جود حيدر
لو وُلِدت مسيحيّاً، لانتابني هاجس الديموغرافيا ولتحوّل إلى خوف إلغاء أو هجرة قصرية عند كلّ اهتزاز وعدم استقرار. لتفاخرت تارة بوطن التعددية والرسالة وتارة أضعت دروب الانتماء. انتماء إن اعتراه خوف، ضلّ السبيل أو استسلم للأقدار. العين بالعين أدير لها خدي الأيسر ولا أجزع، وصالب المسيح يتخفّى كحفّار للقبور، فأحتضن السبايا ويهدّدني التوطين. لانحرفت يأساً وأصبحت درعاً بشرياً أو حملت السلاح من كل صوب وفي كلّ اتجاه.
كرس اتفاق الطائف انطوائي واتكالي على الطائفة بشكل أعمق من الآخرين، وتجريد رئاسة الجمهورية عملياً من كل الصلاحيات جزء من هذا التكريس. إلّا أن اتفاق الطائف لم يكن إلّا تطوراً طبيعياً لميثاق أسبق ما فتئ الناظم الأساس لهذا التقوقع السياسي الاجتماعي بشكل يتخطّى موازين التغيّر الديموغرافي، وما دام هذا الميثاق قد بقي، بقي التقسيم هاجساً غير قابل للتحقيق وبقي التوطين شرعنة للتهجير. ميثاق يؤدّي بالأرعن وبالخائف على السواء الى حدّ الانتحار والانتحار. ميثاق ينصّ مناصفة بين المسلمين والمسيحيين للمقاعد النيابية.
مناصفة نيابية لها مفاعيل عكسية، فكلما ازداد عدد النواب، اتفق عليه بالطائف ومن ما قبل اتفاق الطائف، كثر عدد الممثلين «السينمائيّين»، وتعقّدت لعبة التمثيل المسيحي الحقيقي بغضّ النظر عن قانون الانتخاب، وتعقّدت لعبة توزيع سلطة الحقائب المالية والفارغة منها مهما وُسِّع مجلس الوزراء. كلما ازداد عدد النواب المسيحيين ازداد معهم عدد الزعماء تضخماً (بأصوات المسلمين) وازدادت الحاجة إلى الغطاء الروحي من الكنيسة وإلى الدعم الخارجي استقواءً على الممثلين الحقيقيين. فهذا التضخّم قد أعطى قرار المسيحيّين لطوائف أو دول أخرى بغضّ النظر عن الصلاحيات.
لو ولدت مسيحيّاً لبلغت رشدي ورفضت المناصفة، وقبلت تمثيلي بنسبة حجمي، وحاسبت ممثّلي لإصلاح الحال، ولانتظمت كمواطن وتبنيت العدل ولفرضت انتظام كل مكوّنات الوطن.