منذ إعلان المشير خليفة حفتر، الخميس الماضي، «الساعة الصفر» لدخول قلب العاصمة طرابلس، تزايدت التحركات والاتصالات الدولية بشأن ليبيا. وتأتي هذه التطورات في خضمّ تصاعد أهمية لاعبَين جديدَين في الملف الليبي، هما تركيا وروسيا، ما يستفزّ الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي باتت تشعر بأن الأوضاع في صدد الانفلات من بين أيديها. ضمن هذا السياق، وصل أمس وزير الخارجية الإيطالي، لويجي دي مايو، إلى طرابلس، ليقابل رئيس المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق» فائز السراج، ووزير الخارجية محمد الطاهر سيالة. لم تتسرّب معلومات كثيرة عن اللقاء، لكن بيان «الوفاق» قال إن دي مايو شدّد على عدم وجود حلّ عسكري، مجدداً دعم بلاده لجهود المبعوث الأممي إلى ليبيا، وأملها في أن يُحدث «مؤتمر برلين» توافقاً بين الدول المهتمة بالملف. بعد ظهر أمس، انتقل الوزير الإيطالي إلى شرق البلاد، حيث قابل المشير خليفة حفتر ورئيس البرلمان عقيلة صالح. وفي منشور على صفحته في «فايسبوك»، تعليقاً على زيارة دي مايو، قال وكيل وزارة الخارجية الإيطالية، مانيلو دي ستيفانو، «(إننا) يمكننا أن نكون جسراً بين الجهات الفاعلة المشاركة في هذه العملية (التهدئة)»، مضيفاً «(أننا) المُحاوِر الأكثر موثوقية بين الأوروبيين». وعلى النقيض من ذلك، رأت عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الإيطالي، ستيفانيا كراكسي، أن «القضية الليبية تمثّل التهميش التدريجي لبلادنا على الساحة الدولية ومنطقة المتوسط»، متابعة «(أننا) لا نعتبر جهة فاعلة حازمة... ولا يُنظر إلينا كوسطاء، وهو خطأ سندفع ثمنه غالياً».
أجرى الرئيسان التركي والروسي مكالمة هاتفية ناقشا فيها الملف الليبي


على خطّ موازٍ، تصاعدت حدّة التصريحات بين مصر وحكومة «الوفاق». كانت البداية قبل أيام عندما أدلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بتصريحات قال فيها إن بلاده تَجنّبت التدخل عسكرياً بشكل مباشر في ليبيا، على رغم أن ذلك كان متاحاً لها، منتقداً حكومة «الوفاق» التي اعتبرها «أسيرة للتشكيلات المسلحة والإرهابية». موقفٌ ردّت عليه «الوفاق» أول من أمس بإصدار بيان أكدت فيه أنها «تتفهّم حقّ الدولة المصرية في تحقيق أمنها القومي، (لكنها) لا تقبل بأيّ تهديد يمسّ السيادة الوطنية الليبية»، مُذكِّرة بجهودها في مقاومة تنظيم «داعش» في سرت عام 2016، ومعربة عن أملها في أن تلعب مصر «دوراً جوهرياً يحظى بثقة الجميع، في إطار دعم الاستقرار والسلم الأهلي بدلاً من دعم تشكيلات مسلحة خارجة عن الشرعية المعترف بها دولياً يقودها مجرم حرب قامت بالاعتداء على العاصمة». هذا البيان عاد الناطق باسم الخارجية المصرية، أحمد عبد الحافظ، ليردّ عليه عبر تغريدة على حسابه في «تويتر» تساءل فيها: «من هو المجلس الرئاسي الذي أصدر بياناً اليوم يتناول مصر؟ ما نعلمه أن ذلك المجلس مكوّن من 9 أشخاص، أين هم الآن؟»، وذلك في إشارة إلى انشقاق عدد من أعضاء المجلس عنه ومقاطعة آخرين له. وتُعدّ هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها الرئيس المصري بنبرة نقدية تجاه حكومة «الوفاق»، ويعلن بوضوح دعمه لحفتر والبرلمان المنعقد في شرق ليبيا. ويأتي هذا، على ما يبدو، كردّ فعل على اكتساب تركيا نفوذاً متزايداً في غرب ليبيا، بلغ ذروته مع توقيع مذكرتَي تفاهم حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين والتعاون الأمني والعسكري.
وفي سياق مرتبط، أجرى أمس الرئيسان التركي والروسي مكالمة هاتفية ناقشا فيها الملف الليبي. وأعلن المتحدث باسم الكرملن، ديميتري بيسكوف، أن الرئيسين سيتناولان الشهر المقبل عرض تركيا توفير دعم عسكري لحكومة «الوفاق»، مُجدّداً القول إن روسيا «تدعم أيّ جهود للدول لإيجاد حلّ للأزمة الليبية». وصار اسم روسيا يرتبط بليبيا في الأشهر الأخيرة، بعد صدور عدة تقارير إعلامية حول وجود مقاتلين روس من شركة «فاغنر» الخاصة يقدمون المشورة والدعم اللوجستي لقوات حفتر. وخلّفت تلك التقارير موجة نقد لروسيا، خاصة في الإدارة الأميركية التي تبدو منقسمة حول طريقة تدخلها في الملف، وتواصل حديثها إلى طرفي النزاع الليبي من دون إصدار مواقف واضحة. وتمثلت آخر التحركات الأميركية في هذا الإطار في عقد حوار اقتصادي جمع الطرفين في تونس، تواصل ليومين وانتهى أمس، وكان الهدف منه، وفق بيان للسفارة الأميركية، العمل على «دفع عجلة الإصلاحات الاقتصادية التي تهدف إلى معالجة التحدّيات والأسباب الأساسية للصراع».