تونس | يبدو أنّ تونس تقف على أرض سياسية متحرّكة، فنهاية الأسبوع الماضي كانت محمّلة بدلالات تفيد بأنّ الأزمة السياسية المتشابكة دخلت منعرجاً سيدفع كل الأطراف إلى وضع كلّ أوراقهم على طاولة قصر قرطاج. لكن يوم أمس، استؤنف ما يُعرف بـ«حوار قرطاج 2» الذي كان قد علّقه الرئيس الباجي قائد السبسي في نهاية أيار/ماي الماضي بعد الخلاف بخصوص النقطة 64 من «وثيقة قرطاج 2» التي تحدّد من سينفّذ الـ63 نقطة السابقة: رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد أم خلف له؟استبقت جميع الأطراف استئناف النقاشات بخصوص النقطة 64 التي ستنتج بالضرورة موقفاً حيال حفاظ الشاهد على قصر القصبة الحكومي أو مغادرته، بدقّ الطبول، بمن فيهم الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي الذي يحاول أن يلبس ثوب المُجمّع غير المشارك في ذلك الصراع. وكان الرئيس السبسي قد اختار اليوم السابق على عودة النقاشات لإجراء حوار مع «قناة نسمة» الخاصّة (التي صارت هيئة تنظيم الإعلام تعتبرها منذ أيام غير قانونيّة)، وهذا أمر لم يكن اعتباطياً، نظراً إلى الرسائل والمواقف التي أعلنها تجاه الشاب الذي دفعه في صيف 2016 من الصفّ الثاني لحركة «نداء تونس» إلى رئاسة الحكومة.
في أيار/ماي الماضي، كان الرئيس التونسي قد أوحى للجميع من خلال إيقافه جلسات «قرطاج 2» أنّه في صفّ الشاهد، خاصة أنّ ما نتج من توقيف الجلسات هو الإبقاء على الشاهد في موقعه وعدم الأخذ بتشبّث نجله حافظ قائد السبسي، وهو ممثّل «نداء تونس» في الجلسات، والأمين العام لـ«الاتحاد العام التونسيّ للشغل» نور الدين الطبوبي، بمطلب تنحية رئيس الحكومة (في مقابل مساندة «حركة النهضة» لبقائه). لكن في حواره المتلفز مساء أول من أمس، قلب رئيس الجمهورية الطاولة مجدداً على رئيس الحكومة، حين قال إنّ الوضع لا يمكن أن يستمر على ما هو عليه الآن لناحية التباين بين الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية حول الموقف من الحكومة.
يستعد الشاهد وبعض رفاقه في الحكومة لتأسيس حزب سياسي جديد


وإذا استمر هذا الوضع، فعلى رئيس الحكومة يوسف الشاهد، من وجهة نظر الرئيس التونسي المخضرم، إما الاستقالة أو الذهاب إلى مجلس النواب لطلب تجديد الثقة. وهنا حشر قائد السبسي يوسف الشاهد في زاوية، إذ إنّه قد يُقدّر أنّ تغيير «حركة النهضة» لموقفها من الشاهد أكثر رجاحة من أن تتحول مطالبة «اتحاد الشغل» ونجله حافظ بتنحيته إلى مساندته، خاصة بعد محاولات سحب البساط من تحت نجله من قبل قيادات في «نداء تونس» تدعم بقاء الشاهد في منصبه. وجدير بالذكر أنّ هذه النقطة لم يُغفلها رئيس الجمهورية خلال حواره مساء الأحد، فقد أعلن بصراحة مساندته لنجله، متّهماً أطرافاً بمحاولة شقّ صفوف «النداء»، وهذه رسالة مبطّنة موجّهة إلى رئيس الحكومة، وتفيد بأنّ الأب يقف في صفّ ابنه. وللتذكير أيضاً، الشاهد دخل بعد مطالبة «السبسي الابن» بإقالته، في حرب مفتوحة معه، وأقال وزير الداخلية المقرّب من حافظ قائد السبسي، واتهم الأخير في كلمة متلفزة بتخريب الحزب والتسبّب في هزائمه الانتخابية المتتالية.
الشاهد من جهته لم يعد ذلك الفتى المغمور الذي أُلقي به في صيف 2016 في القصبة التي لم يحلم بقصرها يوماً. الرجل أصبح صاحب تكتيك سياسي، وحاول خلال الفترة الماضية كسب ودّ «اتحاد الشغل» من جديد عبر تلبية كل مطالب المركزية النقابية القوية في تونس. كذلك قبل الشاهد يوم السبت الماضي استقالة وزيره للعلاقات مع البرلمان والهيئات الدستورية والمجتمع المدني مهدي بن غربية، الذي قال إنه سيكون المدافع عن الحكومة من خارجها، ولن يكون بدايةً من تاريخ استقالته مقيَّداً بواجب التحفّظ. وفعلاً انطلق صديق الشاهد ووزيره السابق في تنفيذ مهمّته، إذ هاجم في اليوم نفسه ابن الرئيس ووصفه في حوار مع صحيفة محليّة بـ«صاحب التصرّفات المعتوهة».
هذه «الاستقالة» ليست إلا تكليفاً بمهمّة، وإحدى الخطوات للتوجه نحو تأسيس حزب سياسي يكون إطاراً لتحقيق الشاهد وبعض رفاقه في القصبة (مثل الوزير المستقيل والناطق الرسمي باسم الحكومة إياد الدهماني) لطموحهم في مواصلة الحكم. والمكلّف بهذه الخطوة التي تمهّد لانتخابات 2019 هو الوزير المستقيل من الحكومة مهدي بن غربية، الذي كان الشاهد قد اختاره بنفسه في حكومته، برغم أن لا حزب ولا سند سياسياً وراءه. هذه الخطوة المندرجة ضمن أوراق الشاهد التي يلعبها، جعلته يدخل إلى قصر قرطاج أمس، ليفاوض على بقائه وليكون بمثابة الندّ السياسي لقائد السبسي، وقد خرج من الاجتماع محافظاً على تشبّث «حركة النهضة» به.