تفنّد أبو شقرا في وليدها الأول، الفروق ما بين الإعلام المرئي، والمكتوب، والمسموع والإلكتروني، في طريقة التعاطي مع المصادر. على سبيل المثال، يصعب جداً على وسائل إعلام مرئية، الاتكاء بشكل أساسي على المصادر، لما تتطلبه طبيعة العمل في هذا الوسيط، من إبراز للأدلة والشهادات العينية، ضمن العمل الميداني. طبيعة عمل تختلف جذرياً عن عمل المواقع الإلكترونية التي تفتقر بالطبع إلى العمل الميداني وفق الباحثة. وتخصص الأخيرة مساحة رحبة، للحديث عن الإعلام اللبناني (بكل تشوهاته) الذي يعتبر من أكثر المنصات استخداماً للمصادر، مؤكدةً أن هذه الظاهرة تحوّلت إلى نمط صحافي معتمَد وحتى «مشرعن». فالأخبار المحلية مثلاً في الصحف، تعتمد على تجهيل المصادر، فيما قسم الدوليات يذهب نحو الاعتماد على مصادر الوكالات العالمية. والصعوبة تكمن هنا في استخدام الصيغ المصدرية، و«التحقق ما إذا كان المصدر يحتوي على تحليل أو رأي»، هنا، بالطبع، يقع الالتباس بين الصيغتين.
«أناس وافدون»، يتّسمون بـ «ثقافات متدنية»، وتنقصهم المهارات الصحافية
الفصل الثالث، المعنون «علاقة الصحافيين اللبنانيين بمصادرهم»، يضع يده مباشرة على الجرح، إن صحت تسميته كذلك. الوضع الإعلامي اللبناني، يشهد تغيرات جمّة، ازدادت مع الوقت، وقيّدت معها العاملين في هذا الحقل. مجموعة معوقات تسردها أبو شقرا، تخصّ هؤلاء، والضغوط التي تمارَس عليهم، بدءاً من طبيعة المؤسسات الإعلامية، المرتهنة، لرأس المال، والأحزاب، وباقي مالكي القنوات وصولاً إلى ذوبانها في الهيكل الاجتماعي-السياسي، وغياب المواثيق الأخلاقية عنها. معوقات تمنع الصحافي من تأدية مهامه بشكل مهني، وتحيله عاملاً مرتهناً لها. في هذا الفصل، تفصّل أبو شقرا، التحّولات التي طرأت على القطاع الإعلامي اللبناني، من خلوّه تقريباً من نخب كانت تعمل داخله، لصالح «أناس وافدين»، يتّسمون بـ «ثقافات متدنية»، وتنقصهم المهارات الصحافية، التي تغيب بالطبع عن المؤسسات الإعلامية، ومبادرة تطوير كادراتها. واقع مرير، نواته عاملون في المهنة، طارئون عليها يشكلون النسبة الأكبر بحسب المبحث. في هذا القسم أيضاً، عمل ميداني، عبر سلسلة مقابلات أجرتها الباحثة، كما ذكرنا آنفاً، مع 24 صحافياً/ة، لاستصراحهم حول هذه الظاهرة، واستخدامهم للمصادر، وكيفية توزعها (مصادر مجهّلة، أصحاب القرار والمصالح، إفادات الشهود، أصحاب الرأي والتحليل)، وأهميتها في أعمالهم اليومية. ثم ندخل عالماً آخر، مستجداً في عالم الإعلام، ألا وهو التعاطي مع مصادر الإعلام الجديد، والمنصات الافتراضية. لا شك في أنّ هذه الأخيرة أثّرت في العمل الصحافي، بنسب معينة، إذ شرّعت استخدام الصيغ المصدرية وغير المعروفة بشكل أكبر. ومن الإشكاليات الأكثر إلحاحاً العلاقة التي تحكم المصدر بالصحافي. علاقة شائكة تشوبها ثغر، تتعلق بالمسافة المتخذة من المصدر، وضرورة الحذر من تحوّل الصحافي إلى أجير وبوق لديه، أو الوقوع في أفخاخ المصدر، أو تعرض الصحافي للابتزاز من قبله. يبقى السؤال الجوهري، الذي تطرحه أبو شقرا في مبحثها: «هل من معايير تحكم استخدام المصدر في الإعلام؟». من هنا، وجب تبعاً، لتوصيات الأكاديمية اللبنانية، تحرك المختصّين ومسؤولي المؤسسات الإعلامية، لينبروا إلى وضع سياسة تحريرية، تحكم هذه العلاقة، وتحدّ من تهديد سمعة الوسيلة الإعلامية وصدقية صحافييها، وإعادة الاعتبار إلى الصحافة اللبنانية، ومعاييرها المهنية.