فنسان الغريّب *
لا بدّ لنا، إذا أردنا فهم ما يدور اليوم من أحاديث حول الدور الشيعي المتنامي في لبنان والمنطقة، والدور المتزايد لحزب الله في الحياة السياسية اللبنانية وقدرته على إعاقة (أو تسهيل) عمل المؤسّسات داخل الدولة، وعلى فرض رؤيته، إن لم يكن بالقوة، بل بقدرته على التأثير وإسماع الصوت بقوة، في محاولة منه لتغيير آليات اللعبة السياسية من خلال زيادة حصّة الشيعة في الحكم، وتمكينهم من المشاركة بفاعلية أكبر، في إدارة الدولة، لا يمكننا فهم تلك الصورة اللبنانية المعقّدة اليوم، دون فهم تنامي قوّة الشيعة في المنطقة ككلّ، ابتداءً من إيران. هذا التنامي الذي بدأ مع الثورة الاسلامية بقيادة الإمام الخميني نهاية سبعينيات القرن الماضي، ومشروع تصدير الثورة الاسلامية (الشيعية) في المنطقة. تلك الثورة التي تلّقت دفعاً إضافياً بعد سقوط نظامي الطوق السنيَّين حول إيران، أي نظام «طالبان» السنّي المتشدّد في أفغانستان، ونظام صدّام حسين (العلماني شكلاً) في العراق، ما سمح لنظام آيات الله باستكمال مشروع تمدّد النفوذ الشيعي في منقطة الشرق الأوسط، وفي المنطقة العربية على وجه التحديد، مع تمكّن إيران من تشكيل أذرع نفوذ عسكرية (أو سياسية) قوية بدءاً من العراق مروراً ببلدان الخليج كالبحرين والسعودية وقطر، وانتهاءً بلبنان ـــــ حزب الله، وفلسطين ـــــ «حماس». مع الاشارة إلى أنّ هذا المشروع التوسّعي الايراني ـــــ الشيعي لم يبدأ مع الثورة الخمينيّة، بل يعود إلى أيّام الشاه الذي أراد جعل إيران قوّة امبراطورية إقليمية وحتى نووية، منذ ذلك الحين، وهو المشروع الذي يجري استكماله اليوم، وإن بقيادة المحافظين المتشدّدين داخل إيران.
لا بدّ في هذا الإطار، من العودة إلى كتاب يرصد إرهاصات هذا التحوّل المهمّ والمتمثّل بتنامي دور الشيعة في المنطقة، رصداً دقيقاً ومحكماً، وهو كتاب ولي نصر المعنون «صحوة الشيعة». يرى المؤلّف أنّ الولايات المتحدة تخطئ إذا لم تأخذ بعين الاعتبار واقع المنطقة الجديد، ألا وهو تنامي نفوذ الشيعة، وإزاحتهم النظام الذي كان سائداً طيلة عقود، والذي يقوم على هيمنة أنظمة سنيّة مستبدّة قامت بممارسة القمع والتمييز الديني (وأحياناً العنصري)، ضدّ أقلياتها الشيعيّة، تلك الأقليات التي أصبحت اليوم في عدد من الدول العربية (كالعراق ولبنان والبحرين) أكثريات تطالب بحقّها في مزيد من المشاركة السياسية، إن لم يكن بحكم البلد ككلّ (حيث يتقاسم اليوم الشيعة والأكراد الحكم فعلياً في العراق المفدرل، وفي لبنان حيث لم يعلن حزب الله علناً بعد مطالبته بالمثالثة، ولكنّه مطلب يمكن إعلانه حين يحين وقته، وحيث يكتفي الحزب اليوم بالممطالة بمزيد من المشاركة في الحياة السياسية وفي آليات اتخاذ القرار الداخلي والخارجي للبنان، أي مشاركة الشيعة بشكل أكبر في الحكم، ما يعني تقليص نفوذ الأكثريّتين الباقيتين (أي المارونية التي حكمت منذ الاستقلال وحتى الحرب الأهلية عام 1975، والسنيّة التي حكمت منذ انتهاء تلك الحرب مع إعلان اتفاق الطائف، وحتى مقتل رفيق الحريري. ومن الممكن أن يكون أحد أسباب (ونتائج أيضاً) عملية القتل تلك، تغيّر موازين القوى الداخلية والاقليمية لمصلحة الشيعة).

زوال الشرق الأوسط القديم ومعه «القوميّة العربيّة»
بالعودة إلى الكتاب الذي اعتبر الكاتب الأميركي المعروف، جوزف ناي، أنّ قراءته ضرورة لازمة لكلّ معنيّ بسياسة أميركا الخارجية في الوقت الحاضر، يقول ولي نصر إنّ الشرق الأوسط هو اليوم أكثر عرضة للاضطراب والتطرّف من أي وقت مضى منذ أن أطاحت الثورة الايرانية الاسلامية حليفاً للولايات المتحدة عن عرش ايران، وحملت متشدّدين شيعة إلى سدّة السلطة هناك. لقد زعزعت الدعوة الأميركية إلى نشر الديموقراطية في المنطقة حلفاءها في الوقت الذي عجزت فيه عن استرضاء أعدائها.
فالحرب على العراق مثلاً حملت إلى السلطة ائتلافاً دينياً شيعياً وأوجدت تمرّداً سنيّاً ـــــ قومياً لا يفتأ يلهب جذوة التطرّف الديني هناك وعلى امتداد رقعة المنطقة.
يقول نصر إنّه على امتداد ربع قرن، ما بين الثورة الايرانية عام 1979 و11 أيلول 2001، كثيراً ما كانت الولايات المتحدة تنظر إلى الشرق الأوسط من خلال عيون النخب السنيّة المتسلّطة في إسلام أباد وعمّان والقاهرة والرياض، التي تمثّل الحلفاء المحليّين الرئيسيين لأميركا.
وحتى في الدراسات الأكاديمية الغربية عن الاسلام، لم يكن الشيعة يحظون سوى بإشارات عابرة وسطحيّة. لكن مع استمرار التحوّلات الطارئة على الشرق الأوسط وتعرّض الهيمنة السنّية لتحدّيات شتّى، كان لا بدّ للمنظور الأميركي للمنطقة من أن يتغيّر هو الآخر.
لقد رسمت الحرب على العراق برأي نصر، حدّاً فاصلاً ما بين شرق أوسط «قديم» وآخر «جديد». لقد كان الشرق الأوسط القديم يعيش تحت هيمنة مكوّنه العربي، ويتوجّه بأبصاره نحو القاهرة وبغداد ودمشق (وهي الحواضر الغابرة للخلفاء السنّة) باعتبارها مدن السلطة «السنيّة» فيه. كما أن مشاكل المنطقة ومطامحها وهويتها وصورتها عن نفسها كانت في المقام الأول، مشاكل العرب ومطامحهم وهويتهم وصورتهم. كما أنّ القيم السياسية التي كانت غالبة في الشرق الأوسط القديم، كانت عصارة عقود وعقود من القوميّة العربية.
إنّ هذا الشرق الأوسط القديم، الذي كان في جوهره موئلاً للمؤسّسة السنيّة الحاكمة، وفي متناولها ورهن مشيئتها، هو اليوم آخذ في الزوال، بحسب نصر، وسط حالة من الاضطراب الشديد. أمّا الشرق الأوسط الجديد، الذي يولد حالياً ولادة متشنّجة، فإن ثمة هوية جديدة تحدّده وعلى قدم المساواة. إنها هوية الشيعة بروابطهم الثقافية وعلاقاتهم الدينيّة وتحالفاتهم السياسية وصلاتهم التجارية العابرة للفوارق ما بين العرب وغير العرب (وبالتحديد الفرس).
وإذا أردنا أخذ العراق على سبيل المثال، فإن هذا البلد كان يشكّل، إلى جانب مصر وسوريا، واحداً من أهمّ البلدان العربية. ولطالما كان منافساً جدّياً لهما على زعامة العالم العربي إبّان أوج القومية العربية. العراق هذا انتخب كرديّاً أوّلَ رئيس له ما بعد الحرب، وهو يقيم علاقات أوثق مع إيران منها مع جيرانه العرب. إنّ شيعة العراق وأكراده، الذين يشكّلون غالبية الشعب العراقي، اختاروا أن يحذفوا القسم المعتاد بالولاء للهويّة العربية في أولى محاولات البلاد سنّ دستور جديد في صيف عام 2005، والإعلان أن العراق «جمهورية فدرالية» لا «جمهورية عربية».

الشرق الأوسط «الجديد» في ظلّ «الصحوة الشيعيّة»
لقد كان الوزراء المعيّنون في الحكومة العراقية الناشئة ما بعد الحرب، من أوائل القادة الشيعة الذين تقيم معهم الولايات المتحدة اتصالاً مباشراً منذ قيام الثورة الايرانية. وحين تحدّث القادة الأميركيّين في ظلّ إدارة بوش الابن عن الرغبة في تغيير المنطقة نحو الأفضل بعيد الحرب على العراق، إنما كانوا يتحدّثون عن إرادة نشر الديموقراطية في الشرق الأوسط القديم ذي الهيمنة السنيّة. وهو ما يعني على أرض الواقع، السماح للشيعة بالوصول إلى مراكز القيادة في بعض البلدان العربية، حيث أصبحوا يشكّلون فيها الأكثرية العدديّة الفعلية، في مواجهة المدّ السنّي المتطرّف، ولكسر شوكة الأنظمة السنيّة القوميّة العربيّة ومنعها من الوصول مجدّداً الى السلطة وتكرار تجربة حزب البعث ذي التوجّهات القومية العربية الذي كان يدعو لمحاربة إسرائيل والقضاء عليها (نظريّاً على الأقلّ، حيث أثبتت التجربة أن إسرائيل ازدادت قوّة في حين استبداد تلك الأنظمة التي احتكرت الثروات ومارست أشدّ أنواع القمع ضدّ شعوبها).
إنّ هذا الشرق الأوسط الجديد الآخذ بالبزوغ اليوم، لن تحدّد معالمه، برأي نصر، الهويّة العربيّة أو أي شكل من أشكال الحكم القومي البائد. بل إنّ طابع المنطقة سيتقرّر في النهاية، داخل بوتقة «الصحوة الشيعية» ومدى الاستجابة السنيّة له. وأيّ امتناع سنّي عن التجاوب، سلمياً، مع الصحوة تلك، سوف يولّد نزاعات دمويّة مسلّحة، نشهد تعبيراً حيّاً لها اليوم في العراق. كما يمكن أن نشهد تعبيراً دموياً مماثلاً في لبنان، إذا ما أصرّت القيادة السنيّة الحاكمة على منع الشيعة من مشاركتها الحكم، أي رفض تلك القيادة (وتابعيها الموارنة)، رؤية الواقع الجديد المتمثّل بتغيّر موازين القوى داخل لبنان لمصلحة الشيعة،
مع حزب الله أو من دونه، وهو تغيّر ديموغرافي واجتماعي واقتصادي وسياسي موضوعي سوف تستجيب له الفئات الأخرى (السنيّة والمارونيّة خاصة)، عاجلاً أو آجلاً، سلمياً أو دموياً.
بكلام آخر، سوف يؤدّي الرفض السنّي ـــــ الماروني القبول بالواقع الجديد للشيعة في لبنان، إلى تكرار تجربة حرب 1975 المريرة، ولكن مع تغيّر أدوار اللاعبين وتبدّلها، وفي ظلّ انقسام إقليمي أكثر حدّة، في ظلّ صراع سني ـــــ شيعي متنامي. وبالتالي فإنّ المواجهات، إذا ما وقعت، سوف تكون أشد إيلاماً وعنفاً، مع إمكانية تغيّر الخريطة الحالية للكيان اللبناني، وهو مشروع أميركي ـــــ إسرائيلي يتعهّد اللاعبون المحليّون تنفيذه، مع علمهم أو من دونه، ولكن في الحالتين، على حساب موقعهم في تركيبة السلطة داخل لبنان، لمصلحة الشيعة هذه المرّة، الأكبر عدداً والأكثر تسليحاً والأشدّ تعبئة من الناحية الايديولوجية.
أما السبب الذي يكمن وراء تغذية الثنائي الأميركي ـــــ الإسرائيلي لهذا الصراع السنّي ـــــ الشيعي، فهو يكمن في إضعاف الطرفين واستخدام الشيعة في محاربة الجهادية الإسلامية السنيّة التي تشكّل، بنظر الأميركيّين والإسرائيليّين، خطراً على الغرب وإسرائيل أشدّ من الخطر الذي يشكّله التطرّف الشيعي.
«صعود» شيعة لبنان واحتمالات المواجهة السنيّة ـــــ الشيعيّة
لقد وقف الشيعة في كلّ من لبنان والبحرين والمملكة العربية السعودية، يتابعون باهتمام كبير التطوّرات في العراق. فالكلّ معتنق لتوجّه السيّد علي السيستاني «البراغماتي» في السياسة. وقد تجاوبوا بسرعة مع دعوته القائلة: «صوت واحد للناخب الواحد». وهو أمر جعل شيعة العراق يصوّتون بكثافة، بعد دعوة الأميركيّين إلى ممارسة اللعبة الديموقراطية عبر المشاركة في الانتخابات، ما مكّن الشيعة من السيطرة على السلطة في هذا البلد، بعد عقود من القمع «البعثي ـــــ السنّي» لهم. إنّ نجاح شيعة العراق في مرحلة ما بعد صدام في الاستحواذ على السلطة (بدعم من الأميركيّين)، جعل الشيعة في البلدان العربية الأخرى (وخاصّة شيعة لبنان والبحرين)، يتطلّعون إلى جني مكاسب مشابهة وبالتالي السير على خطى شيعة العراق عبر تبنّي خيار الديموقراطية (العدديّة) بهدف «قلب الطاولة» على رأس السنّة، بحسب تعبير نصر. وهو ما يتخوّف منه السنّة اليوم، محاولين إيقاف عجلة الديموقراطية الآتية تلك، عبر الدبابة الأميركيّة. ولهذا السبب أيضاً أخذ القادة الشيعة في لبنان في كلّ من حزب الله وحركة «أمل» يشيدون عالياً بآية الله السيستاني، ملمّحين الى أنّ لبنان سيتوجّه مجدّداً نحو النجف، لا قمّ، لتلقّي الإرشاد الديني.
وقد كانت موافقة حزب الله على توجّه السيستاني، أقرب إلى المصلحة الذاتية السياسية منها إلى الاعتبارات الروحية. وبالفعل، فقد اتّسم زعماء الحزب بالفتور إزاء دعوة السيستاني رجال الدين إلى الانسحاب من الحلبة السياسية. ولكنهم وجدوا منفعة لهم في رمزية قيادته. كانت ردّة فعلهم الأوليّة على ما يجري في العراق سريعة، حيث تبنّوا معادلة السيستاني (أي صوت واحد للناخب الواحد)، وذلك لسبب واضح، وهو أنّه إذا ما تمّ تطبيق تلك الصيغة في لبنان، فسوف يعني ذلك أن الشيعة، الذين يشكّلون أكثر من خمسَي عدد سكان لبنان، سيهيمنون بسهولة على مقاليد السلطة فيه.
إنّ مصادقة حزب الله على توجّه السيستاني هذا ولعبة القوّة التي يلعبها في لبنان، أثارت حفيظة السنّة (لا بل حنقهم) وخاصّة بعد فقدان هؤلاء، زعيمهم الأكبر، أي رفيق الحريري، وبعد نجاح حزب الله في التصدّي لإسرائيل ما جعلهم ينظرون إلى هذا الحزب بشيء من الرهبة والخوف من أن يتحوّل نحوهم إلى الداخل، وهو الأمر الذي قام به بالفعل بعد ذلك، ما زاد من حدّة تخوّفهم وتوجّسهم منه.
حين طالبت الولايات المتحدة السوريّين بالانسحاب من لبنان وبتطبيق الديموقراطية في هذا البلد، أصبح حزب الله أكثر هجومية في لغته الخطابية، متوقّعاً أن تمهّد حماسة واشنطن للديموقراطية الطريق أمام وصول الشيعة في لبنان إلى سدّة الحكم، كما حصل في العراق، وذلك على حساب كل من المسيحيّين والسنّة. لقد اكتسح ائتلاف حركة «أمل» ـــــ حزب الله المقاعد الشيعية في الجنوب إثر انتخابات حزيران 2005، ما مكّن الشيعة من إسماع صوتهم داخل البرلمان.
لقد دلّل الشيعة على قوّتهم، لكن كان واضحاً، برأي نصر، أنّه لن يكون من السهل عليهم أبداً توظيف تلك القوة لتغيير صيغة البلد وتركيبة السلطة المعقّدة فيه، كما حصل في العراق بمساعدة الأميركيّين. إن إجراء إحصاء رسمي جديد للسكان في لبنان وإدخال تعديلات على الدوائر الانتخابية، لن يكونا بالأمر السهل، ومن غير المرجّح أن يجريا من دون ألم (أي من دون إراقة دماء بسبب امتناع الأطراف المتضرّرة الأخرى عن التسليم بالواقع الديموغرافي والسياسي الجديد في لبنان).
لقد وجد حزب الله نفسه بعد انتخابات حزيران مضطراً إلى العمل من ضمن النظام القائم، بانتظار أن تكتسب الديموقراطية مزيداً من الزخم وأن يستتبع ذلك تحقيق الإصلاح السياسي (أي إدخال تعديلات جوهرية على اتفاق الطائف تعيد إنتاج صيغة جديدة للحكم يكون للشيعة ضمنها موقع أكثر تقدّماً في السلطة). ولكن على ضوء السّخط السنّي على التطوّرات الطارئة في العراق، أي تراجع موقع السنّة فيه، رأى حزب الله أنّ من الحكمة أن يقلّل من سعيه لتمكين الشيعة من حيازة السلطة داخل لبنان. وحاول حزب الله الابتعاد قدر الإمكان عن أجواء التوتّر الطائفي التي رافقت وتبعت الحرب على العراق، وانضمّ الى الحكومة وراح يشدّد النبرة على «الوطنية اللبنانية» عوضاً عن الدعوة الى «تمكين الشيعة». فهذه الأخيرة كان عليها أن تنتظر ليوم آخر.
إلّا أنّ تصعيد اللهجة من قبل حزب الله، وسحبه الوزراء الشيعة من الحكومة وتركيز جهده على إزاحة رئيس الحكومة والسعي لإعادة تكوين السلطة في لبنان عبر المطالبة بإجراء انتخابات نيابية مبكرة وفق قانون انتخابي جديد، والدخول في مواجهة «كلامية» محتدمة مع «الفريق الآخر» (كادت أن تتحوّل الى مواجهة مسلّحة علنية بعد الإشكالات التي حصلت جراء قطع الطرقات وأحداث الطريق الجديدة)، والامتناع عن السير برئيس لا يتعهّد بحماية سلاح المقاومة. كل تلك الأمور أسهمت بتأجيج حدّة الخلاف السنّي ـــــ الشيعي، وزيادة المخاوف لدى السنّة من طموحات الشيعة (الممثَلين اليوم بحزب الله)، الساعين إلى المشاركة في الحكم بقوّة أكبر، وهو سعي كانت انطلاقته الأولى منذ قرابة ثلاثة عقود، بدأه الإمام المغيّب موسى الصدر، وتابعه بعده قادة كل من حركة «أمل» وحزب الله.
فبعدما كان شيعة لبنان فئة مهمّشة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، إذا بهم اليوم يتحوّلون إلى قوة اقتصادية، سياسية وعسكرية لا يستهان بها.
فهل تكون الديموقراطية علاجاً أم «سبب مشكل» في لبنان، وهل يتحوّل طموح الشيعة الجامح إلى السلطة إلى نعمة أم نقمة على هذا البلد، وهل تسلّم الطوائف الأخرى (وفي مقدّمتها المارونية والسنيّة)، بالواقع الجديد المتمثّل بالصعود الشيعي القوي وتفسح في المجال أمامه للمشاركة بقوة أكبر في الحكم، أم أن رفض تلك الطوائف، يكون سبباً لحرب مقبلة أكثر دموية، تعيد خلط الأوراق وتنتج طائفاً جديداً.
يبقى القول إنّ الطائف الأول كلّف إنتاجه مئة وخمسين ألف قتيل، فهل إنتاج طائف جديد سوف يكون أقلّ، أم أكثر كلفة؟ هذا ما يجب أن يجيب عنه، اليوم قبل الغدّ، زعماء الطوائف في لبنان.
* باحث لبناني