«لأول مرة في حياتي أقود السيارة بسرعة 100 كلم. بلغة أخرى، هي المرة الأولى التي أقود فيها بسرعة أقل من 140 كلم». عندما تقرأ تلك العبارة على صفحة أحدهم على موقع التواصل الاجتماعي (فايسبوك) وتفاجأ بأكثر من 300 «لايك» أسفلها، ستسأل نفسك من هو هذا الشخص الذي يفوق «توكل كرمان»، مثلاً، شعبية؟ هذا الشخص الذي حصد على عبارة كهذه إعجاب أكثر من 300 شخصٍ دفعة واحدة؟ ولكم أن تتخيلوا ماذا يعني ذلك. هذا الشخص الذي لم تعد تتسع صفحته الخاصة لمزيد من الأصدفاء، بعدما تخطى العدد المسموح به فايسبوكياً؟
الأكيد أن هذا الشخص، الذي ينال كل هذا الإعجاب، ليس زياد الرحباني ولا «الليدي غاغا» ولا محللاً سياسياً ولا صحافياً صار له من الخبرة عشرون عاماً مثلاً. هو ببساطة «نجم فايسبوكي» بدأ حياته الافتراضية بالصدفة.
تدرّج شيئاً فشيئاً. من التعليق «المهضوم» الذي يعجب الأصدقاء والمقربين، إلى التعليق الذي صار يحصد «بالمئة لايك وطلوع»، ليلامس في أحيانٍ كثيرة عتبة الألف.
وكلما زادت تلك «اللايكات»، صار هذا الشخص مصدر ثقة. هكذا، مثلاً، قد تجد تعليقاً على صفحة أحدهم، مصحوباً بكلمة «منقول» عن أحد نجم السوشل ميديا. وقد تصادف مثلاً من يسألك صباح كل يوم: «هل قرأت ما كتبه فلان على صفحته على الفايسبوك عن موضوع (...)؟
مهلاً، من هم هؤلاء؟ وكيف أصبحوا نجوماً؟ وكيف يتفاعل الناس معهم؟
ولمن يريد أن يعرف الأجوبة، تعرض «الأخبار» تجارب عدد من الشباب الذين يملكون شهرة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي ويؤثّرون، في أحيان كثيرة، بآرائهم وأفكارهم في عدد كبير من اللبنانيين


أسامة نور الدين

«نائب رئيس شركة مايكروسوفت قبل الضهر. شوفير خط بعد الضهر... وبشتغل بالعالم أوفر تايم». هكذا، يعرّف الشاب أسامة نور الدين «وظيفته» على موقع فايسبوك. هذا الشاب، المهندس الطموح في حياته، صار شخصاً آخَر على الموقع الافتراضي. استحال نجماً بـ«كم لايك». حدث ذلك في موجة الربيع العربي، وتحديداً في عام 2012.
قبل هذا التاريخ، كان نور الدين طالباً نجيباً، وعابراً على موقع فايسبوك. لكن مع بداية عام 2012، تحمّس الشاب على سيرة الربيع العربي. صار يتفاعل مع الأحداث. وشيئاً فشيئاً، حصد أكثر من خمسة آلاف صديق، حتى لم تعد قائمة أصدقائه تتسع اليوم لأي صديق جديد. يتابع نور الدين على حسابه الأحداث في العالم لحظةً بلحظة. ينتقد. يطرح تساؤلات. يتهكم. يتحدث «كهرباء. ماء. غلاء معيشة». تلك المواضيع التي تستهوي اللبنانيين. والأهم من كل ذلك، يحلّل و«يتحدث سياسة»، خصوصاً في ما يتعلق بالأزمة السورية وموقفه المؤيد لحزب الله.
هكذا، صار المهندس مشهوراً. ولا يفكر، اليوم، في إغلاق صفحته على الموقع. فهي السبيل الوحيد لعرض رأيه صراحة والتفاعل والمشاركة. فهنا «لسنا صحافيين ولا إعلاميين ولا رجال سياسة، لذا لا منبر آخر لنا للتعبير». وأمّا نجاحه والشعبية التي حصدها بسبب نشاطه المكثف على فايسبوك، فيعود برأيه إلى «طرح الموضوعات بجرأة وبساطة والتهكم بلغة الناس، وليس بلغة أهل السياسة».
أحياناً كثيرة، وبالرغم من الكمّ الهائل من «اللايكات» التي يحصدها، تحتدم الخلافات والنقاشات في صفحته، خصوصاً في ما يتعلق بالأزمة السورية والموضوعات ذات الطابع الديني. وهنا، يسطع النجم أكثر.
يعرّف نور الدين عن هوية الصفحة، فيقول: «هاي صفحة مش لعالم دين، ولا طالب حوزة، ولا ضابط أمن، ولا ناطق باسم حزب، ولا موظف دولة ولا ابن شارع. هاي صفحة شخص بيشتغل مبرمج وبيحكي سياسة ومسخرة متلو متل غيرو، ومنو مثال يحتذى أصلا بالحياة».


غنوة دبوق

بالرومانسية، صارت غنوة دبوق نجماً افتراضياً. الصبية، التي أنشأت صفحتها على فايسبوك عام 2008 من باب الحشرية، باتت أكثر تعلقاً بذلك العالم.
تنشر دبوق على صفحتها خواطر حب واجتماعيات، كانت في ما مضى تكتبها لنفسها، ولكن تفاعلها القويّ على مواقع التواصل الاجتماعي دفعها إلى تقاسمها مع أصدقائها. بعيداً عن الحب، تنتقد دبوق الواقع السياسي بتهكم، في محاولة «لجعل كل من يتابعني يبتسم عندما يقرأ ما أكتب، خصوصاً عند وقوع خضةٍ أمنيّةٍ في لبنان، لأن الناس تعبوا من الوضع السياسي المتأزم، لذلك ألجأ إلى أسلوب ساخر وبسيط».
تفكر دبوق في إقفال صفحتها بين الحين والآخر، لكنها لا تقوم أبداً بإلغاء عدد من أصدقائها أو متابعيها، وإن اختلفوا معها في الآراء. فهؤلاء «ليسوا مجرد أرقام أعدها، هم أصدقاء أحترمهم ويحترمونني مهما اختلفنا»، تقول. برأي دبوق، الأمر الوحيد الذي قد يؤدي إلى تراجع الشعبية على مواقع التواصل الاجتماعي هو «الغرور».


فيصل الأشمر

منذ عام 2010، وفيصل الأشمر ينشئ صفحات فايسبوكية وهمية بهدف كتابة بعض الخواطر «الوجدانية»، إلى أن قرّر عام 2012 أن يظهر باسمه الحقيقيّ. سنتان «وهميتان» خلقتا للأشمر أكثر من خمسة آلاف صديق وألفي متابع. لكنها، لم تكن الذروة، فمع انتقاله من «الوجدانيات» إلى كتابة النقد السياسي والاجتماعي وتميّزه بحركته الناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي في الدفاع عن حركات المقاومة ضد العدو الإسرائيلي، بدأت تتبلور شخصية «النجم» فيه.
يعتبر فيصل أن الشرط الأساس «لإعجاب الناس بما نكتبه على مواقع التواصل الاجتماعي هو البساطة وتكثيف الأفكار في أقل عدد من الكلمات لكي لا يملّ المتابعون منّا». أما السبب الأساسي للنجاح «الذي نحصده هو أننا نبقى على طبيعتنا، لا نتملق أحداً أو نتكّبر على أحد، والأهم أن نتواصل مع الكل، خصوصاً من يتابعوننا بشكل كبير ومستمر». وفي حين أن مواقع التواصل الاجتماعي بالنسبة إلى فيصل هو «الطريقة الأسهل للوصول إلى الناس وإقناعهم»، لا تتوقف شعبيته على عدد اللايكات والتعليقات الكثيرة الذي يحصدها، بل باتت الشاشات والإذاعات والصحف تستضيفه وتقابله لتحليل الأحداث السياسية والاجتماعية المختلفة، وهو ما يقع في خانة الخلاف حول اعتماد الصحافة التقليدية على الإعلام الجديد أخيراً، لكن برأي الأشمر أنه «قد يستضيف تلفزيون شخصاً لأنه مشهور على فايسبوك، لكنه قد لا يملك الخلفية الثقافية التي تؤهله لأن يكون ضيفاً».

جاد قسّيس

من منّا لا يعرف «نكات المحششين» التي انتشرت في لبنان منذ بداية عام 2010؟ جاد قسّيس، شاب من ضمن مجموعة صغيرة أطلقت فكرة هذه النكات على فايسبوك وتويتر وانستغرام، فكانت السبب في النجومية التي صار عليها الشاب. يعتمد قسيس السخرية في كل كتاباته، إلا أنه يعتمد كثيراً «فكرة النكات» التي تنتقد بأسلوب تهكميّ وساخر كل الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تحصل في لبنان.
تراجعت اليوم موضة المحشش، ولهذا بدأ قسيس تحضيراته لفكرة جديدة ستلقى رواجاً كبيراً لدى متابعي مواقع التواصل الاجتماعي بعد انتشارها. هذا ما يقوله. وهذه ستضيف إلى شعبيته كثيراً. لكن، الشعبية الكبيرة لقسيس خلقت له أيضاً أعداءً كثر، بسبب انتقاده اللاذع للأحزاب اللبنانية والصحافيين. برأيه، المتابعون اللبنانيون لمواقع التواصل الإجتماعيّ «بخلاء في التواصل والدعم، لذلك ربما فضّلت الانفتاح على جمهور عربيّ والتوجه إلى المغتربين اللبنانيين في الخارج». يشبّه قسيس الفايسبوك بالتلفزيون والإذاعة والصحف التي «إن لم تقدم كل فترة شيئاً جديداً يملٌّ منها جمهورها»، لذلك يسعى دائماً إلى التغيير والتجديد في الموضوعات وأسلوب المعالجة على صفحته لكي لا يخسر متابعيه. قسيس، الذي غالباً ما يصاب بالإحباط من صفحات «الثورجية»، قام أكثر من مرة بإقفال حسابه، إلا أنه كان يعود في كل مرة أكثر زخماً بإصرار متابعيه.

خضر سلامة

في عام 2010، استُدعي خضر سلامة إلى التحقيق على خلفية انتقاده لرئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان. نشّط هذا الاستدعاء «حائط» الشاب على الفايسبوك. تعليق من هنا و«لايك» من هناك وتضامن بلغت ذروته مع توقيف سلامة بتهمة رسم غرافيتي على أحد جدران شوارع بيروت. صار الناشط الفايسبوكي «سوبر ستار». بحادثتين، استطاع أن يجمع آلاف المتضامنين والمتابعين له، ليضيفهم إلى الرصيد الذي جمعه سابقاً من مدونته «مواطن جوعان» (أو جائع بالفصحى). رغم ذلك، يعتبر أن مواقع التواصل الاجتماعي «ليست حلقة نقاش حقيقي. هي مجرد منبر لطرح قضايا يتمّ استهلاكها بسرعة». ويصف الشعبية التي تُحصد على مواقع التواصل الاجتماعي بـ"الشهرة الخفيفة، والنجومية الصبيانية في مجتمع ضيق جداً"، ويرى فيها «أداة لا يمكن أن تكتمل وتحقق هدفاً إن لم يتم دمجها ضمن حركة حقيقية اجتماعية، في الشارع ومع الطلاب والناس». برأي سلامة «لم تعد حياة كل منّا شخصية مع استخدامنا الهائل لمواقع التواصل الاجتماعي، فنحن نتحول إلى سيارات عمومية وهوياتنا وأخلاقنا وارتباطاتنا ومهننا أصبحت عرضة للاستخدام من قبل زائر افتراضي لدقائق». ويبرر نشر تفاصيل خاصة به إلكترونياً «ضمن هدف التعبير عن فكرة أو ربما صياغة أدبية معينة لهدف شخصي، أو عام». وعن العداوات التي تخلقها مواقع التواصل الاجتماعي خاصةً بالنسبة إلى من يملك عدداً هائلاً من المتابعين والأصدقاء يعتبر خضر أنها «إسقاطات على خلافات في دوائر أخرى أكثر واقعية، خاصةً سياسية»، مشيراً إلى أنّ المشكلة الحقيقية هي إطلاق الأحكام على الشخص من خلال حساباته الإلكترونية دون التواصل معه أو معرفته بشكل فعليّ.

(كاريكاتور علاء رستم)