خالد صاغيةأطلق الرئيس سعد الحريري في جلسة مجلس الوزراء، أوّل من أمس، هجوماً استباقيّاً لإمرار رؤيته لمشروع الموازنة. قال كلاماً كبيراً عن حكومة الوحدة الوطنيّة يوحي كأنّ حكومة كهذه لا يمكنها الاستمرار ما لم يبصم شركاؤه فيها على كلّ اقتراحاته في الشأنين الاقتصادي والاجتماعي. هكذا فهم الشراكة، وهكذا أعاد فهمها بعد زيارة دمشق. وفي غمرة دفاعه عن طروحاته، مزج الحريري مزجاً عشوائيّاً بين التزام الحكومة بأولويّات الناس وفرض الضرائب على أولئك الناس أنفسهم.
فقد بات أيّ صوت يرتفع في وجه زيادة الضرائب كأنّه خيانة لمطالب الناس، بدلاً من أن يكون دفاعاً عن مصالحهم. أو كأنّه عرقلة لمشروع الإصلاح لحكومة الحريري، بدلاً من أن يكون محاولة لوضعه على سكّة صلبة. وهذا، على ما يبدو، نابع من البعد عن هموم الناس، وعدم القدرة على تحسّسها، نتيجة التاريخ الطويل لملاعق الذهب والقصور العاجيّة. أحد ما يجب أن يرشد بعض القوم إلى أرض الواقع، حيث الضريبة على القيمة المضافة مثلاً تؤثّر في المستوى المعيشي للأسرة اللبنانية. أيّ مسؤول يوقّع زيادة هذه الضريبة، يجب أن يعلم أنّه في اللحظة نفسها التي يلامس فيها قلمه الورقة، فإنّ عائلات على امتداد هذا الوطن وطوائفه ستنحدر على السلّم المعيشي. وهذه حقيقة علميّة لا علاقة لها بالمزايدات والنكايات وصفقات ما تحت الطاولة وما فوقها.
وعلى عكس الاتّهامات التي رافقت شكوى الحريري، فإنّه ما من إشارات جدّية حتّى الساعة إلى أنّ أطرافاً كحزب اللّه أو التيّار الوطني الحرّ ستلتزم الدفاع عن الخط الأحمر المعيشي، حتّى النهاية. والواقع أنّ هذين الطرفين الرئيسيين في المعارضة السابقة باتا يراعيان أموراً كثيرة. إلّا أنّ ثمّة ما لا يمكن التنازل عنه. فالتخلّي عن الضغط من أجل الإصلاح المالي يضع التيّار في موقع نقيض لمصالح الطبقة الوسطى التي تكوّن عماده. كما أنّ رضوخ حزب اللّه للابتزاز يُسقط عنه تمثيله لفئة كبيرة من «الغلابة». كما يطيح ذلك جزءاً من هوّيته. فالحزب الإسلامي الذي يروقه النظر إلى نفسه باعتباره ثورياً، لا يمكنه أن يقاوم الاحتلال بيده اليمنى، وأن يوقّع صكوك براءة للنيوليبرالية بيده اليسرى.
آن الأوان كي تبحث الحكومة عن مصادر للدخل بعيداً من جيوب الفقراء.