القاهرة | بين انحيازين، تدور رحى المعركة في مصر. لكن الغلبة العددية تميل إلى الرافضين لحكم الإخوان، والمؤيدين لتفويض القائد العام للقوات المسلحة عبد الفتاح السيسي بـ«محاربة الإرهاب». رغم غرابة طلب التفويض، إلا أنّ ميادين مصر شهدت حشوداً جماهيرية مؤيدة للسيسي يوم الجمعة. وما كاد ينتهي النهار حتى وقعت مجزرة فجر السبت بالقرب من ميدان رابعة العدوية على طريق النصر في القاهرة حيث التجمعات المؤيدة للرئيس المعزول محمد مرسي. الأمر الذي يجب التوقّف عنده هو التغطية الإعلامية لأحداث «جمعة السيسي»، وما تلاها من عنف، وكيف أثرت الانحيازات السياسية في شكل التغطية الإعلامية، وصياغة الأحداث على أكثر من قناة. غابت البرامج الرمضانية المعتادة على القنوات الخاصة، وأوقفت شبكات «دريم»، و«المحور»، و«الحياة»، و cbc، و«النهار»، و«mbc مصر» عروضها لتنقل مباشرة التجمعات المناهضة للإخوان في ميدان التحرير والاتحادية. حتى القنوات المختصة بالدراما نقلت ما يجري في الاتحادية والتحرير، واشتعلت الاستوديوات التحليلية المتغّزلة بـ«حكمة الجيش وروعة الشعب». وظهرت على تلك المحطات مجموعة من الضيوف المألوفين، على رأسهم القيادي المنشقّ عن جماعة الإخوان ثروت الخرباوي الذي ظهر على أكثر من شاشة مساء الجمعة. رغم أنّ احتجاب البرامج كان دعوة أطلقها صاحب شبكة cbc محمد الأمين، إلا أنّه يتردّد أن تلك الخطوة حدثت بمباركة القوات المسلحة وتخطيط منها. السقطة الإعلامية وانحطاط الانحياز تجلّىا عند ساعات الفجر الأولى. بينما كانت الشاشات الخاصة تنقل الاحتفالات الداعمة للسيسي، وقعت مذبحة «طريق النصر» بين الإخوان وأجهزة الأمن. بعيداً عن أيّ تقويم للحادثة، غابت الكاميرات والمراسلون، ومرّت ساعات من دون الإشارة إلى ما يحدث على طريق النصر، ولو بخبر عابر في شريط الأخبار. علامات استفهام حول إغفال القنوات الخاصة تغطية الحادث، مكتفية ببيان وزارة الداخلية وتصريحات وزيرها أحمد جمال الدين من دون اهتمام بمدى صدق هذه البيانات. على الجانب الآخر، عملت قناة «الجزيرة» ما اعتادت فعله في ذلك اليوم، من تقريب لصور المعتصمين في ميداني رابعة والنهضة. كذلك امتلأت شاشاتها بصور مختلفة لاعتصامات ترتفع فيها صور مرسي وتندّد بـ«الانقلاب»، مع نقل باهت لأحداث الاتحادية والتحرير، وتزييف متعمّد لأعداد الناس، بالإضافة إلى استخدام صيغ مضلّلة توحي بتساوي كفتي الخصومة بين المؤيدين والمعارضين. وفي تغطيتها لأحداث العنف الصباحية على طريق النصر، نجحت «الجزيرة» في تضخيم هستيريا القتلى ومضاعفة أعدادهم. بداية، ذكرت أنّ عدد الشهداء وصل إلى 40، ومن ثم قفز العدد على يد المحطة القطرية إلى أكثر من مئة في أقل من خمس دقائق. صفاقة «الجزيرة» بلغت مداها على شاشة قناتها الدولية الناطقة باللغة الإنكليزية؛ إذ نقلت صوراً من الاتحادية والتحرير بدعوى أنّها تظاهرات تأييد مرسي. ومثلها فعلت cnn و«فرانس 24» اللتان وقعتا في الخطأ نفسه. وإذا كانت «فرانس 24» قد اعتذرت عن هذا الخطأ غير المقصود على حدّ قولها، إلا أنّ هذه الخطوة لم تتخذها cnn و«الجزيرة». باتت المحطة القطرية معروفة بانحيازها إلى الإخوان، ما أفقدها صدقيتها ومهنيتها، وليس غريباً عليها هذا التدليس، بينما تتخذ cnn موقفاً منحازاً ضد الإرادة الشعبية ولا ترى في المشهد غير «انقلاب عسكري». لكن غياب مهنيّتها وانحيازها السافر ظهرا للعيان منذ «ثورة 30 يونيو». مثلاً، عرضت المحطة استطلاعات يظهر فيها بعض الفلاحين المصريين ضدّ «الانقلاب»، فيما يتحدّثون الإنكليزية! بين القنوات الخاصة والفضائيات الإخبارية العالمية، لا يستطيع المشاهد المصري الوصول إلى الحقيقة. القوى السياسية والمصالح الكامنة وراءها، خلّفت إعلاماً مهترئاً لا يُخفي انحيازه في ظلّ موت إكلينيكي للتلفزيون الرسمي الذي يدين بالولاء لأصحاب السلطة أيّاً كانوا.