حروبنا التي لا تنتهي هي كوابيس. قلة ستعارض هذا الرأي، حتى ضمن الـ 58 في المئة الذين يؤيدون زيادة القوات الأميركية في أفغانستان، كما أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة «واشنطن بوست» وشبكة «آي بي سي» التلفزيونية أخيراً. كما لن يعارضه الـ 54 في المئة الذين يوافقون على أداء الرئيس قائداً للقوات المسلحة، كما ورد في الاستطلاع نفسه
توم إنغلهارت*
لقد تذكرت حالتنا الغريبة أخيراً حين أعدت قراءة مقال كنت قد اطّلعت عليه للمرة الأولى في خريف 2001 بعد سقوط البرجين. وقتها، كان من الواضح أنّ الحرب على الطريق، وأنّ الرجال والنساء الذين كانوا يقودوننا إليها يملكون أحلاماً توسّعية وخططاً ضخمة. قرأت آنذاك، في أواخر تشرين الأول، مقالاً كتبه شخص أميركي من أصل أفغاني يعيش في كاليفورنيا، اسمه تميم أنصاري، وقد نُشر مقاله على الشبكة العنكبوتية بعد خمسة أيام على اعتداءات نيويورك وواشنطن بعدما استمع إلى برنامج على الراديو يتحدث عن «إعادة أفغانستان إلى العصر الحجري». لم يصلني المقال إلّا بعد بداية الحرب على أفغانستان.
كتب أنصاري «كشخص يكره طالبان وأسامة بن لادن»، لكنّ مقاله كان تحذيراً يائساً من الحرب الأميركية المرتقبة. كتب بشغف واقتناع، كشخص يعرف أفغانستان، وبرؤية لم تكن جزءاً من عالمنا الأميركي آنذاك. كتب قائلاً: «نصل إلى موضوع قصف أفغانستان وإعادتها إلى العصر الحجري. المشكلة أنّ هذا قد حصل. أخذ السوفيات الأمر على عاتقهم سابقاً. جعلُ الأفغان يعانون؟ هم يعانون أصلاً. تدمير منازلهم؟ حصل. تحويل مدارسهم إلى كومة حجارة؟ حصل. تدمير مستشفياتهم؟ حصل. تدمير بنيتهم التحتية؟ قطع الإمدادات الطبية عنهم؟ لقد تأخرتم. لقد سبقكم أحدهم إلى ذلك. القنابل الجديدة ستحرّك ركام القنابل السابقة. هل ستنال على الأقل من طالبان؟ ليس على الأرجح».
أدهشني مشهد قنابلنا وهي «تحرك الركام». بدا لي المقال كأنّه يلتقط الكابوس المنسي للماضي الأفغاني كما الكابوس الآتي، في الوقت الذي لم نكن نفكر فيه سوى بأنفسنا وبكابوسنا نحن. كنا وقتها قد اخترنا صورة لأنفسنا في الحيّز العام، وهي أنّنا أعظم ضحايا العالم، ناجين ومسيطرين في الوقت نفسه. ولم نترك للآخرين في قصتنا أيّ دور سوى الشرّ الذي ملأه على نحو عظيم أسامة بن لادن. لم تكن سياستنا الخارجية وحدها تنحو نحو الأحادية القطبية، بل صورتنا عن أنفسنا أيضاً.

استخدموا «بيرل هاربور القرن الواحد والعشرين» كعذر للقيام بأفظع ما يمكنهم
لم يكن أنصاري الذي يعيش في أميركا منذ 35 عاماً، يفكر فقط بحياة الأفغان وكوابيسهم. كان يفكر بحياة الأميركيين وكوابيسهم أيضاً. كتب عن موت الأميركيين وخطورة باكستان، وخصوصاً عن حلم بن لادن لتحويل الجيش الباكستاني إلى جيش إسلامي وخوض حرب حضارات. وحاول أنصاري الدفاع عن اجتياح كان في 16 أيلول، حين كتب مقالته، حتمياً.

حسابات خاطئة في الأحلام الكبيرة

هناك شيء واحد يمكن قوله عن الشخصيات المتعددة التي كانت في إدارة بوش، ومن ضمنها نائب بوش ذو عقيدة الواحد في المئة. كلّ هؤلاء المحافظين الجدد المختبئين في البنتاغون، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد الذي طلب بعد خمس ساعات على الهجوم خططاً لضرب العراق، كلّ هؤلاء كانوا يفكرون بطريقة استراتيجية جغرافياً. كان الكون كله يقع ضمن خططهم. كما كانوا مغرمين بالجيش الأميركي، ورومانسيين في ما يتعلق بما يمكن هذا الجيش أن يفعله. كانوا يؤمنون بأنّ الجيش الأقوى والأكثر تطوراً على وجه الكوكب، يمكنه أن يصدم ويرعب أيّاً كان ويخضعه، من دون مساعدة من أحد.
كانوا محاربين غير نادمين، حتى مع زوال الاتحاد السوفياتي قبل عقد، كانوا متلهفين لدحر حدود روسيا وتأثيرها، وخصوصاً في آسيا الوسطى الغنية بالنفط. وكانوا يريدون تحويل هذه الإمبراطورية إلى دولة من مستوى ثانٍ أو ثالث، دون أهمية مستقبلية بالنسبة للولايات المتحدة. كانوا متلهفين لمحاصرة إيران بقواعد عسكرية، والقضاء على الملالي. كان القول الأشهر وقتها: «الكل يريد الذهاب إلى بغداد، الرجال الحقيقيون يذهبون إلى طهران». بوجود رئيس ونائب له كانا موظفين مهمين سابقين في شركات نفطية، ومستشارة للأمن القومي أطلقت شيفرون اسمها على ناقلة نفط، كانت الفكرة الأكثر جاذبيةً مسألة تدفقات الطاقة وكيفية التحكم بها.
لم يكن في عقولهم موضوع أقل من خلق باكس أميركانا (فترة سلام عالمية تفرضها أميركا) مستقبلي في الخارج، وباكس جمهوري (سيطرة جمهورية على الحياة السياسية الداخلية) في الداخل. وظنوا فعلاً أنّ هذا السلام يمكن فرضه بواسطة صاروخ كروز. وبما أنّهم تعرضوا هم أنفسهم للصدم والرعب في 11 أيلول، كانوا أكثر من جاهزين لرد الخدمة، لاستخدام «بيرل هاربور القرن الواحد والعشرين» كعذر للقيام بأفظع ما يمكنهم، ومن ضمنه كما تبجحوا وقتها، استهداف ستين دولة. هذه الدول تركزت خصوصاً في المنطقة التي كانوا يحبون تسميتها «قوس عدم الاستقرار» (قلب النفط في العالم) حيث يفترض أنّ الإرهابيين يسرحون ويمرحون. لم يكن هناك شيء كبير عليهم.
من الواضح أنّهم وجدوا فرصة العمر، وتشبثوا بها لأنّهم وصوليون، وبدا في البداية أنّهم على الطريق الصحيح. كانت النتيجة «انتصارين»، كلّ منهما أنجز في ظرف أسابيع وعلى بعد سنة ونصف الواحد من الآخر. اختفى طالبان في جزء من الثانية، ودفع بن لادن إلى الاختباء تحت الأرض، وصدام حسين أصبح في مزبلة التاريخ. بدا كأنّ ما حصل معجزة القوة العسكرية الحديثة. من يستطيع الآن أن يقاومهم؟ كان الجواب واضحاً: لا أحد.
القوات المعارضة التي بقيت في أفغانستان والعراق كانت كذباب يجب سحقه. فأرسلوا نخبتهم إلى كابول وبغداد للتنظيف والترتيب، ما عنى خصوصاً في حالة العراق، تفكيك الجيش الوطني، تخصيص الاقتصاد، وفتح صناعة النفط في أكثر المناطق غنىً بالبترول في العالم لشركات النفط المتعددة الجنسية العملاقة (تحديداً أميركية). في هذا الوقت، بنى البنتاغون قواعد عسكرية وحصّن البلدين بالمواقع إلى أبد الآبدين. الملفات الرسمية التي كتبوها أحياناً باسم العراقيين «المتحررين» حديثاً كانت نسخة عن أحلام القرن التاسع عشر الإمبريالية.
عندما اصطدموا بالواقع، كانوا يتطلّعون إلى المستقبل. كانوا سيهاجمون سوريا، ويجعلون إيران تركع، وأوبك والسعودية تزحفان (بواسطة زيادة الإنتاج العراقي من النفط)، سحق الصين، وبالطبع التغلب على الإرهابيين أيضاً.
كان هذا الحلم هو الحسابات الخاطئة والكابوس بالنسبة إلى الباقين من أمثالنا! مات حتى اليوم مئات الآلاف (ربما أكثر)، ملايين اللاجئين، الحرب مستمرة، منطقة النفط الغنية غير مستقرة، وبالطبع تجفيف الموارد الأميركية في حربين كبيرتين (وصراعات خفيفة أخرى) صرف عليها حوالى تريليون دولار مع تريليون آخر سيذهب هباء.
أين نحن بعد ثماني سنوات؟ استفاد الصينيون، الروس، الماليزيون، وغيرهم من الأحلام النفطية تلك. وفي العراق ومناطق أخرى، ترجموها إلى نجاحات من دون أن يصرفوا سنتاً واحداً على الحرب. عاد الروس إلى آسيا الوسطى. يرسل الصينيون الآن نفط آسيا الوسطى نحو الصين عبر خطوط أنابيب افتتحت حديثاً. في هذا الوقت، نال عمالقة النفط الأميركيون قليلاً من المغانم.
الجيش الأميركي منهار، وقد سخر تمردان صغيران لا يزيد عدد أفراد كلّ منهما على عشرات الآلاف، من هذا الجيش الذي من المفترض أنّ قوته ستصدم وترعب أيّاً كان. المهزلة الأخيرة كانت ما نقلته صحيفة «وول ستريت جورنال» من أنّ المتمردين خرقوا أكثر الأسلحة المتطورة التي يملكها البنتاغون، وهي بثّ حي من الطائرات الصغيرة من دون طيار بواسطة قطعة روسية الصنع اشتروها بـ 26 دولاراً.
أي عندما تمكن القادة الأميركيون في فيرجينيا أو نيفادا أو أماكن سرية في الشرق الأوسط من الاطّلاع بواسطة ملايين الدولارات على صور المناطق التي يمكن قصفها، كان العراقيون وربما الأفغان الإرهابيون وأعضاء الميليشيات يشاهدون هذه الصور على حواسيبهم المحمولة.
بعد ثماني سنوات، أصبح مكان أحلام إدارة بوش بـ«الباكس أميركانا» ونظيره المحلي، في مزبلة التاريخ مع صدام حسين. وكلّ الأفكار الكبيرة التي رافقت الحربين الكارثتين ذهبت هباءً. لكن في البلدين، تبقى القواعد العملاقة كندوب في الأرض، كما هي الحروب. لن تدخل التاريخ هي أيضاً. ليس بعد على كل حال. تستمر حروبنا بدون قافية ولا منطق. ومن بين من يقرر سياسة أميركا، العسكرية والمدنية منها، لم يتصل أحد منهم بتميم أنصاري أينما كان. لا ينفع أن يكون المرء محقّاً في عالمنا هذا.
لا أريد أن أدّعي بالطبع، أنّه لم تقدم أية أسباب أو تفسيرات لحروبنا. فهناك أسامة بن لادن، كما ذكّرنا الرئيس أوباما أخيراً. لا يعرف أحد في عالمنا أين هو، أو في هذه اللحظة إن كان موجوداً. لكن إذا كان لا يزال موجوداً، فلا بد أنّه يرقص فرحاً. فرغم أنّه لا يملك سوى بضع مئات من المناصرين، كما يقال، في أفغانستان، ومئات غيرهم في باكستان (وفق أفضل حسابات إدارة أوباما)، استطاع إدخال أميركا الإمبريالية في مستنقع قبائل وسط وجنوب آسيا.
إلى جانب الضرر الذي سبّبه في 11 أيلول، ساعد بن لادن على تكبيد الولايات المتحدة تريليون دولار في تكاليف الحرب، والرقم إلى ارتفاع. «وجوده» يؤمن لإدارة أوباما أن تستمر في جنون السنوات الثماني الماضية عبر محاولة زعزعة استقرار باكستان النووية بواسطة هجمات جوية على مقاطعة بلوشستان المضطربة حيث يفترض أنّ قيادة طالبان تختبئ.
لو تم تقديم سيناريو كهذا في 2002 أو 2003 (أي بضع مئات من الإرهابيين يربطوننا في حرب بتريليون دولار)، لكنت ستجبر على ترك البلاد والتخلي عن منصبك، لكنّنا نستطيع القول إنّ ما يحدث الآن هو نصر لبن لادن أكبر من هجمات 11 أيلول. وأسوأ ما في الأمر في فترة الأعياد هذه هو عندما أنظر إلى ظلمة عام 2010، لا أرى إلّا إشارات لحرب لن تنتهي. وفي ما يتعلق بصنع السلام العام المقبل، انسوا الموضوع.

2010: عام دون معنى

دعونا نأخذ كلّ واحدة من الحروب على حدة.
هذا ما نعرفه في أفغانستان. سيرسل الرئيس على الأقل 30000 جندي إضافي إلى هذا البلد مع حوالى 56000 متعهد خاص وأعداد إضافية من الموظفين الرسميين المدنيين. تحوّلت الستة أشهر التي أُعلن أنّ الزيادة في عدد الجنود تحتاجها إلى أحد عشر أو اثني عشر شهراً إذا سارت الأمور على ما يرام، كما قال الجنرال المسؤول. هذا يعني أنّ إرسال الجنود الإضافيين سيستمر حتى تشرين الثاني المقبل. وكانت إدارة أوباما قد أعلنت أنّها لن تفكر في البدء بما سمّاه وزير الدفاع روبرت غايتز «مراجعة عميقة لما نفعله» في أفغانستان إلا في كانون الأول 2010. وهذه عملية إذا قارناها بآخر مداولات رئاسية قد تستمر شهوراً. بمعنى آخر الحرب بشكلها الحالي التصاعدي هي ما يجب توقّعه في 2010.
بالإضافة إلى ذلك، طمأن السفير الأميركي في أفغانستان كارل إيكنبيري الأفغان بأنّ تموز 2011، التاريخ الذي أعلنه الرئيس لبداية سحب القوات الأميركية، ليس مهلة من أيّ نوع. ووفق الصحافي تيموثي داي، فإنّ إيكنبيري أصر على أنّ «وجوداً عسكرياً أميركياً كبيراً سيبقى في أفغانستان بعد تموز 2011 بفترة
طويلة».
في العراق، من جهة أخرى، الحرب تنتهي رسمياً. في آخر شهور عهد بوش، فاوضت الولايات المتحدة على اتفاقية مع حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لسحب كلّ «قواتها الحربية» حتى آب 2010 وباقي القوات بحلول نهاية 2011. منذ ذلك الحين، كانت المراوغة من الجانبين، هي أمر اليوم.
بدايةً، بمعنى أو بآخر، كلّ القوات هي قوات «قتالية». لكن اتضح أنّ بعض هؤلاء بات يطلق عليهم اسم «مستشارين» أو «مدربين». ترك هذا الأمر بعضاً من المرونة لجهة من سيتم سحبه في آب المقبل. وفي ما يتعلق بكلّ القوات، وبما أنّه لا يعطى للأمر كثير من الأهمية في الإعلام، بدأ نسج الخطط هناك أيضاً. خلال زيارة إلى العراق أخيراً، نجح غايتز في تحييد المهلة كتاريخ ذات أهمية، مقابل السعي إلى الترويج لاحتلال أصغر للعراق لا ينتهي. يمكن أن يحصل كما كتبت إليزابيث بوميلير في الـ«نيويورك تايمز». إذ قالت إنّ وزير الدفاع تحدث خلال الزيارة عن الالتزام الأميركي في العراق، قائلاً إنّ الإدارة تتوقع بقاء بعض القوات في مهمات استشارية في عراق ما بعد 2011، المهلة التي يجب أن ينسحب فيها الجيش الأميركي. «لن أستغرب إذا تم توقيع اتفاقيات بيننا وبين العراقيين لاستمرار دور «تدريب، تجهيز ونصح» ما بعد 2011» قال السيد غايتز. وأضاف «أشك في أنّ العراقيين سيكون لهم مصلحة في ذلك مع دخولنا في عام 2011».
إذاً اشطبوا عام 2010 من قائمة واشنطن الخاصة بالعراق. وفي ما يتعلق بعام 2012، تخيّلوا آلافاً أو ربما عشرات الآلاف من «المستشارين» و«الناصحين» الأميركيين (وليس «القوات العسكرية») على بعض هذه القواعد العملاقة التي بناها البنتاغون. راقبوا على نحو خاص قاعدة بلد الجوية (بما أنّ الأميركيين لم يساعدوا عن قصد الجيش العراقي على بناء سلاح جو حقيقي) ومخيم فيكتوري (النصر) في أطراف بغداد. عند تسليم هذه القواعد إلى العراقيين يصبح «الانسحاب» حقيقة معقولة. لا تنسوا أنّ إدارة بوش، عندما كانت تحضّر لاحتلال العراق، توقعت دائماً أن يتم الانسحاب مع ترك 30000 جندي سيتمركزون في قواعد أميركية خاصة بعيدة عن الأعين لمدة طويلة.
عندما يقول غايتز هذا الكلام، لا يكون الأمر عابراً. إذ ما يسمى اليوم «حرب أوباما» يمكن تسميتها «حرب غايتز»، كما تنطبق التسمية على الحرب في العراق التي يحاول أوباما إنهاءها. تم وضع السياسات الأساسية لكلا البلدين خلال الأشهر الأخيرة من إدارة بوش حين كان يصعد نجم غايتز الذي كان يومها، كما هو الآن، وزيراً للدفاع. أول 11000 جندي إضافي في عهد أوباما كانوا مقررين من قبل إدارة بوش، حتى لو أنّهم لم يتوجهوا إلى أفغانستان إلا في بداية عهد أوباما.

تتوقع الإدارة الأميركية بقاء بعض القوات في مهمات استشارية في عراق ما بعد 2011
على نحو مماثل، نجد أنّ ميزانية البنتاغون التي أشرف عليها غايتز قبل وصول أوباما، هي أكبر من أيام عهد بوش، هذا من دون احتساب المبالغ الإضافية لتمويل الزيادة في أفغانستان التي تقدر بين 30 و40 مليار دولار، وهناك احتمال أن تزيد وستقدم إلى الكونغرس العام المقبل. الاستراتيجية العسكرية «الجديدة» لخوض حروبنا المناهضة للتمرد ليست اختراعاً من عهد أوباما أيضاً. هي طفلة الجنرال المفضل لدى بوش، ومسؤول اجتياح العراق دايفيد بترايوس. رقّي هذا الأخير إلى منصب مسؤول القيادة الوسطى من قبل بوش، وهو اليوم الشخصية العسكرية الأبرز التي تشرف على حربينا في الشرق الأوسط الكبير. بمعنى آخر، في سياسة الحرب، تبدو الاستمرارية بين عهد تشيني وبوش من جهة، وأوباما من جهة ثانية، مدهشة. وبما أنّ غايتز وبترايوس يتوليان مناصب مهمة جداً، فإن هذا الأمر ليس مفاجئاً وحسب، بل محبط أيضاً.
هؤلاء رجال يحضّرون «للحرب المقبلة». وبهذا المعنى، أفغانستان هي أيضاً مختبرنا الأساسي للأسلحة والمفاهيم التي ستجعل الصراعات المقبلة حيوية. سماؤها وقراها هي أرض الاختبار لحروب لا تنتهي على الطريقة الأميركية.
حتى دون المفكّرين الجيوسياسيين من إدارة بوش، ودون مجموعة الأسباب الموجبة، فإن للحرب قوة في ذاتها. إذ لديها في بلدنا مجموعتها الخاصة من المصالح القوية، لوبياتها والمتحمسون لها، صانعو الأسلحة الأقوياء، صانعو القوانين، المخططون والحالمون. لديها قوتها الدافعة الخاصة بها. بعد فترة يبدو أنّها لا تعود بحاجة إلى تفسيرات لتستمر. هي ذاتية الدفع.
كلّ ما يحصل في العالم الأميركي للحروب، أصبح بلا معنى، وليس حتى في حدود ما يفهمه سمسارو القوة في واشنطن. هم ونحن وقعنا في قبضة كابوس، وما من شيء يستطيع إيقاظنا. هذا هو عالمنا الأميركي، وميلاد مجيد وعام سعيد لكم...
* عن «ذا نايشن»: مجلة أسبوعية يسارية (ترجمة ديما شريف)