فوزي الأسمر *
المجزرة التي وقعت يوم 16/4/2007، في حرم الجامعة العلمية «فيرجينيا تيك»، والتي قتل فيها 32 شخصاً بين طالب ومحاضر، إضافة إلى تشو سونيغ هوي، الذي ارتكب هذه المجزرة، تشير بكل وضوح إلى زيادة العنف في الولايات المتحدة، وخصوصاً بين الشباب.
فظاهرة العنف في أميركا تتفاقم، وتشغل بال الكثيرين من علماء الاجتماع والنفس، وأصحاب الرأي، ورجل الشارع العادي، بعد أن تزايدت في السنوات الأخيرة. ولهذه الظاهرة المأساوية أسباب عديدة، يحاول علماء الاجتماع وعلماء النفس الوصول إلى جذورها.
الرأي السائد هو، أن تزايد العنف يعود إلى الثقافة التي يتلقاها الأميركيون منذ نعومة أظفارهم، وبسبب الحياة الاجتماعية التي تعيشها الأسرة الأميركية، ورخاء العيش الذي يتمتع به الأميركي، قياساً بالشعوب الأخرى، وطبعاً الحروب التي تخوضها أميركا.
فالطفل الأميركي يـــــــتلقى ثقافته في مطلع عمره عن طريق البرامج التلفزيونية، التي أصبحت، حتى معظم الصور المتحركة في هذه البرامج، تتضمن العنف، وينشأ الطفل مع هذه الروح، وتصبح جزءاً من ثقافته التي يترعرع عليها.
وعندما يكبر هذا الطفل يرى أن هوليوود تزوده بوابل من أفلام العنف، فبعد أن فرغت جعبة «بطل الطاوبي»، الذي يبيد «المجرمين» من الهنود الحمر، أصحاب الأرض الأصليين، بدأت أفلام الحروب والبطولات الأميركية تغزو الأسواق.
بدأت بأفلام الحرب العالمية الثانية إلى حرب فيتنام، التي ظهر فيها البطل الأميركي الذي يقوم بإبادات جماعية للسكان الأصليين، وهدم قرى كاملة وحرق الغابات، بدون أن يهزم. ومن ثم انتقلوا إلى «بطولات رامبو». وبسبب الإقبال الكبير على هذا النوع من الأفلام، والمدخول الضخم الذي يعود على المنتجين والممثلين، بدأت تظهر أفلام أخرى فيها المزيد من العنف على غرار سلسلة أفلام «المبيد» (Terminator) وأفلام «كوماندو» التي قام بهما الممثل أرنولد شوارزينغر. بمعنى آخر، إن هوليوود أدت وتؤدي دوراً رئيسياً في توجيه ثقافة العنف في أميركا.
وتأثير هوليوود على الشعب الأميركي كبير، فهي التي أوصلت رونالد ريغان إلى البيت الأبيض، ووضعت أرلوند شوارزينغر في منصب حاكم أكبر الولايات الأميركية، كاليفورنيا.
وينشأ الشاب الأميركي على وجود أسواق الأسلحة المفتوحة، بحيث يستطيع الإنسان أن يدخل إلى أي حانوت لبيع الأسلحة، ويشتري ما يريده منه. وفي كل مرّة تقع مجزرة، وتذهب ضحيتها أرواح بريئة، تعود مسألة تحديد بيع السلاح إلى الحوار الشعبي.
إلا أن تجار السلاح، وصانعي، لديهم قوة كبيرة في منع أي قرار أو قانون يحد من بيع الأسلحة، ولديهم قوة ضاغطة (لوبي) قوية فعالة معروفة باسم «الجمعية الوطنية للبندقية» التي يرمز اليها بـ«NRA»، والتي تضم عدداً كبيراً من الممثلين وأصحاب الأعمال والسياسيين والتي تبرعت في عام 2006 بأكثر من مليون دولار للحملة الانتخابية لرئاسة الجمهورية.
ومعظم سكان الولايات المتحدة يعيشون بانعزالية شبه كاملة.
فالعائلة تجتمع في مناسبات محددة، وخصوصاً في عيد «الشكر» وعيد «الميلاد»، وكثيرون يكتفون بإرسال بطاقة معيادة، أو مكالمة هاتفية، أو باقة ورد في عيد الأم. وتسمع من الكثيرين يقولون إنهم لم يشاهدوا أبناءهم أو بناتهم لعدة سنوات.
ويعيد الكثيرون من علماء الاجتماع والنفس، ظاهرة انهيار العائلة الأميركية، ونسبة الطلاق التي تعد أكبر النسب في العالم، إلى الحرية المبالغ بها في المجتمع الأميركي، الشيء الذي يؤدي إلى تفكك هذا المجتمع. فعندما يبلغ الأبن أو الابنة سن الثامنة عشرة من العمر يبدآن بالبحث عن حياة مستقلة، وفي كثير من الأحيان بتشجيع من الوالدين، وتسمع من يقول إن الوالدين يريدان الحرية أيضاً.
وهذه الانعزالية تلعب دوراً رئيسياً في تكوين شخصية الكثيرين في المجتمع الأميركي، من جميع النواحي، بما في ذلك الاهتمام بالمصلحة الشخصية أكثر منها بالمصلحة العامة، إلا إذا بدأت المصلحة العامة تصطدم بالمصلحة الشخصية.
وإذا أضفنا إلى ما ذكرنا، حرب العراق وحرب أفغانستان، وما واكبهما من أكاذيب على أعلى المستويات لتبرير الغزو، فإن الصورة ستكتمل، فالرئيس جورج بوش لقب نفسه بـ«رئيس حرب»، وأدخل ثقافة الرعب إلى قلوب الأميركيين، الذين وجدوا أنفسهم يحاربون شبحاً اسمه «الإرهاب»، وهو موجود في كل مكان، وغير موجود في كل مكان، حسب الإعلام الأميركي. فهو في المطارات والموانئ والحافلات والشوارع ووراء كل بناية وعمود وداخل الهواتف.
فكما هو معروف، لا يوجد احتلال «ديموقراطي» أو «ليبرالي»، بل إن نتائج الاحتلال تنعكس على المجتمع، وتفسده، وتزرع عند الكثيرين منه فكرة عدم احترام العدو والهبوط به إلى ما دون الإنسان.
وانطلاقاً من هذا التفكير حدثت المجازر والاعتداءات على الحرمات في العراق وأفغانستان، مثل قتل عائلة كاملة وحرق جثة فتاة قاصر بعدما اغتصبت، والتعامل غير الإنساني مع الأسرى والمساجين على غرار ما حدث في سجن «أبو غريب»، وهو سجن واحد كشف النقاب عنه فيما يوجد العشرات من هذه السجون، على حد ما تناقلته وسائل الإعلام الأميركية.
لكن العنف لن ينتهي بالتعامل مع العدو، فهو يتعامل مع الإنسانية بكشل عام، بغض النظر عن اللون والدين والقومية والعقيدة. وما حدث في جامعة «فيرجينيا تيك» هو جزء من هذه المسيرة. ووقف مثل هذه الأعمال لن يكون إلا عن طريق تغيير أساسي في مجرى الحياة الأميركية.
* كاتب فلسطيني مقيم في الولايات المتحدة