حسام كنفانييكاد المشهد أن يكتمل. مشهد إعادة الحركة السياسيّة إلى الملف التفاوضي على المسار الفلسطيني. الإخراج أميركي، والمساعدة مصريّة. المساعد هدفه فلسطيني، حتى لو أوحى أحمد أبو الغيط بغير ذلك. أساساً هذا هو الدور الذي تتقنه القاهرة في المرحلة الحالية. هي عاجزة إزاء رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. منفسها الوحيد هو الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس.
قام أبو الغيط ومدير الاستخبارات عمر سليمان بزيارتهما إلى واشنطن. تشاورا وقدما اقتراحات واستمعا إلى المعطيات الأميركية. لم يعودا خاليي الوفاض، لكنهما أيضاً لم يحققا «منجزات عربية» في المحافل الأميركية.
الواضح أن المسؤولَين عادا بمهمّة محدّدة: إقناع محمود عبّاس بالجلوس مجدّداً إلى الطاولة. جلوس ضروري لإتمام الفصل الأول من المشهد على الساحة الفلسطينية. وفعلاً لم تتأخر القاهرة في مباشرة المهمة بأشكال متعدّدة، عبّر عنها أبو الغيط في مقابلته مع «البيت بيتك» على التلفزيون المصري، إضافة إلى تسريب مداولاته مع عدد من الوزراء الأوروبيين في القاهرة.
خرج علينا أبو الغيط بمواقف جديدة عن «إعطاء فرصة لنتنياهو»، ولا سيما بعد تسريب أن الأخير وعد بدراسة قبول «قدس عربية». النفي الإسرائيلي لا يخفّف من الاندفاعة المصريّة، ولا سيما أن مقابلة الوزير لم تتحدث عن قدس عربية، وهو المشروع الذي تقدّم به في واشنطن، ولاقى اهتماماً، حسب قوله.
مشروع لا يتحدث عن مدينة فلسطينية أو عربية أو إسرائيلية، وذلك حتى «لا نضع العقدة في المنشار». هو يريد مدينة مفتوحة تكون عاصمة للدولتين، بمجلس حكم مشترك، على أن تكون السيادة الفلسطينية على أحياء القدس الشرقية المحتلة. أبو الغيط تجنّب الحديث عن ترسيم حدود في المدينة أو عن الأماكن المقدّسة فيها، التي شكّلت في السابق معضلة في مفاوضات كامب ديفيد، وأدت إلى فشلها.
لكن المشروع المصري قد يكون مناسباً لبنيامين نتنياهو، الذي رفض دوماً «تقسيم القدس». فجاءت الخطّة، المتكاملة مع مشروع العشرة أشهر الأميركي، لتقدّم إلى نتنياهو المخرج المناسب. مخرج يشمل القدس ضمن حدود التسوية من دون تقسيم.
المخارج المصريّة لم تقف عند حدود القدس، فالقاهرة أيضاً لديها «حلّ» لموضوع اللاجئين. حلّ قد يستسيغه نتنياهو أيضاً. الوزير المصري تكفّل بشرح المبادرة العربية في ما يخص اللاجئين. لم يأت على سيرة العودة. طالب فقط باعتراف إسرائيلي عن «المسؤولية التاريخية» في المأساة. اعتراف مجّاني لا تستتبعه أي التزامات تجاه الشتات الفلسطيني.
ولتكتمل الصورة، خرج الصف الإسرائيلي بالشروط الخمسة التي عرضها أبو الغيط على الوزراء الأوروبيين لاستبدال شرط محمود عبّاس بتجميد الاستيطان، الذي قلّل الوزير المصري من أهميّته باعتبار أنه «لم يكن يوماً من المطالب الفلسطينية الأساسية للتفاوض».
الشروط الخمسة الجديدة سهلة نسبيّاً لنتنياهو، ولا ترقى إلى مستوى التجميد الاستيطاني، الذي يحظى بمعارضة داخليّة إسرائيلية، على عكس «وقف التصفيات، وتخفيف الحصار عن قطاع غزة، وإعادة ترتيب المناطق أ وب في الضفة، والإفراج عن بعض الأسرى الفلسطينيين للسلطة، وإزالة حواجز في الضفة».
كلها معطيّات تشير إلى الدور المنوط بمصر أميركيّاً. دور يختصر بفكرة تسهيل التنازل الفلسطيني، ومن ورائه العربي، لإمرار المشروع الأميركي.
السيناريو لا يكتمل إلا ببعض الحراك على المسار الفلسطيني، وربما التنازل أيضاً، باعتبار أن «إنهاء الانقسام» يصبح ضرورة مكمّلة للمشهد العام في خطط التسويّة.
على هذا الأساس، جاءت جولة خالد مشعل الخليجية، بعدما فتحت له الرياض أبوابها. جولة من غير المستبعد أن تقوده إلى القاهرة، وربما فتح الورقة المصرية لإدخال العناصر السياسية إليها، كما تطالب حركة «حماس».
عناصر قد لا ترى القاهرة ضيراً في إضافتها، ولو صوريّاً، حتى يكتمل المشهد العام للفيلم الأميركي ـــــ المصري. فيلم قد لا يطول كثيراً، ولا سيما أنه سيكون قائماً على أسس وهمية، في حال نجاح المساعي المصريّة. أسس تبدأ من القدس ولا تنتهي عند اللاجئين، لتشير إلى جملة من الضمانات الافتراضية لن تلبث أن تسقط عند المحك الفعلي، وعندها ستكون الـ«end game»، وهي العبارة التي لا يترك أبو الغيط مناسبة إلا يستخدمها للدلالة على الأسس التي يجب أن تقوم عليها المفاوضات.
القاهرة ماضية في مساعيها، لا فرق بالنسبة إليها إن كان المشروع سينجح أو لا، ما يهمها فعلاً هو إحداث تكريس فعل الشراكة في المجهود الأميركي، وإثبات أنها لا تزال فاعلة في الملف، حتى ولو على حساب الفلسطينيين.