القاهرة | رغم أنها التجربة الدرامية الأولى للسيناريست محمد أمين راضي، إلا أنّ مسلسل «نيران صديقة» (بطولة منّة شلبي وكندة علوش، وإخراج خالد مرعي) يحمل نضجاً يتجاوز تعثّر البدايات. اختار راضي الطريق الصعب في ظهوره الأوّل كمؤلف دراميّ على الشاشة. لم يألف المشاهد العربي هذه النوعية من الأعمال لأن غالبية المسلسلات تعتمد على تطويل المشاهد لملء الساعات، وإكمال العمل بالكثير من الحشو طوال 30 يوماً.
«نيران صديقة» تجربة مختلفة في تاريخ الدراما التلفزيونية، ولا يمكن التوقّف عن اللهاث خلال متابعة الأحداث التي تحبس الأنفاس لحظة بلحظة، والخطوط الدرامية التي تتوازى وتتقاطع وتبسط نفسها أمام المشاهد الذي لا يمكنه تفويت مشهد حتى لا يفقد خيوط القصّة. كما خرج المسلسل من كارتونية رسم الشخصيات، وليس ثمة ممثّل للخير أو ممثل للشرّ، بل مجموعة من الحيوات بكل ما فيها من صراع بين رغبات ونزوات وخطايا وأسرار.
لا يعني ذلك أنّ تجربة «نيران صديقة» خرجت بلا مشاكل حتى الآن. هناك أخطاء في التفاصيل الزمنية، مثل رقم الهاتف المكوّن من سبع خانات في حقبة الثمانينيات. كذلك، ثمة افتعال في بعض أجزاء الحوار، وغرابة في ردة فعل الشخصيات حيال مشاكل كبيرة لا يمكن أن تواجهها بهدوء. لكن يجب التمهّل لأن المسلسل ما زال في ثلثه الأول، ولعلّ هذه التساؤلات تجد ما يبرّرها درامياً في الحلقات التالية. يحكي المسلسل قصة مجموعة من الأصدقاء بين مرحلتين زمنيتين، تحديداً في منتصف الثمانينيات وعام 2009. تبدو مجموعة الأصدقاء متحابة ومتجانسة في البدء، قبل أن تنقلب علاقتهم بلعبة سحرية وتتغيّر نفوسهم تجاه بعضهم، أو ربما تظهر حقيقة ما في النفوس! هكذا، يرتكبون الكثير من الجرائم، وتشرع المسافات في خلق نفسها بين الأصدقاء.
جاء أداء الممثلين متوازناً. أداء مميّز لمنة شلبي التي تخلّصت من انفعالاتها المبالغة، كما كان ظهور رانيا يوسف حيوياً. كذلك لفت صبري فواز الأنظار في واحد من الأدوار التي سيذكرها له المشاهد. أما الممثلة السورية كندة علوش، فكانت شخصيتها لافتة رغم مشاكل اللهجة التي لم تستطع تجاوزها. وكذلك، سُجِّل ظهور جيّد لكل من عمرو يوسف ومحمد شاهين، والممثل التونسي ظافر العابدين في تجربته الثانية في الدراما المصرية بعد مسلسل «فيرتيجو» العام الماضي (سيناريو محمد ناير وإخراج عثمان أبو لبن). جاء إخراج خالد مرعي في مستوى جيّد، رغم الظهور الهزيل لأعمال الغرافيكس، والعيب التقنيّ في طغيان صوت الموسيقى على صوت الممثلين. لم تكن موسيقى هشام نزيه ملائمة في كل الأحوال، إلا أنها في مجملها أوصلت جزءاً كبيراً من حالة التشويق التي يبغيها العرض. مسلسل «نيران صديقة» يفتح قوساً لسؤال الدراما المصرية التي تكلّست بفعل التنافس التجاري الصرف، مما يجعل الجيّد منها في السنوات الماضية معدوداً، وأوقعها في دوائر تكرار وإعادة تدوير لحكايات هضمها الناس مراراً.



«نيران صديقة» على «أم. بي. سي. مصر» (2:00)