لم يعد الإعلام الغربي يبالي برأي الجماهير في انحيازه المخالف للإنسانية وأخلاقيّات المهنة لمصلحة كيان الاحتلال الذي يرتكب إبادة جماعية، بل بات وقحاً يجاهر بانحيازه كما يفعل الصهاينة ويستهزئ بالضحايا المدنيّين. ومَن أفضل من الإعلام الفرنسي في السخرية من الملوّنين والمُسلمين والأفارقة وغيرهم تحت مسمّيات الديموقراطية والعلمانية وحرّية التعبير، فيما كلمة نقد واحدة عن مجرم حرب صهيوني كفيلة بوضع مطلقها تحت مجهر «معاداة السامية» و«إلغائه»؟

هكذا، رأت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية في إبادة جماعية، نافذةً لكاريكاتوراتها الساخرة الرديئة، فسخرت من الفلسطينيين الذين يتعرّضون للموت جوعاً، ولم تجد ما يستدعي السخرية لدى الاحتلال الهمجي الذي يناقض نفسه بشكل يومي. بكلّ استخفاف ووقاحة، نشرت كاريكاتوراً بريشة الرسّامة الفرنسية كورين راي التي تُعرف باسم «كوكو»، تحت عنوان «رمضان في غزّة». في الرسم، يظهر دمار وأشلاء ونازحون مشرّدون، بينهم رجل يلاحق جرذاناً وصراصير، بينما تصيح زوجته «ليس قبل مغيب الشمس!»، في إشارة إلى الصوم خلال الشهر المبارك وشبح المجاعة الذي يلاحق الأطفال في غزّة. الرسم اعترف بجريمة الإبادة التي تُرتكب، ولكنّه رغم ذلك اختار القائمون عليه تأكيد أنّهم في صفّ مرتكبها، غير مكترثين لأحد.
سرعان ما انهالت التعليقات الرافضة للرسم بعد نشره على صفحات «ليبراسيون» على منصّات التواصل، وكانت الغالبية بالفرنسية، وأصحابها من جنسيّات مختلفة من العالم، وهذا ما يعيد تأكيد أنّ الجمهور الغربي لا يتماهى بكلّيته مع النفايات التي يصبّها عليه إعلامه. على X (تويتر سابقاً)، كانت الردود في التعليقات وعبر الاقتباسات (quote) أكثر بثلاث مرّات من الإعجابات، وهذا ما يسمّى في لغة المنصّة ratio (نسبة)، ويُستخدم هذا التعبير للإشارة إلى رداءة تغريدة ما، مع الأخذ في الحسبان أيضاً أنّ وضع الإعجاب أسهل نسبيّاً من الردّ، ما يعني أنّ نسبة الاعتراض تكون في العادة أكثر من 3 مقابل 1.
هي مجرّد حلقة أخرى من مسلسل المعايير المزدوجة الغربية الطويل، بما فيه الإعلام الذي نصّب نفسه أداة بروباغندا في يد آلة الحرب الصهيونية، ضارباً عرض الحائط كلّ ما نادى به لسنوات من احترام المعايير المهنية. يكفي النظر إلى كيفية تعاطي ذلك الإعلام مع الهولوكوست، في مقابل وقاحته عندما يكون الضحايا من غير البيض. هل كانت الرسمة ذاتها نُشرت، كما هي، لو طبّقناها على الهولوكوست بدلاً من غزّة؟