أطلّت مجلة «المسيرة ــ النجوى» بحلّتها القواتية الجديدة في تموز (يوليو) الماضي (الأخبار 23/5/2013). لوحات إعلانية مهّدت لـ«العهد الجديد»، إلى جانب صورة كبيرة لرئيس «حزب القوات» سمير جعجع. المجلة الأسبوعية السياسية الثقافية «المستقلة»، رفعت شعار «ما لا يكتبه الآخرون». لوهلة، تعود بك الذاكرة إلى الشعار الذي تبنّته فرقة «الصدم» العسكرية في الحزب إبّان الحرب الاهلية اللبنانية: حيث لا يجرؤ الآخرون! خلال احتفال إطلاق القلم الاعلامي «المستقلّ»، عرّف جعجع «المسيرة» بأنها «شعلة المقاومة، ومنارة فكر يرتكز على الواقع والحقيقة، وليس على المزايدات المميتة والديماغوجية التي دمّرت لبنان وسممت مجتمعنا، ويرتكز على خدمة المجتمع وليس على خدمة الطموحات الخاصة بالمناصب والكراسي والحقائب».

كلام جميل. لكن مقاومة ضدّ من؟ سرعان ما تتبدّى لك صورة واضحة لدى قراءة عدد واحد فقط، وهو كاف بالمناسبة لتتعرّف إلى العدو: حزب الله وطائفته. «غزوة اليسوعية» هو عنوان غلاف العدد الجديد (العدد 1434). جامعة «بشير الجميل» التي تأسّست قبل ولادته هي في خطر من «غزوة الطائفة الشيعية». وليسمع حزب الله جيداً، هذه الجامعة «يسوعية ولن تصبح يشيعية»! في افتتاحية العدد التي يُتحفنا بها أمجد إسكندر كل أسبوع، يستشهد الأخير بمرجعية صهيونية غولدا مائير. «أم إسرائيل الحديثة» التي تسلمت رئاسة الوزراء الاسرائيلية في السبعينيات، قالت يوماً «تعطينا أميركا السلاح والنصائح، ونحن نردّ النصائح ونحتفظ بالسلاح». هكذا يرى الكاتب طلاب حزب الله، «غولدامائيريون، لأنهم يأخذون من اليسوعية مادة الرياضيات ويردّون لليسوعيين نصائحهم «اليسوعية». ومن هم هؤلاء الذين يأتون من «خندق غميق ويريدون أن ترتدي اليسوعية رداء يشيعية مبتدعة». ثقافة الحقد. مضحك أن يطلق يميني متطرّف على الأحداث التي جرت في الجامعة بـ«الفاشية». حلةّ المجلة الجديدة القديمة، تمثّل عقيدة الحزب الانعزالية. لغة «الشرقية والغربية» دائماً تجدها هنا. نحن وهم، على قاعدة من ليس معنا، فهو عدوّنا. حادثة الجامعة الأخيرة تطلّبت أن يعالج العدد هذا الاعتداء الآثم على الطائفة «المهدّدة». في تحقيق حول الموضوع تحت عنوان «بوابة واحدة وشطران: واحدة شرقية والثانية ولاية حزب الله»، تخلص الكاتبة إلى أن «ثقافتهم لا تنطبق مع منطقنا». فهم من كوكب آخر. لكن إحذروا «ما قبل الغزوة لن يكون كما بعدها». (ص 10-12)
موضوع آخر يتعلّق بطبيعة الحال بالحزب. هنا «أوهام الانتصار» لدى حزب الله ليست سوى «جملة انكسارات صفراء مدبوغة بعبارة الانتصار الالهي». والموضوع مرفق بصورة دمار من حرب تموز 2006: «أين الانتصار؟» (ص 20). وإذا أردت تثقيف نفسك ومعرفة تاريخ حزب الله منذ نشأته وعلاقته بإيران منذ تفجير السفارة الأميركية وحتى اليوم، فما عليك سوى أن تطلع على دراسة «عميقة» لتكتشف أنّ «حزب الله لا يبني سوى انتصارات على حساب أبناء وطنه» (ص 29). أما الكاتب عماد موسى، فارتأى أن يتحدّث عن «الاستنساخ» بين نواب وقادة «حزب الله» الذين يرددون ما يقوله السفير الايراني في بيروت غضنفر ركن ابادي. من «رعد واحد» أو «الوجه الصبوح» (محمد رعد)، أو «شقة التوم» (الشيخ نبيل قاووق)، إلى «المعجزة البرلمانية المنفتحة» (النائب حسن فضل الله).
كل عدد من المجلة يحمّل مصائب البلد والعالم على «حزب الله» أو «جمهورية حزب نيرون»؟ (غلاف العدد 1419). وبالمناسبة سكان الشوف وعاليه لا ينامون أيضاً بسبب تهديد «حزب الله» لهم! (العدد نفسه- ص 4). من منطقة كفرسلا إلى أفقا، تجد مخطّط حزب الله العسكري (ص. 30). ابتسم، فهناك دراسة تحليلية «موضوعية» تنذر بـ«نهاية الهلال الشيعي» (ص 24). أما في مدينة لاسا، فهناك أملاك الوقف «تحت الاحتلال» (العدد 1423- ص 14). أما الحاجة حياة عوالي، فسيتذكرها «التاريخ اللبناني كأشهر قاطعة طرق وخاطفة لرهائن في لبنان»! فتّش عن سبب مصائب العالم. تجدها هنا. بالطبع هو حزب الله الذي يريد أن «يبقى المطار مفتوحاً ليستخدمه في حربه المفتوحة أمنياً على مستوى العالم»، بحسب محلل قواتي رفيع المستوى. لكن «حزب القوات» ليس منغلقاً على الطائفة الشيعية، هو فقط ضدّ «حزب الله». والشيخ صبحي الطفيلي هو التمثيل الصحيح للطائفة، لذا أفردت المجلة حواراً معه انتقد فيه بطبيعة الحال حزب الله: «ما يفعله حزب الله في سوريا انتحار. عودوا إلى رشدكم. عودوا إلى مقاومتكم. عودوا إلى دينكم». (العدد 1431- ص.24)
بعيداً عن حزب الله، تلقي «المسيرة» الضوء على مسيرة القوات الماضية «النضالية» من خلال التفاخر بتاريخها العسكري الحافل «بالمقاومة والابطال». هنا تجد عملية غسل دماغ لجيل الشباب من خلال سرد قصص أسطورية غير صحيحة. تقرأ مثلاً عن «قصة النضال السري» للحكيم حيث يسرد «المخلّص» كيف أمضى أيامه في السجن «تعبت. وقعت. نمت. أكلت» (العدد 1419) أو عن التغنّي بشخصية «فذّة» في الحزب أسهمت في مجزرة هنا أو اغتيال هناك، أو معركة حقق خلالها الحزب «انتصاراً نوعياً». هذه القصص تندرج ضمن خانة «سجل شرف»، مثل «معركة تل الزعتر»: «هجوم من تحت الأرض زرعنا العبوات وفجرناها واستسلم المخيم». علماً أن من شارك في معركة تل الزعتر هم ضباط الجيش اللبناني وفي طليعتهم الجنرال ميشال عون و«الأحرار»، وكان دور «حزب الكتائب» حينها ثانوياً. هناك أيضاً فقرة «إن ننس فلن ننسى»، التي تسلّط الضوء على «أبطال» الحزب. وبالطبع لا يستثنى حزب «التيار الوطني الحر» كونه حليفاً لـ«حزب الله» من الهجوم عليه. والجنرال ميشال عون هو «مسيحي بالقول وليس بالفعل، وهو من ساهم في تحرير لبنان من مسيحييه وإلغائهم عن الخارطة السياسية» (العدد 1431- ص 6). لكن للأمانة، وبعيداً عن السياسة، تعالج المجلة مواضيع اجتماعية عدة مثل تقرير عن «لمن تقرع أجراس الكنائس في بيروت الغربية؟» (العدد 1432-ص 32)!

يمكنكم متابعة رشا أبي حيدر عبر تويتر | @RachaAbiHaidar