كان كل شي معداً ومجهزاً مسبقاً على ما يبدو. بعد أقل من ساعة على إعلان الخبر، أعلنت أسرة الصحافي المصري الراحل محمد حسنين هيكل أنّ الجنازة «ستشيع بعد صلاة عصر الأربعاء» (أمس) من «مسجد الحسين» الشهير في القاهرة بناء على وصيته. هكذا، انضم هيكل إلى شخصيات مصرية فذة اختارت أن تودع المحروسة من هذا المسجد تحديداً. إلا أنّ ضيق الوقت ووجود المسجد في منطقة شعبية، حالا دون المشاركة الكثيفة للشخصيات العامة في الجنازة.
«مسجد الحسين» نفسه هو الذي شهد وداع الروائي صاحب «نوبل» نجيب محفوظ (آب 2006). وفي كانون الأول عام 2013، خرج من المسجد نعش الشاعر الشهير أحمد فؤاد نجم. وجاءت وصية هيكل لتسير عكس اتجاه حياته بالكامل، فهو الصحافي والوزير والسياسي والمعلق والمحلل البارز اختار مسجداً لم تخرج منه جنازات الساسة إلا نادراً. فمن المعتاد أن تخرج جنازاتهم من «مسجد عمر مكرم» في ميدان التحرير يليه «مسجد مصطفى محمود» في الجيزة، لكن هيكل ودع المحروسة من الحي نفسه الذي تربى فيه بعد ولادته عام 1923، فيما أعلنت وزارة الأوقاف في بيان رسمي أنّ المسجد معد مسبقاً لاستقبال أي جنازة ولا يفرق بين المتوفى سواء كان معروفاً أو غير ذلك. ويقع «مسجد الحسين» في الجهة المقابلة لجامع الأزهر ويعد «مولد الحسين» الأضخم في مصر على الإطلاق، إذ يفد الملايين للاحتفال به سنوياً، وبُني المسجد عام 1154 م. في عهد الفاطميين ويحتوي على الكثير من المقتنيات الأثرية الإسلامية النادرة.
في السياق نفسه، نعى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هيكل بعد أقل من ساعتين على انطلاق الخبر الحزين. وقال في بيان رئاسي إنّ مصر «فقدت اليوم عَلَماً صحافياً قديراً، أثرى الصحافة المصرية والعربية بكتاباته وتحليلاته السياسية التي تناولت فترات ممتدة من تاريخ مصر والأمة العربية، فكان شاهداً على أحداث ومحطات تاريخية هامة في التاريخ المعاصر، فضلاً عن إسهاماته العديدة من خلال الكثير من المؤلفات التي تناولت العديد من الأزمات والأحداث التي مرت بها مصر ومنطقة الشرق الأوسط». وأشار البيان إلى أنّ «الأستاذ» أسس «مدرسة صحافية متميزة جمعت بين التحليل السياسي وروعة الأسلوب الصحافي بلغة رصينة راقية أضفت مزيداً من الإعجاب والتقدير على مقالاته ومؤلفاته سواء الصحفية أو الفكرية. وكان لجهود الفقيد عظيم الأثر في النهوض بصحيفة «الأهرام» العريقة إبان رئاسته لمجلس إدارتها وتحريرها حتى أصبحت من أكبر الصحف على مستوى العالم».