حسان الزينيفتح تجدّد نقد البطريرك نصر الله صفير سلاحَ حزب الله ودعوته إلى إيجاد حل له، ثغرةً في طاولة الحوار بشأن الاستراتيجية الدفاعية. حقّق البطريرك إصابته المباشرة لكونه رامياً سياسيّاً، ولكون الحوار ثابتاً في مكانه. فالحوار يعمل وفق القواعد الكلاسيكية للجيوش، فيما يناقش سلاح المقاومة الذي لا يعتمد قاعدة الثبات والظهور وإعلان القدرات والخطط. ولعلّ البطريرك، وهو يستهدف حزب الله، لم يشأ التصويب على الحوار الذي «يُديره» الرئيس «التوافقي»، كي لا يحرجه، لكنّه أصابه.
يحمل تجاوز البطريرك الحوار وطاولته ومساحته، واستهداف حزب الله الكثير من الدلالات. منها القول إنّ الحوار شكلاني ويراوح مكانه، بل إنه يوفّر غطاءً للسلاح. وكي لا يَتّهم أو يُحرج رئيسي الجمهورية والحكومة، اندفع من فرنسا، وفي ظل غياب سمير جعجع عن جلسة الحوار، إلى الهجوم على حزب الله كحزب وعقيدة وعلاقات، وليس كسلاح أو كمقاومة وحسب.
أخرج البطريرك، بهذه الخطوة، الحوار عن سكّة البحث عن استراتيجية دفاعية، لكنه لم يضع له إشارات سير. وهذه من مشاكل الخطاب الذي يمثّله البطريرك، والذي يتولّى هو شخصيّاً الحفاظ عليه بعد وضعه من جانب سعد الحريري ووليد جنبلاط على الرفّ. فهذا الخطاب لا يتعدّى الهجوم على سلاح المقاومة ونقد حزب الله. لا يمتلك هذا الخطاب أفقاً حوارياً في شأن المقاومة وسلاحها. والاكتفاء ببعض الاقتراحات التقنية للسلاح دليل قصور هذا الخطاب وعجزه عن استيعاب «وطنيّة» المقاومة والحوار معها لا بهدف إنتاج استراتيجيّة دفاعيّة وحسب، وإنما للبحث في «الدولة والمواطن». والغريب أنّ أصحابه، بالتأكيد، يدركون أنّ السلاح مرتبط بالحالة الإقليمية، وبالصراع العربي ـــــ الإسرائيلي، ولعلّهم يدركون أيضاً أنه مرتبط بالتركيبة الداخلية.
قصور الخطاب حين يرتبط بمصالح مذهبيّة ورؤية خاصة للبنان عموماً، هو ما يجعل النظر إلى سلاح المقاومة باعتباره متربّصاً بلبنان وبالطوائف الأخرى غير الطائفة التي ينتمي إليها حزب الله. هذا تشخيص منطقي للسجال الذي يديره البطريرك في اللحظة الراهنة. في المقابل، لا يمكن إنكار أنّ لدى حزب الله رؤية للبنان الذي يشاؤه في توجّه إقليمي معيّن. وسكوته، أي حزب الله، عن مناقشة البطريرك حول نفسه وحول سلاحه، يزيد الأمور غموضاً وتوجّساً، ويوسّع الهوّة بين حزب الله والمقاومة من جهة، والآخرين من جهة أخرى. فمن الأجدى لحزب الله فتح الحوار مع البطريرك، والقفز فوق معطى التفاهم مع ميشال عون والتيار الوطني الحر. على الأقل، كي لا تُسقط عليه التجاذبات السياسية والخطابية في ساحة البطريرك ـــــ عون، وكي لا يبقى أسير العلاقات السورية على الساحة اللبنانية. علماً أنّ ذلك «حاجة» وطنية. فالحوار الجديّ بين حزب الله والبطريرك ينقل ـــــ إذا كانت الأهداف إيجابية ـــــ الكلام على المقاومة إلى مستوى أعلى، خارج العقم السياسي المحلي... إلى الوطني والقيمي. والمقاومة تحتاج إلى هذا، كما يحتاج إليه البطريرك، ولا سيّما إذا جرى النظر إلى هشاشة طاولة الحوار ومراوحتها في انتظار المعطى الإقليمي.
حزب الله والبطريرك، وخطاب كلّ منهما، بحاجة إلى الحوار والإنضاج. والبطريرك، بالرغم ممّا وجده حزب الله في تصريحاته الأخيرة من نقد وقسوة، فَتَحَ الباب. ليس في كلامه ما يوحي أنه فعل العكس. هو أعلن، في موقفه الأخير، أنه العنوان الذي على حزب الله محاورته، كما حدّد موضوع الحوار: حزب الله ولبنانيته ولبنان. وعلى حزب الله تلقّف النقد وتحويله مبادرة تتناول ما هو أوسع من السلاح والعناوين التي يطرحها البطريرك، تتناول المقاومة وموقع لبنان ومفهومه والنظام. في غير ذلك، يبقى حزب الله عرضةً وهدفاً وأسير التحالفات السياسية وتجاذباتها، وتحت «خط فقر» الخطاب النقدي.
لم يقدّم حزب الله تجربة حوار شفّاف، لأسباب خاصّة به ولأسلوب خاص به أيضاً، يفضل هذا الحزب "الحوار" السرّي على الكلام العلني. وبالتأكيد، يمكنه أن يقدّم عشرات الأسباب لعدم انفتاحه الحواري على البطريرك وبكركي. لكن، كلّها لن تنفع إذا لم يقم بالحوار. فالأسباب تلك لن تكون أكثر من "تبرير" لسياسة راهنة... بل هو التبرير إخفاء لعدم قبول الآخر والسعي معه لإنتاج مشروع الدولة.