تونس | بعد قرابة نصف شهر من القرارات الاستثنائية التي اتّخذها الرئيس التونسي، قيس سعيد، بناءً على تأويل للفصل الـ80 من الدستور لا يزال يثير الكثير من الجدل بين المؤيدين والمعارضين، تبرز مؤشرات تراجع في الحماسة لهذه القرارات في الأوساط السياسية والأكاديمية والثقافية، على اختلافها. مردّ ذلك إحجام سعيد، إلى الآن، عن إعلان أيّ خارطة طريق يمكن أن يعرف من خلالها التونسيون نوايا الرئيس المعروف بمعاداته للأحزاب، وإيمانه بـ«نظام مجالسي» شبيه بنظام «اللجان الشعبية» في ليبيا أيام الرئيس الراحل معمر القذافي، وهو الإيمان الذي عبّر عنه في أكثر من حوار خلال حملته الانتخابية قبل عامين. وتعزّزت هذه المخاوف مساء أوّل من أمس، بعدما مُنعت مسيرة بالسيارات لـ«الحزب الدستوري الحرّ» بينما كانت متوجّهة إلى قصر قرطاج، كما لم يتمّ الترخيص للحزب في عقد مؤتمره الثاني يومَي 13و14 آب الجاري، وهو ما أثار الكثير من ردود الفعل الرافضة، ليس من أنصار الحزب فحسب، ولا من زعيمته عبير موسي، بل حتى من ناشطين مستقلّين وسياسيين اعتبروا اتّخاذ تلك الإجراءات بحُجّة التدابير الاستثنائية «مؤشّراً سلبياً» إلى ما ينتظر البلاد مستقبلاً، على اعتبار أن «الاستثناء» يجب أن يُطبَّق على الجميع، وليس على حزب فقط، وهو ما لا يجري الأخذ به، في ظلّ السماح لمقرّبين من الرئيس (المجلس الأعلى للشباب وجمعية نزار الشعري) بتنظيم مسيرات مؤيّدة له.
مُنعت مسيرة بالسيارات لـ«الحزب الدستوري الحرّ» بينما كانت متوجّهة إلى قصر قرطاج

وفي الوقت الذي تتواصل فيه حملة المنع من السفر التي طالت وزراء وبرلمانيين ومحافظين ورجال أعمال وقضاة، وإجراءات الإقامة الجبرية بحقّ آخرين من دون أذون قضائية، يفاقم القلقَ غيابُ المعلومة الدقيقة الصادرة عن جهات رسمية، توازياً مع تأخّر سعيد في إعلان جدول زمني يمكن الاستئناس به، وهو ما قد يهدّد شعبيته المتزايدة في الشارع التونسي، بل إن البعض يعتبر أن هذا التأخير في وقت تُواجه فيه البلاد استحقاقات صحّية واقتصادية واجتماعية داهمة يصبّ في مصلحة خصوم الرئيس، وعلى رأسهم حركة «النهضة». إذ إن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمرّ إلى ما لا نهاية، علماً أن سقفه يوم الـ24 من آب، حين تنقضي مدّة القرارات الاستثنائية، فهل سيتواصل تجميد البرلمان أم سيعود إلى عمله؟ وعلى رغم استبشار التونسيين بتراجع انتشار «كوفيد - 19»، ونجاح «اليوم الوطني للتلقيح» في 8 آب، إلّا أن استمرار ذلك الغموض يولّد مخاوف من أن تكون تونس مرّة أخرى على أعتاب ديكتاتورية جديدة باسم «إبعاد الإسلام السياسي».