تقول الأسطورة إنه «كان هناك ملك آشوري شرير اسمه «الضحاك». وقد كانت مملكته ملعونة لا تشرق الشمس فوقها. وكانت لديه لعنة أخرى: يوجد على كتفيه ثعبانان. وكان يشعر بألم كبير كلما جاعا. وكان طعام الأفاعي هو أدمغة الأطفال، وكان الضحاك يقتل طفلاً من القرى المحلية كلما جاعت الأفاعي. أما «كاوى»، الذي فقد أولاده الستة عشر، عندما جاء الدور على ابنته التي كانت آخر أولاده، فحاول أن يجد حيلة لتنجو ابنته، فبعث للضحاك دماغ خروف، فانطلت الحيلة على الملك. وعندما سمع الآخرون لجأوا الى كاوى، فأرسلوا أولادهم إليه حيث كان مسكنه الجبال. هكذا كوّن جيشاً من الأطفال، وعندما كبروا وازدادت أعدادهم اقتحموا مملكة «الضحاك». في النهاية، ألقى «كاوى» الملك في النار. وعندها، انتهى عهد «الضحاك» في بلاد ما بين النهرين. وفي اليوم التالي، طلعت الشمس واستعادت الطبيعة مجراها، فاتخذ الناس، منذ ذلك الوقت، هذا اليوم عيداً لهم، وهو بداية السنة الكردية...»تشكل هذه الأسطورة المتعارف عليها عند الكثيرين من الكُرد السبب التاريخي الذي جاءت فيه تسمية «نوروز» (بالعربية «يوم جديد») وهو اليوم الأول في السنة الكردية. فالنوروز هو عيد الكُرد في جميع الدول التي يوجدون فيها، لكن بين نوروز 2011 ونوروز 2015 ثمة مستجدات كثيرة، طرأت على الكردي السوري، على الصعيدين السياسي والجغرافي.

فكُرد سوريا الذين يوجد معظمهم في مدينة القامشلي التابعة لمحافظة الحسكة، وفي عدة مناطق في محافظة الحسكة نفسها، ومنطقة عين العرب (كوباني) وجبل الكُرد (عفرين) الواقعتين شمال مدينة حلب السورية، كانوا ما قبل الأزمة التي اندلعت في مطلع عام 2011، لا يملكون الهوية السورية ولا يتمتعون بحقوقهم كمواطنين سوريين. لديهم ذاكرة مريرة: في تشرين الثاني 1962، أعلنت الحكومة السورية أن مليون كردي من كُرد سوريا لا يملكون الجنسية السورية ولا يتمتعون بحقوقهم كمواطنين سوريين، لعدم توافر بيانات عن أجدادهم، في عهد الدولة العثمانية. لم يتمكنوا من السفر لعدم امتلاكهم وثيقة أو جواز سفر، ولم يمكنهم امتلاك عقارات أو محال تجارية، أو العمل في مؤسسات رسمية. تشردوا في سوريا قبل الأزمة بكثير.
وحتى حادثة القامشلي سنة 2004 لم تغير شيئاً من المشهد. بدأ الأمر في ملعب لكرة القدم في القامشلي، بين فريق محلي وفريق من دير الزور. نشب شجار بين المشجعين الكُرد والمشجعين العرب، فراح ضحية الشجار 5 قتلى وجرح أكثر من 150 شخصاً، وتبع ذلك تظاهرات كردية، اعتقل على أثرها المئات من الكُرد، وقتل أكثر من 10 أشخاص برصاص القوات الحكومية بحسب منظمة العفو الدولية. وجاءت الثورة في سوريا مطلع عام 2011. في 7 تشرين الأول من العام نفسه اغتيل المعارض الكردي مشعل التمو، ليخرج الآلاف من الكُرد في تشييعه. وسرعان ما جاء الرد من قبل النظام بالرصاص الحي على المشيعين الكُرد. ومن يومها تزايدت نشاطات الكُرد المناوئة للنظام وازدادت أعداد المعارضين له، وبدأت تظهر الصورة الكردية في مشهد الصراع الدائر على الأرض. وفي 7 نيسان من العام نفسه الذي اندلعت فيه الثورة، أصدر الرئيس السوري المرسوم التشريعي رقم (49) الذي ينص على منح الجنسية السورية لجميع المواطنين الكُرد، المسجلين على سجلات الأجانب، ومنحهم جميع الحقوق التي يتمتع بها المواطن السوري. يا سبحان الله. *هذا كله يمكننا أن نقرأه في أرشيف الصحف، أو أن نعيد مشاهدته في أرشيف القنوات التلفزيونية، لكن المسألة لم تنته عند هذه الأحداث...
مسألة الهويّة والمساواة لم تغير كثيراً من المشهد على الأرض. لا تزال الأحزاب الكردية في الحسكة تحديداً، على خلاف مع النظام، فهم هناك لا يخفون رغبتهم بضم محافظة الحسكة ورأس العين إلى القامشلي لتكوين دولة كردية مستقلة على هذه الأراضي. هذا حديث شائع هناك. وشائع أيضاً، أن «النظام» يراوغ لكسب الكُرد كحليف ضدّ المعارضة السورية، في الوقت نفسه الذي أبدى فيه الائتلاف السوري المعارض، توجهاً ديموقراطياً ونيات حسنة تجاه الأقليات. كل هذه أحاديث وهي شائعة في الحسكة. وشائع أيضاً، أن النظام، نجح إلى حد ما، في كسب ثقة الكُرد في الحسكة أخيراً، حين دعمهم بالسلاح وسمح لهم بإقامة حواجز تقع على مداخل الحسكة، ولكنه عندما أحس بأنهم ينوون «الانفصال» وطرد قواته من المحافظة، عاد مشهد 2004، حيث ظهرت «لجان شعبية» من العرب (يسمّون «المقنعين» هناك) بالإضافة إلى الجيش النظامي، وهاجموا الحواجز الكردية والمناطق الكردية في الحسكة، وبالتحديد منطقة الصالحية، والعزيزية، وتل حجر، تلك المناطق تشكل الغالبية الكردية في الحسكة، لينتهي الأمر بكُرد هذه المناطق بأن يقاتلوا في صفوف الجيش الحر، وكان لظهور تنظيم «داعش» (الشهير) أثر كبير على إعاقة تقدمهم. وقف «داعش» بالمرصاد للكُرد في أرياف الحسكة ومنطقة رأس العين، إضافة إلى محاصرة عين العرب (كوباني) الواقعة شمالي مدينة حلب السورية. والعالم يعرف بقية القصة.
يقول جوان، وهو كردي سوري من مواليد الحسكة، «لا مشكلة لدينا بالتعايش مع العرب ضمن حدود وطن واحد، ولكن المشكلة في العرقية التي زرعها النظام في نفوس المواطنين، فمنذ ما يزيد على أربعة عقود ونحن نطالب بحقوقنا كمواطنين، ولم نمنح حقنا، لا بالعيش المشترك ولا بمنحنا أرضاً نقيم عليها دولتنا، وزيادة على ذلك الأحداث التاريخية التي عاناها الشعب الكردي منذ العهد العثماني إلى يومنا هذا». وتلاقيه نسرين في ذلك. وهي كردية سورية من مواليد القامشلي تعرّف عن نفسها بأنها من ذلك الشعب «الذي عانى من الاضطهاد منذ سنين». تؤكد أنهم لن يقبلوا سلب حقوقهم مرة أخرى، بل سيناضلون للحصول على كامل هذه الحقوق، وهي تقصد «إقامة دولة كردية على أراضٍ سورية». أما دليان، الفنانة الكردية، فتعلّق بدورها... «عيد النوروز هو رأس السنة الكردية، وهو من حق الكُرد ومن حقهم أن يحتفلوا به وجاء الوقت لكي نسترد حقوقنا، نحن كالفلسطينيين، سُلبنا أرضنا». يجمع الجميع في الحسكة تقريباً، على أن الـ«نوروز» سيأتي يوم ويحتفلون به على أرضٍ تجمعهم وتوحد صفوفهم، تحت العَلَم الكردي.