إن كان ثمّة مخزون من الكليشيهات في بلد مثل لبنان، فمن المؤكّد أنّ وزارة السياحة تستأثر بحصّة الأسد منه. بعد «أهلا بهالطلة» والإضافة الفظيعة في الحملة بعدها بسنة لتصبح «أهلا بهالطلة أهلا»، صدرت الحملة الجديدة لهذا العام تحت عنوان «مشوار رايحين مشوار». في بلد يُهدَر فيه كُلّ شيء وسط ظروف معيشية قاسية أولاً، وجنوب البلاد ينوء تحت نيران القذائف والتهجير ثانياً، والأهم في عالم يحترق حرفياً... عَصَر المسؤولون في البلاد وطاقم وزارة السياحة أدمغتهم ليخرجوا بشعار يجذب المغتربين والسياح ليأتوا إلى لبنان في موسم الصيف. وسط هذا الواقع الدراماتيكي، خرج شعار من الضحالة الفكرية والافتقار إلى الخيال ما فيه، وكان «مشوار رايحين مشوار».

ما كان لمعلّمي العبث على رأسهم بيكيت، ليجمح خيالهم يوماً ويكتبوا نصاً عبثياً يصل إلى ما وصلت إليه حال البلاد. شعار «مشوار رايحين مشوار» يعاملنا كالأطفال الصغار الذين يأمرهم بالكفّ عن البُكاء لأنه سيأخذهم في نزهة إلى مدينة الملاهي. هذه الحال الساخرة التي يفرضها شعار بهذه الضحالة والخواء الإبداعي، في عالم مجنون، سخر من آلامنا، أو على أقلّ تقدير يأتي وفقاً للنهج المُتّبع في لبنان منذ عقود، في تعميق الهوّة بين الطبقات. «مشوار رايحين مشوار» إلى الفنادق والحفلات، نحن الطبقات التي ليس من شأنها أن تهتم بما يحدث أو حتى تتأثر به، لتبقى الطبقة الأخرى التي لا تتساوى معها في شيء، غارقة في هموم البيت بينما تلهو هي. في بلد صغير مثل لبنان، كُلّ الأصوات تُسمَع في كلّ مكان، وللسخرية أن تسمع في وسط بيروت أصوات «الديسكو» ليلاً بينما حيطان الشوارع المُحيطة تُدق فيها الرؤوس قلقاً من هذا الجنون المُعمّم والعبث الذي نخر حياتنا.