طريق القصر! فكرة وثائقي لمجموعة إعلاميين سوريين لم تنفّذ. الطريق الوحيد في البلاد الذي لم تحفر اسفلته قذيفة، ولم يشوّه معالمه انفجار. ولم تنطفئ أنواره على مدار عقد من الحرب والوجع الذي دمغ يوميّات الشام! كذلك لم يوضع عليه حاجز، ومع ذلك كان محميّاً برموش العيون. الطريق العصري، يشعرك بأنك خارج تهالك العاصمة وترّنحها، خاصة أنه يوصلك إلى المدينة الجديدة. «مشروع دمّر» الرابض بوداعة على كتف الشام من فوق. يبدو في هذه الفترة من السنة مبتهجاً، كما هي حاله في كلّ فصول العام. هناك وفي أحد البيوت المترفة، يدير فريق جرّار عمليّات التصوير لفيلم روائي قصير بعنوان «في يوم وليلة» (اسم مبدئي- عن فكرة للنجم محمد قنوع- سيناريو وإخراج رند شاكر بطولة : تسنيم باشا ومحمد قنوع وسيزار القاضي- مدير إضاءة وتصوير: جلال ناصر- Art Director: زكّريا الطيّان- مونتاج: وسيم مغربل- تصميم أزياء: ديمة فيّاض) المخرجة السورية الناشئة التي درست الرّياضيّات كانت أمامها فرصة ربما لخوض العمل السياسي في واحد من الأحزاب السورية المستقلّة، لكنّها اختارت أن تتقفى شغفها في الفن. هكذا، طلّقت كل شيء والتحقت بـ «الأكاديمية السورية الدولية للفنون» لتدرس دبلوم إخراج لمدّة سنتين على يد: أوس محمد لمادة الإخراج، وأحمد خضر تاريخ السينما، وإيهاب مرادنة مكساج ومونتاج، وأكثم حمادة إعداد ممثل، ورانيا الجبّان وبشار عبّاس للسيناريو، ونزار بلال سينوغرافيا، وعمار الحامض إضاءة وتصوير. ثم قررت أن تصرف كلّ مدّخراتها ربما، لتنتج فيلماً قصيراً يكون بمثابة مشروع تخرّج، بعدما اختبرت العمل الميداني كمساعد مخرج متدرّب في الفيلم الروائي الطويل «الحكيم» (سيناريو: ديانا جبّور، إخراج: باسل الخطيب، بطولة: دريد لحّام، وإنتاج: المؤسسة العامة للسينما)الفريق يعمل بتفهّم واضح أنه أمام تجربة غضّة تحتاج اجتهاد كلّ واحد فيهم لمنحها دفقة نضج زائدة، تساعد على ظهوره في أفضل حال. القصّة ترتبط بشكل مباشر مع فكرة الوحدة والعزلة التي تخيّم ضمنياً على عدد كبير من سكان هذه المنطقة المنهارة، حتى ولو بدا في شوارعها عكس ذلك. يحكي الشريط في سبع دقائق عن سيدة تفقد زوجها بضربة قاسية تحت الحزام، لتعيش لاحقاً على غيابه، كأنه موجود معها في كلّ لحظة. في حديثها معنا تقول رند شاكر: «لا يمكن إغفال العلاقات الاجتماعية، ومدى إفادتها على أي شخص في بداية مشواره الفني. لعّلي أتمتع بحالة اجتماعية جيدة ساعدتني لأكوّن صداقات في الوسط الفني، انطلاقاً من تجربتي كمخرج مساعد متدرّب في فيلم «الحكيم» جعلت هذا الفريق الذي تراه أمامك، يتحّمس بكل طاقاته وإمكانياته وخبراته، لدعمي في مشروع تخرّجي الذي أردته أن يكون فيلماً احترافياً» وتضيف: «اشتغلت على نسخة نصف خام، لأكثر من مرة حتى اتفقنا على صيغة اقترحها النجم محمد قنوع، وأنجزت السيناريو والحوار برفقة الممثلة الرئيسية في العمل تسنيم باشا، والخلاصة التي تلّخص مقولة الشريط ترتبط بشعور الذنب الذي قد يرافق شخصاً ما، على مدار حياته بعد أن يغرق في وحدة كالحة تسّور يومياته.. على هذه الهيئة، جرّبت التركيز على شكل اللقطة، واللون، والكوادر، والحالة البصرية بالمطلق». لكن قد يعتقد العامة من الناس بأن الإصرار على العمل في الجانب الفني في بلاد تتهالك اقتصادياً، هو ضرب من المغامرة، فما الذي يجعل شاباً سورياً اليوم يفكّر أن يسلك هذه الطريق الصعبة من دون وجود أدنى المقومات الكافية لانطلاقة مهنية صحيحة؟ تجيب: «ربما لأن الحال وصلت إلى ما صارت إليه اليوم، بتنا نحتاج لهذا الإصرار بأن يكون هناك جيل شاب جديد، ودماء ممتلئة بالرغبة لأن تصنع شيئاً ما علّه يعدل الموقف. الحديث هنا ليس عن شخص بعينه، إنّما عن جيل كامل. في سوريا الآن عدد جيّد من المخرجين الشباب الأكاديميين، ربما تكون تجربة السدير مسعود في «قيد مجهول» إشارة صريحة تستحق التوّقف ملياً والاحتفاء الكامل بها»