خلال السنوات الثلاث الماضية، ظهر توجه للخروج من الشكل التقليدي لدراما البيئة الشامية، لطرحها بشكل مغاير، بحجة أن هذا الشكل الجديد هو تعبير عن «جانب من التاريخ الدمشقي». ولعل هذا السبب الأساس في كتابة مسلسل «جوقة عزيزة»، الذي جاء نصه مكشوفاً منذ بدايته المباشرة بمشهد مبالغ فيه براقصة حامل تلد وهي تؤدي «نمرتها»، ليفهم المتلقي أن «عزيزة» التي تؤديها الممثلة نسرين طافش، قد ولدت فوق المسرح، فإن الأمر لم يخرج العمل عن المألوف من البيئة الشامية، إلا ليوقعه في مطبات أكثر تشارك فيها كل الممثلين.«جوقة عزيزة»، على المستوى البصري كان جيداً بدرجة كبيرة، إلا أن هذا الجانب لا يبرر سطحية تعاطي طافش، مع الشخصية المحورية في العمل، ولم تجد بالمطلق محاولتها في جعل عزيزة، امتداداً لشخصيات لعبتها الكثير من الممثلات المصريات كراقصات تعرف الواحدة منهن باسم «العالمة». حاولت طافش أن تسكب هذه الروح في الشخصية وربما باتفاق مع المخرج استناداً لكون عزيزة عاشت فترة في مصر قبل عودتها إلى دمشق، وربما كانت الفكرة جيدة لو أنّ طافش تعاطت مع الموضوع بعمق، لا باستسهال «مطمطة الكلام»، مع تحريك الجسد، وسقطت في مطب محاولة «مصرنة الشخصية».
لم يصل «جوقة عزيزة»، بمستوى النص إلى وضع المتلقي أمام دور فاعل لبعض الراقصات في تاريخ المنطقة. على سبيل المثال، كان للراقصة المصرية تحية كاريوكا، ما لعبته في السياسة في عهد الملك فاروق، والرؤساء الثلاثة الذين تولوا الحكم بعده (جمال عبد الناصر، أنور السادات، حسني مبارك). ولعل كاتب النص كان يرغب حقيقة بالوصول بعمله إلى تشكيل مثل هذا الفهم لدى المتلقي بما يثير لديه رغبة المعرفة بجانب قد يكون مغفلاً من التاريخ. وقد جرّب الكاتب أن يفعل ذلك في الجزء الأول من عمل سابق له، لكن هل نجح، وهل كان هذا هماً وحيداً للكاتب خلال العمل على نصه؟!، لكن يبدو أن التفكير بكتابة نص لمسلسل يكون «تريند» في مواقع التواصل خلال عرضه، كان مسيطراً على الجو العام للمسلسل، وباتت الشخصيات تتجه نحو البحث عن كيفية صنع تريند فقط.
العناوين الصحافية التي روجت لـ «عودة نسرين طافش للدراما السورية»، مع بدء تصوير المسلسل، مع بذخ انتاجي واستعراضات لطيفة، ومحاولة للافادة من تريند أغنية «الغزالة رايقة»، بدفع مغنيها الطفل محمود أنور، لتقديم أغنية ضمن المسلسل، لم تكن شروطاً كافية لنجاح العمل المستند إلى نص يحوي مشاهد مدرسية تروي جانباً من التاريخ، بل كانت شروطاً كافية لتحقيقه مجموعة «تريندات» فقط. فعزيزة، على سبيل المثال لا الحصر من بين الشخصيات، جاءت معلقة بين العالمة المصرية والراقصة السورية، ولم تكن أياً منهما، ما جعل المسلسل ككل لاحقا هائماً في الهواء، كأنه أضاع هويته، أهو دراما استعراض، أو بيئة شامية، أو تاريخ مواز، أو فانتازيا ترمى في ماء التاريخ الراكدة لتحركه، فيذهب الجمهور نحو ضرورة البحث عن هوية سورية خصوصاً، والمنطقة عموماً في مرحلة ما بين الحربين.
وللتذكير، فحين أدت أمل عرفة شخصية «فضة» في «خان الحرير»، تدرجت بالشخصية من «الحجّية»، التي تغني في واحدة من خيام ذويها المنتمين للقرباط وصولاً إلى مسارح دمشق، وكانت عرفة، مقنعة بتلك الشخصية كونها مغنية وممثلة في آن معاً، إضافة إلى تصديقها للشخصية وإيمانها المطلق بوجودها، بعكس نسرين التي تعاملت مع الشخصية على أنها شخصية محورية في مسلسل من ثلاثين حلقة يحتوي على أغاني بما سيجعل الجمهور يتابعه، ولم تعتمد على أدواتها كممثلة في نقل عزيزة من ورق النص إلى المسرح، بل اعتمدت على جمالها وتحولها في مرحلة ما قبل التصوير لـ «تريند»، في مواقع التواصل الاجتماعي من خلال صورها الشخصية خلال رحلاتها السياحية، فكانت عزيزة، كأنها وصلت لـ «شارع المرقص»، في ثلاثينيات دمشق، بعد رحلة في جزر المالديف، وهذا ما يجعل من الجدل حول المسلسل، «تريند» يضمن استمرارية متابعته، ورغبة المحطات بعرضه.
لم يكن سلوم حداد مقنعاً في أنه يقدم جديداً من خلال شخصية «جمدي حميها»، الطبال الذي يقود «جوقة عزيزة» برغم أن حداد، من الممثلين المجتهدين جداً في البحث عن جديد، إذ سبق له أن قدم شخصية جميلة حين كان «أبو نجيب» في مسلسل «زمن البرغوث»، وقد استند إلى هذه الشخصية في أداء «حمّيها»، من خلال ترديد بعض الجمل بطريقة «أبو نجيب» في بدايات العمل، ثم بدأ على مستوى الأداء بفرد أوراقه ليقدم شخصية وإن لم تكن مقنعة في أهميتها في المسلسل، إلا أنها ستكون علامة فارقة في مسيرة سلوم، ينقسم الجمهور بين اعتبارها علامية ايجابية أو نكسة في تاريخه، لكن الشخصية أحدثت «تريند»، من خلال مقاربات الجمهور ومقارناته بين ما قدمه سلوم سابقاً من شخصيات بتنوعها، وبين «حمّيها» التي جاءت كإضافة هامة للألبوم الشخصي لسلوم حداد.
طرح شخصية المثلي من خلال عزمي نسوان، كان بغرض إثارة الجدل، أكثر حول العمل أثناء العرض، كأن الكاتب كان يفكر بردود أفعال الجمهور حول هذه الشخصية بما سيجعلها «تريند»، أكثر من ضرورتها الدرامية، فماذا لو أنّ الخيار البديل كان راقصة تنافس عزيزة، بجمالها وتحلق الرجال حولها..؟!
كل الشخصيات لديها لوازم ترددها تقريباً، غالبية الممثلين حاولوا أن يجعلوا من شخصياتهم مستندة للفكاهة، في محاولة من صنّاع العمل لاستجرار ضحكة المتلقي بما يدفعه للمتابعة، وما يجعل اياً منها قابلة للتداول عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ويمكن اعتبار أن الرغبة بإثارة الجدل، وخلق «تريندات» حول المسلسل باتا من قواعد الفكر التجاري الفني.