بطبيعة الحال، عرف محمد حسنين هيكل الظهور الإعلامي كثيراً، لا بصفته مجرد "ناقلٍ" للخبر، بل كصانعٍ له أيضاً. كان اقترابه من مراكز القرار (والقيادات والزعامات التاريخية) جزءاً من الهالة التي بنيت حوله. كان "الأستاذ" عارفاً بالكثير من التفاصيل التي لم يعرف بها إلا أصحاب القرار أنفسهم، أو من جاورهم وعاصرهم. لذلك، كانت تلك "الإطلالات" الإعلامية جزءاً لا يتجزأ من وجود "هيكل" والهالة التي أحيطت به لاحقاً. خلق هيكل بدايةً (خصوصاً بعد لقاءاته على قناة «الجزيرة» 2004، وصولاً إلى برنامجه "مع هيكل" عليها) نظاماً جديداً هو "المحلل السياسي"/ المؤرخ والمشارك في صناعة الأحداث لا مجرّد الإعلامي/ الصحافي المراقب والمشاهد الذي يجلس خلف مكتبه متحدثاً ومحللاً للأحداث (وهو ما يقوم به بعض الإعلاميين حالياً). ظهر هيكل أول الأمر في لقاءات إعلامية مع صحافيين أجانب، فكان حواره مع البريطاني باتريك سيل ضمن برنامجه "ناصر كما يراه هيكل" (Nasser: A Personal View by Heikal)، كذلك لقاؤه مع روبن إيليس في "مصر: نهاية إمبراطورية " (Egypt: End of Empire).
حديثه عن «التوريث» كرس قالقطيعة مع نظام مبارك

كانت إطلالات هيكل الإعلامية تسبب مشاكل لا تعدّ ولا تحصى للإعلاميين كما للقنوات (وخصوصاً المحلية) التي تعرضه. مثلاً، تعرضت هالة سرحان (على قناة «دريم») لمضايقاتٍ "رسمية" مصرية عدّة من جهاتٍ سيادية إبان عرضها للقاءات معه في عام 2003، حيث روى قصّة حياته. كانت "القشة التي قصمت ظهر البعير" حديثه المستفيض في موضوع "التوريث". ويقال إنَّ صفوت الشريف وزير الإعلام آنذاك (ورجل المخابرات الأسبق) هدّد سرحان بقطع البث ومنعها من مزاولة المهنة، ما دفعها إلى الهجرة خارج مصر لاحقاً، وفق ما قالت. الأمر نفسه انسحب على الإعلامي عماد الدين أديب أيضاً الذي أشير إلى أنه تعرض لمضايقات حين قابله في برنامجَيه «مقابلة شخصية» و«على الهواء».
في الأعوام اللاحقة، لم يظهر هيكل كثيراً على القنوات المصرية، فتوجه صوب «درّة» الإعلام الخليجي: «الجزيرة». في أول الأمر، حاورته (في عام 2004) الجزائريتان خديجة بن قنّة (ضمن برنامجها «حصاد») وفيروز زياني (ضمن برنامجها «الملفات الساخنة»)، ولاحقاً التونسي محمد كريشان الذي تألق معه، لأن المواضيع كانت زاخرة، والأحداث في العالم العربي كانت "كبركانٍ غاضب" كما وصفها هو نفسه ذات مرّة، من الحديث عن العراق واحتلاله، إلى اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، إلى الأوضاع في لبنان وقوى التحرر والمقاومة. أبرز ما تناوله هيكل آنذاك كان أمراً سيكثر الحديث عنه في السنوات اللاحقة، وهو "الخطر الإيراني" (مع العلم بأنّ هيكل نفسه كان قد قابل الإمام الخميني بعد انتصار الثورة، وكتب عام 1951 عن "إيران فوق بركان" إبان حكم الشاه). بقي هيكل "وفياً" لقناة «الجزيرة» (قدّم خلالها قرابة 180 حلقة على مدى سنوات) حتى «ثورة 25 يناير 2011» حين تركها بشكلٍ مفاجئ، ليخرج بعدها في لقاءٍ مع منى الشاذلي (عام 2011، في برنامجها «العاشرة مساء») متحدثاً عن فرحه بـ"الثورة" المصرية، وقائلاً بالحرف: "إن ما حدث هو حدث مصيري ولم يحدث مثله في التاريخ المصري أبداً"، إلا أنّه "شكر الرئيس مبارك لأنه ترك الثورة تنضج". وأشار إلى الكثير من النقاط التي كانت تعتبر أساسية بالنسبة إليه، مؤرّخاً لما بعد مرحلة "الثورة". لم يطق هيكل ابتعاده "الطويل" عن الشاشات، هو الذي كان قد اعتبر خلال السنوات الأخيرة من عمره أنَّ الناس باتوا أقرب إلى "الفيديو" منهم إلى "المقروء". لذلك، اختار أن يكون ظهوره "المتسلسل" الأخير مع الإعلامية لميس الحديدي على قناة CBC ضمن "مصر أين، وإلى أين؟" الذي تناول فيه أموراً متعددة، لكن من وجهة نظرٍ مصريةٍ خالصة، خصوصاً أنَّ موضوعات عدّة كانت على بساط البحث، كموضوع الدستور (قال إنه صدمه منذ مادته الأولى «المخالفة للتاريخ والجغرافيا»). أشار هيكل في تلك الحلقات إلى "حالة اكتئاب فظيعة"، منبّهاً إلى أنه لا ينبغي الغرق فيها، فـ«التقدّم هو السبيل الوحيد للحياة وإيجاد حل وأمل بعيداً عن الاعتزال والشعور بالفشل».
انسيرت: