بولس خلف
في شهر تموز الفائت، أدخل الرئيس الأميركي إلى خطابه مفهوماً جديداً هو «الإسلام الفاشي» الذي سرعان ما انضمّ إلى الأدبيات اليومية «للحرب الشاملة ضد الإرهاب». من المرجّح أن جورج بوش عبّر يومذاك عن حقيقة رأيه في الحركات التي تتخذ من الإسلام عقيدة دينية وفكراً سياسياً. يوم الجمعة الماضي، ألقى قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال جون أبي زيد محاضرة في جامعة «هارفارد» قارن خلالها بين الفاشية والنازية والحركات الإسلامية الراديكالية. وشبّه الجنرال الأميركي، اللبناني الأصل، نموّ الإيديولوجيات الإسلامية بظهور الفاشية في أوروبا بين الحربين العالميتين. ومما قاله: «إذا لم يكن لدينا الجرأة الكافية لمواجهة هذه الإيديولوجية اليوم فسندخل في حرب عالمية ثالثة غداً».
يوم الأحد الفائت، تحدث نائب الشوف وليد جنبلاط عن «الأحزاب التوتاليتارية والحزبيين الفاشيين» الذين يحضّرون «لانقلاب سياسي في لبنان».
إن أوجه التشابه بين «فكر» الشخصيات الثلاث وألفاظها السياسية كثيرة، نذكر منها اثنين فقط نظراً لضيق المساحة. تطابق في توصيف العدو أو الخصم: إسلام فاشي بالنسبة لبوش، إيديولوجيات متشددة شبيهة بالفاشية حسب أبي زيد، وحزبيون فاشيون كما قال جنبلاط الذي قصد حزب الله وهو حزب إسلامي. تطابق أيضاً في النظرة إلى الضرر الذي يلحقه هؤلاء «الإسلاميون الفاشيون» بمحيطهم القريب والأبعد: فهم مسؤولون عن الإرهاب الدولي كما أكد الرئيس الأميركي، وهم قد يتسبّبون بحرب عالمية ثالثة حسبما نبّه جنراله، وهم يحضّرون لانقلاب سياسي كما حذّر صديقهما اللبناني.
لو تبادل جون أبي زيد ووليد جنبلاط مقعديهما لما تغيّر الكثير على طلاب جامعة «هارفارد» وعلى أعضاء الهيئة العامة للحزب التقدمي الاشتراكي.
هذه هي حال الدنيا اليوم. الحركات المناهضة للهيمنة الأميركية، إستعمارية، إسلامية (سنية أو شيعية)، قومية أو يسارية، هي فاشية. أما القوى التي تدّعي الانتماء إلى إحدى هذه المدارس الثلاث والتي ترى في الولايات المتحدة نموذجاً يحتذى به وصديقاً يعوّل عليه وحليفاً يتكل عليه للوصول الى السلطة والبقاء فيها عن غير وجه حق، تصبح محبةّ للحرية والديموقراطية! ولا حرج إذا كانت هذه القوى التي اختارت الحصان الأميركي هي، في معظم الأحيان، فاسدة ومتحجرة ومتسلطة. ليتها أخذت من الأميركيين، إضافة إلى خطابهم السياسي التبسيطي، قبولهم بقواعد اللعبة الديموقراطية، ولا سيّما الاعتراف بالهزيمة وتداول السلطة، ليس فقط بين الأب والإبن. مقابل هذا الخطاب الرفضي المحلي والخارحي، كانت هناك مواقف للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. دراسة نص كلمة قائد المقاومة واستخراج المفردات التي استخدمها في حديثه، ومقارنتها مع خطابات الشخصيات الثلاث المذكورة آنفاً يظهر فرقاً نوعياً بين المنطقين.
المنطق الأول مبني على التصنيف السلبي للخصم ويستخدم النعوت الهادفة الى الحطّ من قدر الآخر والنيل من صدقيته، ولا يترك أي كوة يمكن الدخول عبرها للتأسيس لحوار ما. إنها حلقة مقفلة تماماً. أما المنطق الآخر، فرغم حزمه وصلابته، فهو مبني على مفاهيم لا تهدف إلى إلغاء الخصم بل على العكس إلى إيجاد أرضية مشتركة. فالسيد نصر الله يتحدث في خطابه عن المشاركة والتفاهم والتقاسم، حتى انه يعرض الخروج من السلطة إذا كانت هذه الخطوة تسهّل تأليف حكومة وحدة وطنية. وحتى في معرض حديثه عن النزول الى الشارع فهو يشدد على الطابع السلمي والحضاري والهادئ للتحرك، ويدعو الى الصبر وعدم الرد على الاستفزازات.
إنه زمن العجائب. «الفاشيون» يتحدثون بلغة الانفتاح والشراكة، و«الديموقراطيون» يتمترسون وراء جدران الرفض والانغلاق.