقوق والمشترك الإنساني.
ما إن انتهى استجواب وزير الدفاع، حتى بدأت القوى السياسية ــ ولا سيما المشتركة في عمليات الفساد والارتكاب والمساومات والتخادع مع «داعش» والقوى الداعمة له ــ بالتحرك على جميع الجبهات، وخصوصاً الإعلامية، لتشويه القضية الحقيقية ومحاولات صرف النظر عنها أو العمل على تبهيتها والإيعاز إلى مرتزقتها من وسائل إعلام ومحللين سياسيين وغيرهم، بإنجاز المتطلب منهم في هذه القضية وغيرها، كما سجلت أحداث وقضايا أخرى سابقة.
نهب المال العام
بأيّ صورة أو أيّ أسلوب
هو فساد مخزٍ
ما يثير الانتباه هو التناقض في مواقف «اتحاد القوى العراقية»، (وهو أكبر ائتلاف للكتل السنية في مجلس النواب – هكذا يقدم نفسه وإعلامياً)، المرشِّح لوزير الدفاع، في توجهاته وإصداره بيانات عدة وتصريحات كانت تدافع عن وزير الدفاع وتستنكر وتدين استجوابه، واعتبرت الاستجواب استهدافاً لشخصه وإنجازاته وللاتحاد والمكوّن ولم تصل بعد إلى خارج العراق. بينما اختلف الخطاب بعد الاستجواب، فاعتبر رئيس البرلمان سليم الجبوري اتهامات العبيدي مسرحية ومساساً بالبرلمان. وكذلك اعتبر «اتحاد القوى العراقية» الاتهامات التي كشف عنها وزير الدفاع خالد العبيدي، «استهدافاً سياسياً لقادته».
وقال التحالف في بيان إن «ما حدث في جلسة استجواب وزير الدفاع، كان محاولة منه لسلب المجلس حقه من خلال التشهير به وتحويل الاستجواب من ممارسة مهنية إلى استهداف سياسي بهدف الالتفاف على الاستجواب والآثار التي يمكن أن تترتب عنه». وأضاف أن «سياسة كيل الاتهامات لرئيس مجلس النواب وبعض أعضاء المجلس من تحالف القوى ومن دون أي دليل سوى الأقاويل غير المسندة بشهود أو وقائع قد حولت الاستجواب إلى استهداف سياسي لأحد أبرز قياديينا وأعضائنا، بل وللعملية السياسية برمتها من خلال التشهير بسلطتها التشريعية». وأبدى التحالف دعمه «لطلب رئيس مجلس النواب من لجنة النزاهة وهيئة النزاهة بالتحقيق مع جميع من ذكرت أسماؤهم لإثبات الحقائق أمام الشعب العراقي ولخطورة ما ذُكر من اتهامات، الأمر الذي يتطلب تدخلاً فورياً وحاسماً من قبل القضاء العراقي» (!).
وسبق أن اعتبرت كتلة «اتحاد القوى العراقية»، (في 3/10/2015) جلسة استجواب سابقة لوزير الدفاع خالد العبيدي، «محاولة مكشوفة لخلط الأوراق والتقليل من جهود وإنجازات العبيدي خلال أقل من عام من تسلمه مهمات عمله». وذكرت الكتلة في بيان لها نقلته وكالات أنباء محلية، أن «أسئلة الاستجواب لم تكن بالقدر الذي يستوجب إلهاء مجلس النواب أو إشغال الوزير عن متابعة قواطع العمليات العسكرية، بل كانت في أغلبها محاولة لتحميل الوزير العبيدي أخطاء سياسات الحكومات السابقة وفشلها في بناء منظومة عسكرية وطنية متماسكة الوﻻء». وأكد البيان أن «صم الحكومات السابقة آذانها عن مطالباتنا بإصلاح المنظومة العسكرية، وإعادة بناء الجيش على أسس الوطنية والمواطنة هي التي أدت إلى ترهلها وضعف قواتنا العسكرية وانكسارها أمام ثلة من شذاذ اﻵفاق» (!!). وأشاد البيان بـ«الجهود التي يبذلها الوزير خالد العبيدي ورفاقه في وزارة الدفاع لإعادة الثقة إلى المؤسسة العسكرية والقيادات الميدانية وإثبات قدرتها وتعزيز قناعة دول التحالف الدولي والإقليمي بقدرة القوات العراقية على تحرير مدنها المغتصبة من تنظيم داعش اﻻرهابي» (!). وهنا يجدر السؤال: ما الذي تغيّر؟
كيف يكون الفساد؟ ومن يتحمل مسؤوليته؟ ولماذا التأخر في القضاء عليه أو الحد من انتشاره بشكل سرطاني من قبل قيادات أو متحمسين للوقوف في واجهة المشهد السياسي؟ إن استجواباً واحداً كشف بعض المستور وفضح جزءاً من الخبايا، وبالتأكيد سيؤوَّل ويُفسّر ويوضع في مسارب ومسارات أخرى وتتدخل الحسابات والصراعات والمشاريع المستقبلية فيه، لكن الإرادة الوطنية ينبغي لها أن تحقق ما يخدمها ويوفر لها سياسات وطنية غالبة وقادرة على تجاوز مشاريع المحاصصات والمحسوبيات والتخادم مع الجهات، الإقليمية أو الدولية، التي تسعى إلى تدمير العراق والمنطقة وتفتيتهما.
* كاتب عراقي