الجزائر | لم تعتمد الرئاسة الجزائرية، في بيانها الأخير، أسلوباً دبلوماسياً لدى الإشارة إلى خلافاتها مع المغرب؛ بل لجأت إلى التصريح مباشرةً بأن «النظام العلوي» أصبح يشكّل تهديداً على الوحدة الوطنية الجزائرية. وورد في اجتماع المجلس الأعلى للأمن الجزائري الذي يرأسه الرئيس عبد المجيد تبون، ويشارك فيه رئيس أركان الجيش الفريق سعيد شنقريحة، اتّهامٌ لـ«الحركة من أجل تقرير مصير منطقة القبائل»، «الماك»، وكذلك حركة «رشاد» التي تنشط من الخارج، بإشعال الحرائق التي تسبّبت في دمار هائل في منطقة القبائل التي تبعد نحو 120 كيلومتراً شمال شرق العاصمة. كما اتّهمت هذه الهيئة، تنظيم «الماك» بتدبير عملية حرق وسحل الشاب جمال بن سماعين التي كادت تتسبّب في فتنة عرقيّة بين الأمازيغ والعرب. وختمت بالإشارة إلى أن «الماك» «تتلقّى الدعم والمساعدة من أطراف أجنبية، وخاصة المغرب والكيان الصهيوني»، وأبرزت أن الأفعال العدائية المتكرّرة من طرف المغرب ضدّ الجزائر «تطلبت إعادة النظر في العلاقات بين البلدين وتكثيف المراقبة الأمنية على الحدود الغربية».لم يَعُد خافياً الدعم الذي يقدّمه المغرب لانفصاليّي «الماك» الذي يقوده فرحات مهني من مقرّ إقامته في باريس. واعترف هذا البلد الجار بنفسه بذلك، عندما طرح سفيره لدى الأمم المتحدة، قبل أسابيع، مذكّرة، في اجتماع لدول «حركة عدم الانحياز»، يطالب فيها بحقّ تقرير مصير «الشعب القبائلي»، واصفاً الجزائر بالقوّة المستعمرة، في خطاب غير مسبوق في تاريخ الدبلوماسية المغربية، ما حدا بالجزائر إلى طلب توضيحات حول هذه الخطوة، لكنّها لم تلقَ ردّاً، فقامت بسحب سفيرها من المغرب. وعلى رغم محاولة الملك المغربي، محمد السادس، في خطابه ما قبل الأخير، تلطيف الأجواء ومخاطبة الجزائريين بأن بلاده لا تريد السوء لجيرانها، إلّا أن السلطات الجزائرية لم تغفر للمغرب محاولة اختلاق قضيّة انفصالية على أراضيها، رافضة أيّ منطق يساوي بين قضية الصحراء الغربية المدرجة في الأمم المتحدة تحت ملفّ تصفية الاستعمار، وبين منطقة القبائل التي تُعدّ جزءاً أصيلاً من الجزائر، وكانت في طليعة عملية التحرّر ضدّ المستعمر الفرنسي.
مع أن التوتّر بين البلدين بلغ ذروته، إلّا أن أحداً لا يتوقّع تطوّر المسألة إلى مواجهة عسكرية


ويسود اعتقاد في الجزائر، بأن المغرب لم يكن ليجرؤ على طرح قضيّة انفصال القبائل، لولا شعوره بالحماية في الفترة الأخيرة بعد انخراطه في ما سُمّي «صفقة القرن»، وإقامته علاقات كاملة مع إسرائيل. وتنظر الطبقة السياسية الجزائرية بريبة كبيرة، إلى هذه العلاقات، خاصة بعد تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد، الذي تحدّث من المغرب، في آخر زيارة له، عن شعور الكيان الصهيوني بالقلق ممَّا وصفه بـ«التقارب بين الجزائر وإيران». واعتُبر هذا الكلام بمثابة رسالة تهديد للجزائر من إسرائيل التي تتمسّك برفض أيّ شكل من أشكال العلاقة معها، بخلاف الكثير من الدول العربية التي انخرطت في موجة التطبيع الأخيرة. وتحذّر الكثير من التحاليل التي تنشرها وسائل الإعلام الجزائرية، من اختراق صهيوني للمنطقة، واتخاذ المغرب موطئ قدم لاستهداف الجزائر، بينما لا يكفّ رئيس أركان الجيش، في كل خطاباته، عن الحديث عن وجود مؤامرات يتمّ إعدادها لاستهداف البلاد. وما عزّز من هذا الطرح، فضيحة برنامج التجسّس الإسرائيلي «بيغاسوس» الذي كانت الجزائر أكبر ضحاياه، إذ من بين 50 ألف هاتف في العالم تمّ التنصت عليه، وفق التحقيق الذي نشرته وسائل إعلام عالمية، هناك 6 آلاف رقم لجزائريين، بينهم مسؤولون سياسيون وعسكريون على أعلى مستوى، بل حتى شخصيات من المعارضة الجزائرية. وبحسب ما نشرته صحيفة «لوموند» المشاركة في التحقيق، فإن المغرب كان يراقب عن كثب الجزائر عبر برنامج «بيغاسوس»، وهو ما دفع القضاء الجزائري إلى فتح تحقيق في القضيّة، بينما توعّدت الخارجية الجزائرية بالردّ، على اعتبار أن ما جرى الكشف عنه «عمل مناقض كليّاً لمبدأ حسن الجوار». وتزامنت عملية اختراق الهواتف التي تورّط فيها المغرب، مع بداية الحراك الشعبي في الجزائر عام 2019، ما دفع شخصيات جزائرية، مثل الوزير السابق عبد العزيز رحابي، إلى اتهام المغرب بأنه كان يراهن على سقوط الدولة الجزائرية خلال تلك الفترة.
ومع أن التوتّر بين البلدين بلغ ذروته، إلّا أن أحداً لا يتوقّع تطوّر المسألة إلى مواجهة عسكرية، كون المنطقة لا تحتمل هذا النوع من السيناريوات، كما أن كلا النظامَين يعرف أزمات اقتصادية لا تحتمل تطوير النزاع. لذلك، تبقى خيارات المواجهة دبلوماسية أساساً؛ ففي الجزائر، يجري الحديث عن إمكانية قطع العلاقات الدبلوماسية وغلق المجال الجوي بين البلدين. من جانب آخر، تحضّر الجزائر للحدّ من تبادلها التجاري مع المغرب، من خلال وقف عبور الغاز عبر الأنبوب الذي يمرّ على أراضي المملكة في اتجاه إسبانيا. وتمتلك الجزائر أنبوب غاز مباشراً نحو إسبانيا عبر البحر المتوسط، تم تعزيز قدرته على النقل أخيراً، عبر إنشاء وصلة بينه وبين الأنبوب الذي يدخل الأراضي المغربية، تسمح بتفادي العبور من المغرب. ويُعدّ هذا القرار، في حال تمّ اعتماده، ضربة للاقتصاد المغربي الذي يعتمد على الغاز الجزائري في تنشيط محطّاته الكهربائية ومصانعه في شمال البلاد. وفي الواقع، لن تغيّر هذه الأحداث كثيراً في واقع العلاقات بين البلدين، التي تعاني من شبه قطيعة منذ عام 1994، تاريخ غلق الحدود بينهما، لكنها ستزيد من عمق الأزمة وستبقى منطقة المغرب العربي، بعيدة لسنوات طويلة أخرى، عن حلم الاتحاد الذي أجهضته الخلافات المزمنة بين الجزائر والمغرب.