حضور الخارج
يمثّل العامل الإقليمي والدولي عنصراً محدّداً رئيساً في المشهد الانتخابي، فيما لا يبدو أن لدى تلك الأطراف رؤية إلى استحقاق 24 كانون الأوّل أبعد من كونه هدفاً في ذاته، لا وسيلة لإنجاز انتقال سلس على المدى البعيد، يتيح بدء العمل على إعادة بناء الدولة. فعلى سبيل المثال، لم تتجاوز تصريحات وزير الخارجية الإيطالي، لويجي دي مايو، خلال افتتاح «منتدى حوار المتوسط» (الـ3 من الجاري)، حدود دعوة «جميع اللاعبين الليبيين إلى الالتزام بعملية حرّة ونزيهة وشاملة»، فيما بدا، من خلال الاجتماع الذي ضمّ وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى نظيره الروسي، سيرغي لافروف، في ستوكهولم في اليوم نفسه، أن ثمّة توافقاً بين البلدين على المُضيّ قُدُماً في الانتخابات، ورهْن موقفهما المستقبلي بمخرجاتها. وفوق هذا الغموض، يُضاف التهديد الأمني الذي لا يزال ماثلاً، إذ إن تراجُع انتهاكات حظر السلاح على ليبيا في العام الحالي مقارنة بعام 2020، وفق ما لاحظ تقرير أممي مطلع الشهر الحالي، لم يَحُل دون «الوجود المستمرّ» للمقاتلين الأجانب، بينما أكد خبراء مكلّفون بمراقبة الحظر (في تقرير سرّي سُلّم إلى مجلس الأمن) أن ذلك الإجراء «لا يزال غير فعّال على نحو كامل»، وأن غالبية أرجاء ليبيا لا تزال خاضعة لسيطرة «جماعات مسلحة».
يمثّل العامل الإقليمي والدولي عنصراً محدّداً رئيساً في المشهد الانتخابي
ومن بين العناوين الرئيسة للملفّ الأمني - العسكري، الوجود التركي على الأراضي الليبية، والذي توجّهت اللجنة العسكرية المشتركة «5+5»، بصحبة وفد من الأمم المتحدة، إلى أنقرة لبحثه، قبيل مغادرتها إلى موسكو لبحْث المسألة نفسها. وبينما أبدت تركيا استعدادها لمغادرة ليبيا، «شرْط أن يتمّ سحْب قوات جميع المعنيين في الوقت نفسه»، برز موقف إماراتي - فرنسي لافت بالتشديد على ضرورة «انسحاب المرتزقة من ليبيا»، وذلك بعدما تمكّنت فرنسا، خلال زيارة رئيسها إيمانويل ماكرون لأبو ظبي (3 كانون الأول)، من تأمين أكبر طلب مشتريات لطائراتها الـ«رافال» والـ«كاراكال» بقيمة لا تقلّ عن 17 بليون يورو، في صفقة وصَفها ماكرون بأنها «أكبر عقد عسكري في تاريخنا». وتنبئ هذه الصفقة بأن التنسيق الفرنسي - الإماراتي الأمني في ليبيا وأفريقيا جنوب الصحراء، سيتعزّز بشكل كبير خلال المرحلة المقبلة، فيما يَظهر واضحاً أن واقع ما بعد الانتخابات الليبيبة سيكون محكوماً بتلك الترتيبات والتوافقات.
على المستوى الاقتصادي، وفي استمرار لنهج حكومة «الوفاق الوطني»، سارعت حكومة عبد الحميد الدبيبة، قبل الانتخابات، إلى إبرام عدد من الاتفاقات المرتبطة بمشروعات وخطط استثمارية مع أبرز الأطراف الفاعلة على الساحة الليبية. فعلى سبيل المثال، أعلنت مجموعة «جودري» الأميركية أنها ستتولّى مع شركة «Contractor Archirodon Construction» تصميم وتشييد ميناء سوسة (على بعد 240 كم شرقي مدينة بنغازي)، والذي يُعدّ أحد أهمّ موانئ البلاد، ويُتوقّع أن يكون له دور في عملية إعادة الإعمار. وفي توقيت متزامن، بدأت وزارة الصناعة والمعادن الليبية الاستعداد لدخول المستثمرين المصريين إلى ليبيا، للعمل في المناطق الصناعية وقطاع التعدين، بالاستفادة من خبرتهم في ذلك المجال. وإذا كان فتْح السوق الليبية أمام الاستثمارات الأميركية، في مثل هذا التوقيت، يكتسب دلالة على تمكّن حكومة الدبيبة من توثيق صلاتها على المستوى الدولي، فإن التعاون الليبي - المصري يؤشّر إلى استمرار انخفاض منسوب التوتر بين طرابلس والقاهرة إلى مستوياته الدنيا منذ سنوات، ما قد يصبّ في مصلحة أداء الدبيبة أيضاً في الانتخابات.