في أواخر شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، صدح صوت وزير الإعلام السابق ملحم رياشي، بالنشيد الثوري «جايي مع الشعب المسكين» (كلمات وألحان زياد الرحباني) في «ديو المشاهير». غنّى للأرض، للمساكين، للفقراء. سبقته ليلى عبد اللطيف، رافعة قبضتها هذه المرة على البلاتوه عينه، لتغني الأيقونة الثورية Hasta siempre comandante، المهداة الى الثائر الأممي أرنستو تشي غيفارا. مشهدية لم نعهدها قبلاً على قناة المرّ. اتخذت من برامج الترفيه، وحضور المشاهير موئلاً لها. طبعاً، النشيدان الثوريان السابقا الذكر، واللذان يعدّان من أشهر الأناشيد حماسة وتعبيراً عن مآسي الشعوب وتوقها نحو خلاصها، وضعا ضمن إطار «ديو المشاهير»، واستخدمت فيهما كل الأدوات البصرية والإستعراضية، لمحاولة محاكاة مضمونهما. غادرت ليلى عبد اللطيف، وغادر بعدها رياشي، لتنتقل المشهدية الى البرنامج الجديد الذي انطلق الأسبوع الماضي «بدا ثورة» (منتج منفذ ورئيس تحرير: رامي زين الدين ــــ إعداد وتقديم: غادة عيد)، الذي ينافس برامج الإثنين. إذ كان لافتاً، التقرير الذي استهلت به الحلقة. لوهلة يحسب المرء نفسه، أمام شاشة أخرى، يسارية للعظم، تطالب بحقوق الناس. تقرير مشغول بحرفة، لجهة تكثيف الرسائل النوستالجية لبيروت القديمة، بيروت قبل الخراب، والحرب. لعلّ الساخر هنا، طريقة مقاربة ما كانت عليه سابقاً، وما حصل اليوم، من تشوهات شابتها، ومعها مناطق كثيرة. الملاحظ في التقرير، مخاطبة المشاهد بصيغة المجهول. هكذا تتراكم ملفات الفساد، من الأنهار، الى الشواطىء، فالمساحات الحرجية، وصولاً الى النقل العام ودور السينما. يخص التقرير، منطقة «وسط بيروت»، التي باتت كما يروي- للأغنياء، ولباقي الفقراء كي يأخذوا صوراً تذكارية فقط «هالقد الميزانية بتسمح». يسرد التقرير سلسلة أحداث، تمسّ اللبنانيين، وما آلت إليه بلادهم، وتبقى طبعاً في صيغة المجهول ككيل الإتهامات على هذه الشاكلة: «هجّروا الناس، واخدوا بيوتها وأراضيها». التقرير يتعاطف مع الطبقة المعدمة، التي باتت مخنوقة، ولا تستطيع التنفس إذا أرادت على كورنيش «الزيتونة» الذي تحوّل -بحسب التقرير- الى «معرض ليخوت الأغنياء». مشهديات بصرية بين الماضي الجميل، والحاضر البشع، بكل ما وصلت إليه بيروت من تشوّه وفساد، وفقر معدم، تحضر في هذا التقرير، الذي يلعب على الناحية العاطفية، عند الناس، ويدعوهم في ما بعد للقيام بـ «ثورة». جميلة هذه النوستالجيا، لكن، أين توظيفها على شاشة تستخدم الخطاب اليساري والثوري كطريق للوصول الى الناس ومعضلات بلادهم، فهل ستنجح؟.