أيّام من الحشد والضخّ الإعلاميّين سبقت الذكرى السنوية الأولى على تفجير المرفأ. «فلشت» وسائل الإعلام المحليّة المشهديّة الدمويّة التي خلّفها تفجير الرابع من آب (أغسطس) من العام الماضي، وقاربت هذه القضية بطريقة لا تليق بشهادة من لقي حتفه في ذاك النّهار، أو ما زال يتعافى من جراحه، وصولاً إلى الدخول في لعبة استنطاق الشهداء. ليلة الثالث من آب (أغسطس)، أي قبيل الحدث الكبير، شهدت زخماً إعلامياً ممزوجاً بالتصويب السياسي، إذ حاولت بعض القنوات إعلاء «دوز» الشحن العاطفي معطوفاً عليه بالطبع الاستثمار السياسي. برزت في هذا السياق، محطة mtv. للمرة الأولى، تخصّص القناة ساعة ونصف الساعة لنشرتها الإخبارية.
تلت ريما زاهد أوّل من أمس مقدّمة نشرة أخبار «أم تي في» باللغة العربية.

استعانت ببعض وجوه عوائل الشهداء لقراءة مقدمة النشرة الإخبارية، وعمدت إلى إعادة تلاوتها باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية. هكذا، ظهرت شقيقة الشهيد أمين زاهد، ريما، بحجابها وثيابها السود، وراحت تتلو من استديو الأخبار في mtv، ما دوّنته الأخيرة من مواقف سياسية عشية الذكرى الأليمة. أكدت ريما زاهد بأن «الكلمة لنا» أي لعوائل الشهداء، وبأنها تتحدث باسم 219 شهيداً، عدا المصابين، وراحت تقرأ ما كتب لها من بيانات سياسية، إذ قالت: «أصابع الاتهام نوجّهها إلى الجمهورية ورئيسها، إلى البرلمان ورئيسه، وإلى جميع الأحزاب»، ودعت الناس إلى الاحتشاد يوم الرابع من آب، و«احتلال الوزارات»، و«القصور وأوكار» السياسيين، في سبيل «إحقاق الحق». في نهاية الاستهلالية، وجّهت تحية إلى القاضي طارق البيطار، وختمت بالقول: «نتوجّه إلى المجتمع العربي، والدّولي... أكيد رح يطلعو أحسن منكم». وللتوجه إلى المجتمع الدولي بشكل «أفضل»، شاهدنا، تلاوة النص عينه، بالإنكليزية على لسان عصام عطا شقيق الشهيد عبده عطا، وبالفرنسية تولّت قراءته سيسيل روكز شقيقة جوزيف روكز.
تمرير الرسالة السياسية وتصفية الحسابات


هكذا، مرة جديدة، «يستعمل» الإعلام عوائل الشهداء ويدخلهم في لعبته المسيّسة، ساعياً نحو شحذ العواطف، واستخدامها بالتّالي لتمرير رسائله السياسية وتصفية الحسابات. قناة «المرّ» التي اختلفت أول من أمس، عن زملائها في نشرة أخبارها، سعت بالتوازي إلى التّحشيد ودعوة الناس إلى العودة إلى الشارع، واستغلال هذه المناسبة، إلى جانب، ممارستها التضليل الإعلامي من خلال تقرير إخباري، يتحدث عن المسار القضائي الذي سلكته قضية تفجير المرفأ، من القاضي فادي صوان وصولاً إلى القاضي طارق البيطار. تقرير صوّب على «حزب الله» وأمينه العام السيد حسن نصر الله، إذ اتّهمه بـ «تطيير» القاضي صوّان، عندما عبّر نصر الله في خطاب سابق عن «ارتياب» جرّاء استدعاءات صوان. واستكملت المحطة، هذا الإتهام، بربطه بخطاب آخر لنصر الله، يحذّر فيه من «التّوظيف السياسي»، على خلفية الأسماء التي استدعاها المحقّق العدلي، واتهمت المحطّة الأمين العام لـ«حزب الله» بـ «محاولة كفّ يد» القاضي البيطار. اللّافت هنا، عدم سؤالها عن أسباب دخول سعد الحريري ـــ بعد خروجه من السلطة ــــ في لعبة الاستقطاب السياسي، ومطالبته بتعديل الدّستور لرفع الحصانات عن الشّخصيات الأمنيّة والسياسية المستدعاة، ولا رؤية أنّ ما عبّر عنه نصر الله يعدّ مشروعاً في سياق ما خرج من تسريبات حول التحقيق القضائي. من جهتها، لم تكن «الجديد» أقل استغلالاً للمأساة. إذ صوّبت أمس، بشراسة على رئاسة الجمهورية، وأوردت في نشرة أخبارها المسائية بأنّ عون سيطلّ على اللبنانيين و«يدلي بدلوه من عنبر بعبدا»، في ربط مباشر بتفجير المرفأ والتذكير بـ«عنبر رقم 12» الذي احتوى على دمار مدينة بيروت. في هذا السياق، كان لافتاً كذلك، امتناع lbci، عن نقل كلمة عون المسائية الموجهة إلى اللبنانيين، في خروج واضح عن باقي المحطّات التي التزمت جميعها ببث الكلمة، المخصصة على وجه التحديد لعوائل شهداء تفجير المرفأ. بعد انتهاء الخطاب، قرّرت المحطة إعادة بثّه على الهواء، ضمن مقاطع مولّفة، كأنها أرادت إجراء رقابة مسبقة عليه.
طيلة الأيّام الماضية، كان بعض وسائل الإعلام اللبنانية يغرق المشاهدين في قصص مؤثرة عن عوائل الشهداء وعن الناجين من التفجير العظيم، فيما سارت قنوات أخرى، بمنطق آخر، مع الانقسام العامودي السياسي الحاد في البلاد، واستخدام قضية المرفأ لتصفية الحسابات بين الأحزاب. برزت في هذا الخصوص، otv، التي تصرّفت بطريقة دفاعيّة، وظهر ذلك في أدبيّاتها المستخدمة، وتحذيرها من محاولة استغلال قضية المرفأ لتحقيق مآرب سياسية. هكذا لفتت القناة البرتقاليّة، إلى المتاجرة «بدماء الشهداء» الحاصلة في هذا الملف، وراحت تستعرض مواقف كل من «حركة أمل»، و«التيار الوطني الحرّ»، وضمناً «حزب الله» في ما خصّ رفع الحصانات، والتأكيد على أنها بيد رئيس المجلس النيابي، وأن باقي ما يحصل لا يعدو كونه استثماراً سياسياً في هذه القضية ويندرج ضمن «الشعبوية»، ومحاولة «حرف الأنظار». وعادت وأكدت على الأمر من خلال ما أوردته في مقدمة نشرة أخبارها أول من أمس، من دعوة إلى «فضح كل شخصية سياسية تستغل الألم»، وإلى كشف «كل حزب أو تيار يتاجر بالدم».



«كرنفال» القمصان


مع استذكار اللبنانيين لتفجير المرفأ قبل عام، بدا يوم أمس أشبه بكرنفال على الطريقة اللبنانية، في كل ما حوته المشهديّات، حول وداخل المرفأ البيروتي. وطبعاً هذه السمة الاستعراضية لم تغب عن الشاشات اللبنانية التي توزعت تغطيتها بين المرفأ والأستديوات. فكان لافتاً أمس، تنافس الـ «تيشرتات» إن صحّ التعبير بين مذيعي ومذيعات القنوات اللبنانية. إذ ظهر طاقم lbci، خلال تغطية الذكرى الأولى لتفجير المرفأ، مرتدياً «تيشرت» سوداء، مكتوباً عليها عبارة «كل يوم 4 آب» على غرار ما عنونته المحطة لتغطيتها للحدث قبل أسبوع. وعلى otv، التي وضعت أسفل يسار شاشتها عبارة «العدالة لبيروت» مع صورة لتمثال «الحرية» في «ساحة الشهداء»، عاد وظهر الشعار على «تيشرت» مقدمة برنامج «حوار اليوم» جويل بو يونس. وسرعان ما انتقلت هذه «الظاهرة» إلى ربوع mtv، التي ظهرت على شاكلة «تي شيرت» سوداء، أيضاً، ارتدتها نبيلة عواد (الصورة)، وكتب عليها بالإنكليزية :«Beirut 4 August 2020». هكذا، تبارت المحطات ومعها المذيعات في ما بينها، في ذكرى التفجير الأليم، على استعراض الـ «تيشرتات» وتظهير شعاراتها، ضمن لعبة المنافسة، وضرب بعرض الحائط المعاني الإنسانية العميقة التي تجسّدها الذكرى.