شكلّ عام 2015 ذروة الأزمة الاقتصادية بالنسبة إلى القنوات اللبنانية. أزمة تدرّجت منذ «الربيع العربي»، واستفحلت في شباط (فبراير) 2015، إثر الاشتباك الحاصل بين القنوات وأصحاب الكابلات، ما ولّد «وحدة» فريدة من نوعها بين وسائل الإعلام المرئية. إذ عُمل وقتها على اقتراح اقتطاع مبلغ 6 آلاف ليرة من أصحاب «الكابلات»، كجزء من حقوقها الفكرية. اقتراح رفضه هؤلاء، لتدخل القنوات في دوامة جديدة، وحتى في اقتراحات غير عملية، استحالت كفاقعات الصابون. مثلاً، ارتأى رؤساء مجالس إدارات القنوات بالاجتماع سوية تحت «باقة مشتركة»، تضمن حقوقهم، وتقيهم غيلان أصحاب «الكابلات». لكن، بالطبع ظلّ هذا الأمر كلاماً في الهواء. تبعه اقتراح أن يدفع المشاهدون/ات، أيضاً دولاراً واحداً مقابل مشاهدتهم القنوات اللبنانية. هذه الصورة القاتمة خيّمت على واقع التلفزيون اللبناني، وقد أسهمت سلسلة التمديدات للمجلس النيابي في زيادة هذه الأزمة. ولم يأت الانتعاش إلا قبل أشهر، وتحديداً في أيار (مايو) الماضي، مع الاستحقاق النيابي المؤجل منذ سنوات. أتت الانتخابات كمنقذ للقطاع المرئي. فقد كرّست الشاشات نفسها في تلك الفترة، لتضحي الحاضن الأكبر لعدد من المرشحين. راحت ترّوج لهم ولمشاريعهم الانتخابية، مرة على شكل برامج وأخرى على شاكلة استضافات ضمن برامجها الحوارية السياسية. ملايين الدولارات دخلت جيوب هذه الشاشات، وبدأ المشهد السوداوي يتبدّل.
خلال الأشهر الماضية، عادت التلفزيونات إلى التنافس في ما بينها لجذب المشاهد مرة عبر مضامين مبتذلة، ومرة عبر محاولة ركوب قطار العصر، وما يحصل اليوم عالمياً بخصوص «البث الحيّ» (ستريمينغ)، والفيديوات حسب الطلب (VOD). أيضاً، عملت هذه القنوات على إجراء تغيير مستمر لشكل وهيكلية مواقعها الإلكترونية، ومحاولة توجيه التحسين لخدمة المتصفح وتسهيل بحثه ضمن موادها المعروضة («الجديد» جدّدت موقعها الإلكتروني قبل أسابيع)، وإدخال خدمات ومنصات أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي لهذه القنوات. مثلاً، أقدمت «الجديد» على تخصيص منبر للبث المباشر من غرفة الـ «أونلاين» واستضافة شخصيات ومحللين سياسيين، بمعزل عن القناة الأم. لكن، تبقى الخطوة اللافتة إقدام mtv و lbci، على إقفال موادهما، مع فارق أن محطة المرّ تشترط فقط الاشتراك عبر البريد الإلكتروني لتكون برامجها متاحة للمشاهدة، وحتى أرشيفها، بخلاف «المؤسسة اللبنانية للإرسال». فالأخيرة فرضت اشتراكاً شهرياً (4.99 دولار)، وسنوياً (54.99 دولار) مقابل دخول المتصفح لمشاهدة أي برنامج حديث أو مؤرشف، عدا طبعاً، كلفة البث الحيّ المباشر. تأتي خاصية الدفع المسبق «بريميوم»، ضمن مناخ عالمي سبق لبنان بأشواط، عبر بيع المحتوى أو احتكاره ضمن منصات مخصصة أكان للموسيقى أو حتى الفيديو. لكن يبقى السؤال: هل ستنجح القنوات لا سيما lbci، في خطوتها هذه، في ظل تراجع دور التلفزيون، وولوج النشطاء على المنصات الافتراضية واستقرارهم هناك. علماً أنّ lbci أغفلت الأوضاع الاقتصادية الراهنة. وفي حال اعتبر مبلغ الاشتراك زهيداً، هل يعتقد المشاهد أنّ ما تقدمه القنوات من محتوى يستأهل فعلاً بيعه؟! طبعاً، الأجوبة ما زالت مبكرة في انتظار قرار بقية الشاشات في حذو زميلتيها، أو تراجع القناتين عن الخطوة، أو أقله lbci التي تطلب مقابلاً مادياً للمشاهدة. فواقع القنوات المحلية، لم يصل بعد إلى مصاف كبريات الشركات العالمية التي تحتفل هذه الأيام بانضمام الملايين إليها كمشتركين، لما في عروضها من إغراء حقيقي جاذب.