في كانون الثاني (يناير) من العام 2020، تشكّلت حكومة حسّان دياب. حكومة تولى فيها حمد حسن وزارة الصحة، لندخل بعد شهر تقريباً في أزمة صحية عالمية، تمثلت في بدء تفشي وباء كورونا، ودخول لبنان عصر هذه الجائحة، وجوائح أخرى أخلاقية وإعلامية، استمرت الى حين استلام فراس الأبيض أخيراً دفة الوزارة في الحكومة الميقاتية. مع ملف كورونا، الذي قلب البلاد، وأدخل لبنان في أزمات صحية واقتصادية متلاحقة، صوّبت السهام مباشرة على حسن، فقط بسبب انتمائه الى حزب سياسي تعارضه غالبية وسائل الإعلام في لبنان. هكذا، مع انتشار الوباء وسلسلة الإقفالات التي شهدتها البلاد، مضافاً اليها الأزمات الإقتصادية والنقدية، التي أصابت القطاعات الحيوية وعلى رأسها القطاع الصحي، أُمطرت وزارة الصحة في عهد حسن، بفائض من تحميل المسؤوليات وتوهين الجهود المبذولة في أزمات باتت مستعصية داخل هذا القطاع، سيما أزمة الدواء والمستشفيات والجهات الضامنة معها. على أبواب أفول عدد من المستشفيات الحكومية والخاصة اليوم، أو أقله اقفال أقسام أساسية داخلها أوقفت تقديم خدماتها الطبية، واستمرار هجرة الأطباء، وتفاقم أزمة الأدوية سيما السرطان، وملف مستحقات المستشفيات والجهات الضامنة والمستلزمات الطبية، ومتابعة قضية مداهمة اصحاب المستودعات، واحتكار الدواء، لم نجد على وسائل الإعلام المحلية كما في السابق، تغطية ومتابعة لكل هذه الملفات التي تتعلق مباشرة بصحة المواطن وبقائه على قيد الحياة. هكذا، أخرست هذه المنصات نفسها، عن الكلام وإعلاء الصوت، كما كانت تفعل سابقاً، ولو على خلفية أجندة سياسية واضحة. مع مجيء فراس الأبيض الى وزارة الصحة، وما رافق هذه «النقلة» من إدارة «مستشفى بيروت الحكومي»، الى مقر حكومي من شوائب في التعيينات والتوظيف، لم يذكر اسم الرجل الا نادراً في الإعلام. وإن حضر فإن غالباً ما يرافقه المديح. كلنا يذكر مقالة L'Orient-Le Jour المعنون «هل يستطيع فراس الأبيض علاج لبنان؟» (?Firas Abiad peut-il soigner le Liban)، المنشورة في 11 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. مقالة/ بورتريه تمتدح فراس الأبيض، وتلفت إلى أن تسميته كوزير للصحة من شأنها «أن تبعث الأمل». وبعدها ظهر الأبيض في مقابلة يتيمة ضمن برنامج «صار الوقت» (mtv)، في تاريخ 21 تشرين الأول (أكتوبر)، ضمن حلقة خصصت للإطلاع على القطاع الصحي، واستضافت وقتها حفنة من أصحاب الشأن، ولم ينس مارسيل غانم أن يصف الأبيض بـ«الفارس»! إزاء هذا الصمت المطبق الذي ساد القنوات اللبنانية بعيد تولي الأبيض وزارة الصحة، وسكوته عن فتح ومتابعة الملفات الصحية التي تتعلق مباشرة بحياة الناس، تفتح أسئلة حول هذه الأجندة، التي انقلبت رأساً على عقب، بعدما كان حمد حسن الشغل الشاغل لهذا الإعلام. مورست بحقه وحق فريقه السياسي أشرس الحملات، التي دخلت دهاليز التسييس والتطييف، كحادثة وصول اول حالة كورونا الى لبنان في شباط (فبراير) من العام 2020، عبر طائرة ايرانية. وقتها كنا أمام حملة إعلامية معادية تحمّل «الشيعة» وايران مسؤولية إدخال الوباء الى البلاد، ليتبين لاحقاً بأن الحالة الأولى لكورونا «مسؤولية الآباء اليسوعيين». ولا ننسَ طبعاً، قضية الإقفال العام ووصول لبنان الى ذروة التفشي في كانون الثاني (يناير) الماضي، وامتلاء المستشفيات بالإصابات، وتحميل وزير الصحة المسؤولية. وآخر المآثر، اقتحام حسن لمجموعة من مستودعات الأدوية المفقودة من السوق والمحروم منها العديد من المرضى، سيما اصحاب الأمراض المستعصية. وقتها أيضاً، استهدف وزير الصحة، وعُمل على توهين جهده، وإدخاله في زواريب سياسية، عدا التشكيك بالمحاسبة القضائية للمحتكرين. إذاً، بسحر ساحر، انطفأت الهمروجة الإعلامية التي طالت لأشهر وزير الصحة السابق حمد حسن، وخرس الإعلام من جديد عن المتابعة والمحاسبة والإضاءة على الأزمات الصحية التي لم تحلّ بعد الى هذه الساعة، مقابل مساحة من المديح وتلميع الصورة تخدم صاحبها وتسقط في الحسبان صحة اللبنانيين.