بتاريخ 20 نيسان (أبريل) 2012 وجّهْنا إلى الفنّان شارل أزنافور رسالةً (بالفرنسيّة) نحثّه فيها على عدم الغناء في الكيان الصهيونيّ، انسجاماً مع رسائلنا السابقة إلى فنّانين آخرين، واتّساقاً مع حملةِ مقاطعةٍ عالميّةٍ ترفض "تبييضَ" صفحة هذا الكيان من خلال الفنّ والثقافة والحوارِ "الحضاريّ" المزعوم.

في الرسالة تحدّثْنا عن الواقع المريع الذي يحياه الشعبُ الفلسطينيّ في ظلّ الاحتلال والعنصريّة الإسرائيلييْن، مركّزين بشكلٍ خاصّ على واقع أرمنِ القدس باعتبار أزنافور سفيراً لأرمينيا في الأمم المتحدة في جنيف، فضلاً عن رفعِه لواءَ القضيّةِ الأرمنيّةِ العادلة في وجه الإنكار الرسميّ التركيّ للإبادة التي تعرّض لها الأرمنُ بين العاميْن 1915 و1923.

لكنّ أزنافور ضرب رسالتَنا عرضَ الحائط. الأدهى أنّه، بين تاريخِ رسالتنا تلك وتاريخِ حفله المزمع في البترون في1 آب القادم، فعل عكسَ ما تمنّاه وما طالبه به أنصارُ مقاطعة "إسرائيل" في لبنان والعالم:
1 ـ فقد أحيا حفلاً غنائيّاً
في نوفمبر 2013
في تل أبيب، متجاهلاً رسالةً من ناشطي حملة "بي دي أس" في فرنسا.
وكانت الرسالة قد ذكرتْ أنّ أزنافور سبق أن تجاهل أيضاً رسالةً من طفلةٍ فلسطينيّة، في العام 2011، طالبتْه برفض جائزةٍ من الجامعة العبريّة في القدس.

2 ـ في مقابلةٍ أُجريتْ معه في تل أبيب بتاريخ 22 نوفمبر 2013 سُئل كيف يقيم حفلاً للسلام في تل أبيب، فأجاب: "في البدء كنتُ أريد أن أغنّي في فلسطين [المقصود الضفّة الغربيّة]. لكنّ ذلك لم يكن متاحاً؛ فإذا لم يشاءوا ذلك فلن أجبرَهم عليه".
غير أنّ أزنافور لم يوضِحْ لِمَ لم يكن غناؤه في الضفّة متاحاً، ولا هويّةَ مَنْ "لم يشاءوا ذلك". ومع ذلك فقد كان في وسعه استخدامُ هذا السبب كي يمتنعَ عن الغناء في الكيان الغاصب ـ وهذا بالضبطِ ما فعلتْه مؤخّراً الفنّانةُ الأميركيّة لورين هيل. وعلى الرغم من أنّنا ضدّ مساواة الجلّاد الإسرائيليّ بالضحيّة الفلسطينيّة، فقد كان من أضعف الإيمان أن يمتنعَ أزنافور عن الغناء في تل أبيب لو آمن فعلاً بتساوي "الطرفيْن" في الإنسانيّة وتقديرِ الفنّ.

3 ـ في المقابلة نفسها يُسأل أزنافور لماذا لم تعترفْ دولةُ إسرائيل قطّ رسميّاً بالإبادة الأرمنيّة فيجيب: "أعترفُ لكم بأنّ ذلك أحزنني قليلاً على الدوام، لكنّني أعتقد أنّ
كلمة ‘إبادة’ تزعج الإسرائيليين. فقلتُ (...) إذا كانت هذه الكلمةُ تزعجُكم فأوجِدوا كلمةً أخرى". لكنّ الإسرائيليين لم يوجِدوا "كلمةً أخرى" للإبادة الأرمنيّة، ومع ذلك قرّر أزنافور أن يستمرّ في إحياء العروض عندهم، بل زاد حفلاتِه هناك.
وفي المقابل لم يطالِبْ أزنافور دولةَ إسرائيل بالاعتراف الرسميّ بالنكبة الفلسطينيّة، ولا بإيجاد "كلمةٍ أخرى" بديلةٍ لا "تزعج" الإسرائيليين. وبذلك غضّ سفيرُ السلام والحبّ طرْفَه عن تدمير العصابات الصهيونيّة لمئات القرى والبلداتِ الفلسطينيّة في نهاية أربعينيّات القرن الماضي، وعن تهجير مئات آلاف الفلسطينيين من بيوتهم، وعن ارتكاب مئاتِ المجازر في حقّ آخرين.
هذا وكان أزنافور في مقابلةٍ مع إذاعةٍ يهوديّةٍ في مونْريال في 31/3/2010 قد برّر عدمَ طلبه إلى شيمون بيريز أن تعترفَ "إسرائيل" بالإبادة الأرمنيّة بأنّه لم يرغبْ في أن "يزعجَ محاوريه"! كما برّر عدمَ اعتراف الكيان الصهيونيّ ذاك بـ
"التحالف الإستراتيجيّ بين إسرائيل وتركيا"
منذ العام 1949. وهكذا يقدّم سفيرُ الحبّ والسلام مصلحةَ "إسرائيل" السياسيّة على مبادئ القضيتين الأرمنيّة والفلسطينيّة معاً.

4 ـ في مقابلةٍ متلفزةٍ أجريتْ مع أزنافور أثناء زيارته الكيانَ الغاصبَ في نوفمبر 2013 تباهى بأنّه كان "أوّلَ مغنِّ أوروبيّ، وربما أولَ مغنٍّ في العالم، أتى إسرائيلَ منذ أن وُجدتْ (...) منذ زمنٍ بعيدٍ جدّاً جدّاً جدّاً" (تصفيق من الحاضرين). وتابع كلامَه قائلاً: "في تلك الفترة كنتُ أغنّي في كاباريه..."
أزنافور هنا يحنّ إلى ذلك الزمن "الجميل"، متناسياً أنّه حين كان يغنّي في ذلك الكاباريه في نهاية أربعينيّات القرن النصرم، أيْ قبل حوالى 65 عاماً من المقابلة المذكورة، لم تكن دماءُ الضحايا الفلسطينيين قد جفّت بعدُ، وربما لم يكن دخانُ قراهم المدمّرةِ قد كفّ عن التصاعد.

5 ـ قبل أن يُحْيي أزنافور هذا الحفلَ حرِص على أن يطلب لقاءً مع شيمون بيريز، رئيسِ الكيان المجرم وصاحبِ مجزرةِ قانا الأولى (1996) حين كان رئيساً للحكومة الإسرائيليّة. وقد تحقّق طلبُ أزنافور، فاجتمع الرجلان خلف المنصّة قبيْل بدء العرض، وتحدّثا عن "الموسيقى، والأدب، والثقافة، وأهمّيّةِ العلاقات الفرنسيّة ـ الإسرائيليّة". وطبعاً لم يكن الضحايا المدنيّون اللبنانيّون الـ 106 الذين لجأوا إلى مقرّ الأمم المتحدة هرباً من صواريخ بيريز على جدول ذلك اللقاء.

6 ـ في 15 آذار 2014 أحيا أزنافور حفلاً جديداً في تل أبيب، وذلك بعد 4 شهور فقط على حفله السابق، متجاهلاً كلّ دعوات المقاطعة.

7 ـ في 27/5/2015 حيّا أزنافورالبابا فرنسيس لوصفِه ما حلّ بالأرمن بين العاميْن 1915 و1923 بـ "الإبادة"، وأضاف: "ينبغي الاعترافُ بكلّ الإبادات كي لا تعود".
غير أنّ أزنافور، من جديد، لم يدعُ الدولةَ الإسرائيليّة إلى الاعتراف بالنكبة الفلسطينيّة المستمرّة، أو بأيّ كلمةٍ أخرى لا "تزعج" الإسرائيليين. ويبدو أنّه لم يعتقد أنّه سيحتاج الآن إلى إيجاد تبريراتٍ جديدةٍ غير "الإزعاج" و"التحالف الإستراتيجيّ بين إسرائيل وتركيا".

***
بناءً عليه؛
ونظراً إلى إصرار السيّد أزنافور على تجاهل كلّ الرسائل الموجّهة إليه منذ سنوات، من لبنان وفرنسا على الأقلّ؛
ونظراً إلى تجاهله لآلاف الفنّانين العالميين الذين قرّروا مقاطعةَ الكيان الصهيونيّ (ومن بين آخرِ "هؤلاء 700 فنّان بريطانيّ
فإنّنا ندعو اللبنانيين كافةً، وأنصارَ فلسطين والقضيّةِ الأرمنيّةِ العادلة بشكلٍ خاصّ، إلى مقاطعة حفله في البترون في الأول من آب القادم.

حملة مقاطعة داعمي "إسرائيل" في لبنان
25 أيّار 2015